يعتقد البعض ان من مصلحته اسقاط قيم المجتمع واحداث خلل في التركيبة الاجتماعية والوطنية معا ليفتح ثغرات اختراق لمشروعه الذي لا يمكن ان يتم دون ذلك، ولا يوجد افضل من سلاح الكراهية لنسف الخير وإسقاط المجتمعات في وحل النزاعات السلبية والاتهامات الكيدية واستسهال التخوين، بل القتل المعنوي لبعضهم البعض، دون ان يدرك هولا ان السقوط كارثة يحدث تحلل للبناء يعم الجميع، فاذا بهم يتحللون لمكونات أولية صغيرة، ولن يتوقف هذا التحلل حتى يتلاشى هؤلاء بكل ما فيهم من عفن ويبقى اصحاب الخير والحق ويصح الصحيح. انه مخاض التغيير القائم اليوم الذي يفرز لنا الخير من الشر والحق من الباطل، وتتكشف خفايا النوايا وخيوط المؤامرات، مخاض تفاعل المكونات الاجتماعية والسياسية، تعبر عن ما فيها، وتعلن عن حقيقتها، تعبر عن مكنوناتها بالخطاب والتعامل مع الاخر، ماذا يعني لنا رمي كل مخالف ومختلف بالتهم والعمالة؟ وخيانة القضية والوطن بعيدا عن مؤسسات دولة ونظام وقانون وقضاء ونيابة، بل شحن المجتمع بكم هائل من الشائعات والمناكفة والبرمجة الاعلامية، بل بالكذب والخداع والتزوير وتغييب الحقائق، استثمروا مجتمع فيه من التخلف والامية الثقافية وعجز واضح في التفكير والاستقصاء والاستنباط، فيه كسالى العقول متلقي المعلومات المعلبة الجاهزة، يصدقونها ويبنون عليها مواقف واختيارات، بل يعيدون انتاجها والزيادة التطوعية عليها واعادة تدويرها.
حالة متوقعة منذ زمن، ونحن وغيرنا كثير ممن استشعر خطورة ما يحدث ونبهنا، بل سخرنا اقلامنا في مواجهة التخريب المقصود وغير المقصود لبنى المجتمع ونسيجه الاجتماعي وثقافته وارثه وتاريخه بل هويته الثقافية والفكرية والوطنية، كم صرخنا وكتبنا لنوقف القتل العمد للمجتمع، قتله بالكراهية والمناطقية والطائفية، بل وصلت لأعلى مستوى الانتحار وهي العنصرية، والبعض كان يستسهل الامر، ويكيل لنا التهم والتوصيفات والبحث عن الجينات والسلالات في ثقافة ترسخت فيهم وتعمقت في وجدانهم حتى تفسخت عقولهم ونفوسهم.
اليوم المجتمع مريض ويقاوم، مجتمع يلهث للبقاء بين الامم الحية، وهو يواجه حرب شعواء، جوع وفقر ووباء، ظلم وقهر واضطهاد، كل هذا معاش يوميا بدرجات متفاوتة، وبهلوان القفز من هنا لهناك حسب المصالح والانانية، ومخرج يلعب على التباينات والتناقضات لينثر ماله المسموم في شراء الذمم وتوظيف ما يمكن توظيفه، حتى صار البعض موظفا اسير ما يدفع له من مال، وذهب النضال في مهب الريح، كيف يبرر هؤلاء هذا السقوط؟ وجدوا ضالتهم في الهجوم خير وسيلة للدفاع، والغاية تبرر والوسيلة، وتكفينا الوسيلة التي تكشف حقيقة صاحبها وما يخفيه من غاياته بصورة مذهلة.
التخوين هو قتل لمعنوية الطرف الاخر والتحريض ضده لهدف اخراجه من المنافسة السياسية او الثقافية والفكرية، ولا يقوم بها غير عاجز عن المنافسة، او لا يملك مشروع مقبول شعبيا، يمكن اعتبارها ظاهرة ترهيب وتهديد تبرر للعنف والقمع، في مشهد يشبه لحد بعيد جدا الدولة الامنية المستأسدة التي فيها الاخر المختلف مدان، وقبول الراي الاخر جريمة، ما يوحي بإعادة انتاج نظام شمولي فيه الولاء للزعيم والايدلوجيا او المنطقة او الطائفة والوطن يذهب للجحيم.
من الوهلة الأولى استطعنا ان نستشرف ما يحاك لنا، من الخطاب في المنصة، وهي على بعد من السلطة، كما قال سقراط (تكلم حتى اراك )، فقد رأينا مشروعهم في خطابهم، خطاب التهديد والوعيد والتخوين والاتهام، والفتاوى التي تدعوا الى هدر دماء وزهق ارواح كل راي مخالف، واعلان اجتثاث الاخر السياسي الذي يمارس حقة المكفول قانونا، هذا هو الشعور بالقمع الذي بالضرورة يعطيك تحذير بإعادة انتاج القامعين، والتلويح بالعنف الذي يعطيك فكرة فرض امر واقع عليك ان تتقبله دون ان تعارض او تنطق بكلمة حق تعرضك للتخوين والاتهام بل السجن والتعذيب والموت حسب فتواهم في الساحة.
الوعي القمعي نفسه الذي يدفع بصاحبة للسلوك الوحشي، ومن هنا تولد البلطجة وغي هذا المكان تتكاثر المليشيا، لا دولة ولا نظام ولا قانون ولا شرع يشكمهم، تحكمهم نزعاتهم ورغباتهم والمخرج الذي يخطط لهم، في غياب لمنظار الحد بين الحق والباطل، الحق المكفول قانونا وشرعا، في استنساخ لأليات قانون الغاب والبقاء لمن يملك البندقية، في قتل معنوية الاخرين وجعلهم مجرد عبيد في وطن تحكمه البلاطجة والمليشيا بالاستبداد والقهر والاضطهاد والتخوين والاتهام والتكفير.