رغم تهديداتها المتكررة، فشلت الإدارة الأمريكية مساء الخميس، في الحيلولة دون تصويت ثلثي دول العالم، لصالح قرار بشأن القدس، يتسم بثقل سياسي كبير كونه صدر وفق قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة المسمى "متحدون من أجل السلام". وأيّد مشروع القرار 128 دولة، من أصل 193، فيما عارضته 9 دول فقط، وامتنعت عن التصويت عليه 35، فيما غابت عن الجلسة 21 دولة، وسط مخاوف من تعرض الدول الممتنعة والغائبة لابتزاز وضغوط أمريكية وإسرائيلية.
ويطالب القرار الجديد بالامتناع عن نقل البعثات الدبلوماسية لدى إسرائيل إلى القدس، ويعتبر وضع المدينة من قضايا الحل النهائي للقضية الفلسطينية.
كما يرفض القرار أي ممارسات تمس الوضع التاريخي للمدينة المحتلة، وذلك في رد واضح على إعلان الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، في 6 ديسمبر/كانون أول الجاري، الاعتراف بها عاصمة لإسرائيل، والبدء بنقل سفارة بلاده إليها.
ويأتي تمرير مشروع القرار بالجمعية العامة للأمم المتحدة، بعد تعثّره بمجلس الأمن، الإثنين الماضي (تقدمت به مصر نيابة عن المجموعة العربية)، بسبب استخدام واشنطن حق النقض "الفيتو" ضده، رغم موافقة أعضاء المجلس ال 14 الآخرين عليه.
ورداً على ذلك قادت تركيا (رئيسة منظمة التعاون الإسلامي) واليمن (نيابة عن المجموعة العربية لدى الأممالمتحدة) حراكاً دبلوماسياً، وأحالتا مشروع القرار إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، للتصويت عليه وفق القرار 377 الصادر عام 1950 والمعروف باسم "متحدون من أجل السلام".
وقبل جلسة التصويت بيومين، وفي سابقة سياسية، لم تتورع المندوبة الأمريكية لدى المنظمة الأممية، نيكي هيلي، عن توجيه التهديدات إلى الدول التي تنوي دعم مشروع القرار، وهو ما اعتبره مسؤولون من عدة دول "بلطجة" و"ابتزازًا غير مسبوق"، و"اعتداءً غير مقبول على حرية الدول في اتخاذ مواقفها".
ولم ينأ ترامب بدوره، عن تصريحات "هيلي" المثيرة للجدل، بل أثنى عليها وتوعّد في حديث لصحفيين، أمس الأربعاء، بقطع المساعدات عن أي دولة تصوّت لصالح مشروع القرار.
وجددت "هيلي" في كلمتها خلال جلسة التصويت بالجمعية العامة اليوم، تهديداتها، واتهمت المنظمة الأممية ب"الانحياز ضد إسرائيل".
وأكدت المندوبة الأمريكية أن واشنطن لن تتراجع عن قرار نقل السفارة إلى القدس مهما كانت نتائج التصويت على مشروع القرار، مضيفةً بالقول "لأن الشعب الأمريكي يريد ذلك، ولأنه أيضًا القرار الصائب".
وسرعان ما بدأ التصويت، وأُقر فيه القرار بأغلبية يمكن اعتبارها "ساحقة"، بالنظر إلى ذلك "الإرهاب الدبلوماسي" الذي مارسته إدارة ترامب.
ويزيد من ثقل القرار، سياسيًا ودبلوماسيًا، ومن أهمية الأصوات التي دعمته، كونه عقد في جلسة طارئة بموجب القرار الأممي 377، وهي الجلسة العاشرة من نوعها في تاريخ المنظمة الأممية.
ويجوز للجمعية العامة، عملا بقرارها "متحدون من أجل السلام"، أن تعقد "دورة استثنائية طارئة" خلال 24 ساعة، إذا بدا أن هناك تهديدا أو خرقا للسلام أو أن هناك عملا من أعمال العدوان، ولم يتمكن مجلس الأمن من التصرف بسبب تصويت سلبي من جانب عضو دائم، حيث يمكنها أن تنظر في المسألة على الفور من أجل إصدار توصيات إلى الأعضاء باتخاذ تدابير جماعية لصون أو إعادة السلام والأمن الدوليين .
ويؤكد قرار اليوم اعتبار مسألة القدس من قضايا الوضع النهائي، التي يتعين حلها عن طريق المفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وفقًا لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة.
كما يعرب عن الأسف البالغ إزاء القرارات الأخيرة المتعلقة بوضع المدينة، ويؤكد أن أية قرارات أو إجراءات "يقصد بها تغيير طابعها أو وضعها أو تكوينها الديمغرافي ليس لها أثر قانوني، وتعد لاغية وباطلة، ويتعين إلغاؤها امتثالًا لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة".
ويطالب القرار جميع الدول "أن تمتنع عن إنشاء بعثات دبلوماسية في مدينة القدس، عملًا بقرار مجلس الأمن رقم 478 الصادر عام 1980".
وأثار اعتراف ترامب، في 6 من ديسمبر/كانون أول الجاري، بالقدس (بشقيها الشرقي والغربي) عاصمة لإسرائيل، والبدء بنقل سفارة واشنطن إلى المدينةالمحتلة، رفضاً دولياً واسعاً، واحتجاجات ما تزال مستمرة في الأراضي الفلسطينية، سقط خلالها عدة شهداء ومئات الجرحى، جراء القمع الإسرائيلي.