يشدني الفضول كل عام لمتابعة بعض الأعمال الدرامية التي تبث عبر القنوات الفضائية اليمنية، يدفعني في ذلك الاهتمام في هذا الجانب والحرص على معرفة المشاكل والهموم التي تحملها هذه المسلسلات وطريقة معالجتها.. ونظراً لحسن التوقيت الذي يتناسب مع ظروفي أجد نفسي كل عام مع المسلسل الدرامي “همي همك” الذي تبثه قناة السعيدة. والحق يقال: إن هذا المسلسل حاز في السنوات الماضية على نسبة مشاهدة عالية؛ وذلك نظراً للقضايا والمشاكل التي كان يحملها هذا المسلسل.. بغض النظر عن طريقة المعالجة والتقديم والعيوب الفنية التي ما كنا نركز عليها كثيراً خاصة ونحن نتحدث عن بدايات جديدة لدراما ناشئة بمواضيعها وشخوصها. لكن الأمر يختلف اليوم خاصة ونحن نتحدث عن النسخة الرابعة من هذا المسلسل، والتي تتطلب من كل المهتمين والنقاد الوقوف أمام كل ما يقدم عبر الشاشات اليمنية من مسلسلات ودراما محلية.. هذا إذا أردنا لأنفسنا التقدم للأمام وتحسين أدائنا في هذا الجانب. حينما نتحدث عن الدراما التلفزيونية فإننا نقصد بذلك الحديث عن نصوص أدبية تعبر عن واقع معاش داخل أي مجتمع تقدم بشكل كوميدي أو تراجيدي (والتراجيدي عكس الكوميدي) ومهمة هذه الدراما هو تشخيص القضايا والمشكلات الموجودة من خلال كتاب متخصصين في التأليف الدرامي، قادرين على تقديم قوالب ونصوص درامية جيدة، حتى تسلم بعد ذلك إلى كتاب السيناريو، ومن ثم إلى المخرجين المتخصصين في هذا المجال. أصارحكم القول: إن مسلسل “همي همك” بنسخته الرابعة لا أدري تحت أي نوع من الدراما أصنفه.. هل هو كوميدي أم تراجيدي، وما هي حجم الهموم والمشاكل الجديدة التي يتناولها.. مجموعة من الصور والمواقف الغريبة التي حُشيت بها لقطات هذا المسلسل.. كمية من الهزل والسخرية ومواقف الغباء والحماقة التي يصور من خلالها الفرد اليمني سواء داخل الوطن أو خارجه. ما وجدته في هذا المسلسل مجموعة من المواقف والمشاهد الاجتماعية الساخرة، والتي تبرز بطريقة مبالغ فيها تصل أحياناً إلى درجة الاشمئزاز والاحتقار، وكأن اليمنيين قطعان من المتخلفين والجهلة والمغفلين. وهذا غير صحيح؛ اليمني خارج وطنه أكثر تحضراً ولباقة، ويعكس صورة طيبة عن حضارة وطيبة اليمنيين. ما لوحظ في هذا المسلسل أن هناك تركيزاً قوياً جداً على الجوانب السلبية ومشاهد الغباء والسطحية في جميع أجزاء المسلسل. انتقاد الظواهر الاجتماعية السلبية، ومناقشة قضايا الفساد داخل المجتمع أمر مطلوب من الدراما اليمنية حتى تساهم في حل ومعالجة هذه السلبيات.. لكن أن يصل طريقة عرض هذه القضايا إلى درجة الازدراء والاستخفاف من الشخصية اليمنية فهذا شيء نرفضه تماماً.. إن الأسلوب الكوميدي المبالغ فيه في جميع الدراما الكوميدية يتحول إلى تهريج مشوّه للمعنى الجميل للكوميديا. مسلسل “همي همك” لايزال يعاني من ضعف شديد في طريقة كتابة النص والحبكة الفنية وكتابة السيناريو.. الديكور.. الأزياء التي لم تتغير معظمها منذ بداية المسلسل حتى وهم خارج الوطن.. فضلاً عن فنيات التصوير وزوايا اللقطات المستخدمة والنقلات بين المشاهد. كنت أتمنى من الفنان فهد القرني أن يكون ممثلاً فقط خاصة وأنه يجيد هذا الدور، ويترك موضوع التأليف والإخراج لأشخاص آخرين؛ إذ لا يعقل أن يكون الأستاذ فهد القرني هو المؤلف ومساعد المخرج وصاحب البطولة في آن واحد؛ لأن في ذلك تشتيتاً للقدرات والمواهب، وفي ذلك انعكاس على مستوى العمل. العمل بالرغم من أنه في نسخته الرابعة إلا أنه ليس هناك تقدم يذكر من حيث المضمون، هناك مبالغة شديدة في افتعال الحركات وخلق الأحداث، والتي تصل في بعض الحالات إلى مرحلة استجداء الضحك من شفاه المشاهدين.. عدم إتقان للهجة التي يحرص المسلسل على تقديمها.. ربما التقدم الوحيد الذي أضافه المسلسل هو الانفتاح الكبير على الممثلين المصريين، وفي ذلك مآخذ كثيرة ليس الوقت مناسباً لذكرها. وحتى لا ننكر الجهود التي قدمت يجب أن نعترف أن هناك مجهوداً كبيراً بُذل لا يمكن إنكاره على مستويات مختلفة.. لكن حرصنا على تقديم الأفضل وعلى تجاوز الأخطاء هو ما جعلنا نلفت الانتباه.. فالجمهور اليمني جمهور متذوق، ويمتلك حساً فنياً عالياً يمكنه من فهم ثقافة الصورة المقدمة. وكل عام وأنتم بخير. [email protected]