مارست الأطراف الخارجية ضغوطاً شديدة على أحزاب المشترك كي تقبل التوقيع على المبادرة الخليجية في صورتها الثانية بعد تعديلها, وبحسب حسن زيد القيادي في المشترك وأمين عام حزب الحق المعارض فقد طُلب من المشترك إما الموافقة على المبادرة والتوقيع عليها (كما هي), ما لم فسيُمنح النظام الضوء الأخضر بتصفية الساحات بالقوة, وسيُحمى كما حدث في البحرين. لكن ما حدث بعد ذلك أن المعارضة وافقت على النسخ الخمس من المبادرة الخليجية المعدلة من قبل الوسطاء وفقاً لرغبات صالح, بيد أن هذا الأخير رفضها جميعاً في نهاية المطاف, في حين لم ُتلّوح له تلك الأطراف ذاتها التي هددت المشترك من قبل, بفرض أية عقوبات عليه وعلى نظامه جراء تنصله عن التوقيع, وعدم مبالاته بجهود الوسطاء وتعامله التكتيكي مع تلك المبادرات التي أذعنت جميعها لرغباته فيما ظل هو يُسوّف ويراوغ طلباً لكسب المزيد من الوقت والتنازلات. وطوال الوقت ظل الوسطاء يتحدثون عن ممارسة ضغوط على صالح لنقل السلطة, دون أن نلمس ما يشير إلى حقيقة تلك الضغوط من قبيل العقوبات على سبيل المثال, في حين أن توقيع المشترك للمبادرة الخليجية برغم ما فيها من إجحاف للثوار لم يوفر الضمانات الكافية لحمايتهم في الساحات من بطش صالح ونظامه القمعي كما تعهد الوسطاء, بل ظلت المجازر الوحشية تُرتكب بحقهم في مختلف الساحات, حتى غدا قتلهم والتنكيل بهم شيئاً معتاداً ويكاد يحدث بشكل يومي, وبلغت ذروة انتهاكات النظام ومجازره الوحشية بحق شباب الثورة يوم التاسع والعشرين من مايو المنصرم حين أقدمت قوات صالح من الحرس الجمهوري والأمن المركزي والبلاطجة باقتحام ساحة الحرية بمدينة تعز معززين بالدبابات والدروع وقاموا بإحراق ساحة الاعتصام بمن فيها من المحتجين, وكانت مجزرة مروعة سقط فيها أكثر من مائة شهيد, منهم من اُحرق داخل الخيام حيث لم يتمكن من النجاة بنفسه, فمن الذي أعطى الضوء الأخضر لصالح ليوعز لقواته بارتكاب تلك الجريمة البشعة ضد شعبه والإنسانية جمعاء؟ وأين كانت حينها الأطراف الدولية والإقليمية الراعية للمبادرة الخليجية؟ ولماذا ظلت متمسكة بها رغم أن صالح أحرقها في مخيم المعتصمين بساحة الحرية بتعز، بل وفي كل ساحات التغيير التي يكافح فيها الثوار لنيل حقوقهم؟ لقد لزم الوسطاء الصمت ولم يبادروا حتى لتوجيه اللوم لصالح على ما فعل بأبناء وطنه, ولم يُلوحوا له بأي نوع من العقوبات المفترضة التي أقلها سحب المبادرة, بل ظلوا يترجونه التوقيع عليها والبدء في عملية نقل السلطة, في حين كانت إرادة الله له بالمرصاد, واقتصت لأولئك الذين جرى حرقهم وقتلهم بدم بارد في تعز وبقية المدن اليمنية, وغادر صالح للعلاج في السعودية, فيما بدأت مسرحية الحرب على الإرهاب وفقاً للخطة التي كان وضعها صالح من قبل وهدد بها الخارج, معتبراً وجوده هو الضمانة الفعلية لأمن واستقرار البلد والقضاء على الإرهاب, وتحت مظلة الحرب على القاعدة المفترضة اكتسبت عائلة صالح الشرعية الدولية لوراثة نظامه, بل وشرعية تصفية خصوم النظام ومناهضيه على سائر الأراضي اليمنية, وشرعت قوات صالح في قمع مناوئيه في تعز وأرحب ونهم وفي مختلف مناطق اليمن, بينما غضت الأطراف الدولية الطرف عن كل ذلك لتعاود حديثها مجدداً عن الفرصة السانحة التي وفرها غياب صالح للبدء الفعلي في نقل السلطة, وطوال فترة غياب صالح لم تتقدم تلك الأطراف خطوة واحدة في هذا الاتجاه! وكلما أرادت المعارضة الإقدام على أمر ما, جاءتها التطمينات من قبل تلك الدوائر الخارجية بأن الأيام القليلة القادمة ستشهد خطوات عملية وتقدماً ملموساً باتجاه نقل السلطة, وما عليكم سوى التروي وعدم الإقدام على أية خطوة من شأنها أن تزيد الوضع تعقيداً, وفشلت محاولات إقناع النائب بتسلم السلطة, فيما رفض أبناء صالح المسألة من أساسها واعتبروا ما يحدث مهزلة وليس ثورة, في حين اعتبر المؤتمر نقل السلطة في غياب صالح أمراً لا أخلاقياً! وطوال خمسة أشهر كاملة ظل الحديث عن مسألة نقل السلطة مجرد كلام للاستهلاك المحلي بغية الحد من الفعل الثوري, وعندما أحست المعارضة بأنها وقعت في الفخ تداعت لتشكيل مجلس انتقالي لإنجاز مطالب الثورة, ساعتها قررت الأطراف الخارجية المتواطئة مع نظام صالح الإفراج عنه وإظهاره على الملأ! وجعلت من صورة صالح وشخصه كرتاً أحمر في وجه المجلس الانتقالي, وكأنها تعيد الشرعية إلى نظام صالح الذي أطاحت به ثورة شعبية متقدة منذ خمسة أشهر, ومن خلال إعادة صالح مجدداً إلى الساحة ولو بتلك الصورة تحاول تلك الأطراف إعادة رسم مسار خارطة التغيير في اليمن وفقاً لإستراتيجيتها ومصالحها في اليمن, وظهر صالح من جديد, وعلى الفور إلتقاه المسئولون الأمريكيون وعادت معهم نغمة نقل السلطة دون إبطاء! فيما كان الرئيس وحزبه قد تجاوزوا المبادرة الخليجية إلى ما أسموها بالمبادرة الأممية (برعاية الأممالمتحدة), وبالفعل حملت المصادر أنباء عن ترحيب الولاياتالمتحدة وحلفائها بمشروع المبادرة الأممية التي جوهرها العودة إلى طاولة الحوار, والبدء في تطبيع الأوضاع الداخلية وحل أزمة الوقود والكهرباء والانفلات الأمني الذي يشرف عليه أبناء صالح, وتعديل المبادرة الخليجية (للمرة السادسة) كي تُبقي صالح رئيساً للبلاد وإن بصفة فخرية حتى نهاية فترته الدستورية في 2013, على أن يقوم نائبه بعمله دون نقل السلطة إليه! وهنا يكمن الإبداع المؤتمري, أي يظل صالح رئيساً فعلياً وإن لم يكن قادر على ممارسة مهامه, على أن يعمل نائبه على تنفيذ توجيهاته بنقل السلطة إليه صورياً, وفي سبتمبر 2013 تقام انتخابات رئاسية يترشح فيها نجل الرئيس صالح بصفته مواطناً يمنياً كسائر اليمنيين, ومرشحاً باسم حزب المؤتمر الذي من حقه أن يُرشح من يشاء. وإلى أن يحل موعد الانتخابات القادمة سيظل الوسطاء على موقفهم الثابت والمبدئي وهو مطالبه صالح بنقل السلطة! ولا يهم كيف ومتى ينقلها ولمن؟ المهم أن تبقى عملية نقل السلطة حكاية مستمرة وقصة مسلية, لا تُمكن للثوار بقدر ما تُمكن لبقايا نظام صالح, وتعزز مواقعهم في مواجهة رياح التغيير العاتية التي ضربت اليمن والمنطقة ككل, وبهذه الطريقة تغدوا مسألة نقل السلطة في اليمن مسرحية هزلية وعملية إنقاذ للنظام من السقوط , واحتواء لمسار الثورة التي تسعى جاهدة لفرض مشروعها الخاص بمعزل عن المشاريع الخارجية. span lang="AR-SA" style="font-size:13.0pt;font-family:" simplified="" arabic";color:black;="" mso-fareast-language:en-us"=""