اتخذت الدراما اليمنية من شهر رمضان الكريم موسما لبث أعمالها الجديدة، حتى صار ذلك في حكم العادة، وبحسب هذه الموسمية فإنه يمكن القول أن هذه الأعمال تأخذ في الإعداد لها مدى طويلا يمتد لعام كامل، وهي فترة بالمقياس الزمني كافية لإنجاز عمل درامي معتبر من كل جوانبه تأليفا وتمثيلا، كما أن المنطق الفني يفترض في كل عمل جديد أن يكون بمستوى أفضل من المسلسلات الدرامية التي عُرضت في الأعوام السابقة لتراكم الخبرة وتطور الأداء والاستفادة من الأخطاء السابقة، إضافة إلى ما يفترض أن يزامن ذلك من تطور في أدوات التصوير وتقنياته. كوميديا × كوميديا خمسة أعمال درامية هي حصاد هذا العام، تتوزعها قنوات أربع، حيث تعرض قناة يمن شباب مسلسلين: غربة البن وحالتي حالة، وتبث قناة السعيدة مسلسل على أيش، وتبث قناة المهرة مسلسل عسل صافي وقناة سهيل مسلسل تاتش، والصفة المشتركة بين هذه المسلسلات الخمسة هي أن جميعها بني على قالب كوميدي ساخر ينطوي في جزء منه على نقد ساخر للأوضاع الاجتماعية والسياسية لكن الإلحاح على الكوميديا من قبل القائمين على هذه المسلسلات كثف المنحى الإضحاكي بشكل لافت في هيئات الممثلين وحركاتهم مما أدى إلى ضياع الفكرة الناقدة في كثير من الأحيان كما في مسلسل غربة البن الذي حمل جميع الممثلين فيه تقريبا على أدوار البلاهة حتى ليخيل للمشاهد أنه أمام مسلسل يتناول حياة المتخلفين عقليا، فيحتار في تفاعله الكوميدي بين هذه الأدوار فيما يأخذ منها وما يذر. كسل فني كان بإمكان مسلسل واحد من بين هذه المسلسلات الخمسة أن يأتي بعيدا عن النمط الكوميدي، وأن يشتمل رغم ذلك على قدر كبير من الظرافة والإثارة، لكن الكسل الفني جعل الكوميديا هي أقصر الطرق، وثمة سبب آخر جعل الكوميديا طاغية باغية في هذه الأعمال الدرامية الخمسة ألا وهو غياب الفنان المحترف الذي يعيش الفكرة الجادة ويوصلها بحرفية عالية إلى المشاهد مع ما يرافق ذلك من فنية عالية وإثارة باعثة للمتابعة، وبغياب هذا الممثل المحترف خلا الجو لهواة تُرك لهم الحبل على الغارب في أدوار لا تتطلب منهم غير تلك الحركات الأراجوزية حتى ليخيل للمتابع العادي وهو يشاهد هذه المسلسلات أنه في سوق (الزباجين) لا أمام مسلسل يقوم على فكرة منظمة ومحددة، والفكرة تقوم على توزيع دقيق وصارم للأدوار. غياب ثلاثة أنواع من الغياب سجلته هذه المسلسلات، يتمثل الأول منها في غياب القنوات الرسمية تماما في هذا المجال، وكأن الدراما محظور سياسي، وهو غياب يعكس نظرة القائمين على هذه القنوات في الدراما وإيمانهم بعدم جدواها في معالجة قضايا المجتمع واقتصارهم فقط على نشرات الأخبار والحوارات المكرورة مما جعل المشاهد ينفض عنهم باحثا عن بديل يجمع بين الفائدة والتسلية. أما الغياب الثاني فهو غياب واقع الحرب عن هذه المسلسلات، وعلى الرغم من أن مسلسلي تاتش وحالتي حالة حاولا الإقتراب من هذا الواقع لكن المعالجة الدرامية جاءت باهتة، ضعيفة، ودون الحد الأدنى مما هو مطلوب، فقد فوتت الكوميديا على هذين المسلسلين كثيرا من الأفكار التي كان يمكن إبرازها عن مآسي الحرب وجنايتها على الناس جماعات وأفرادا. أما الغياب الثالث فيتمثل في غياب عدد من الوجوه الفنية التي ألِفَها المشاهد خلال الأعوام الماضية، ولعل أبرز هذه الوجوه الفنان فهد القرني الذي قدم عبر مسلسله همي همك في أجزائه المتتالية محتوى جيدا إلى حد ما مما جعل المشاهد يترقب جديدا له في هذا المجال.