صنعاء أصبحت (مخضرية)، يقول الحاج صالح القيز "للصحوة نت ": "قالوا في 2014 سيقضون على الجرعة، لكنهم بعد ذلك اكتفوا بتطهير المواطنين من الجرعة بطلائهم باللون الأخضر". قد تبدوا هذه الكلمات مجرد سخرية عابرة من رجل كبير في السن، لكنها تحمل في طياتها الكثير من المعاني العميقة، فها هي "صنعاء" عاصمة الجمال ومهد العرب الأول، تتحول، بفعل جماعة الحوثي، إلى مدينة مغلفة بالأقمشة الخضراء الداكنة، وتجول في شوارعها سيارات خضراء مخيفة، يقودها أشخاص أشبه ما يكونون بال"زومبي"و يتساءل مواطن يمني، وما علاقة هذه بذكرى المولد النبوي!؟ فوبيا انخفاض الشعبية يقول الباحث في شأن جماعة الحوثي الأستاذ "عارف السعدي": "في ظل خوف غير مسبوق من تدني الشعبية والسخط العام، تستخدم جماعة الحوثي الألوان لقياس شعبيتها في الشارع، فيكون الشخص الملون أو السيارة الملونة والمحل الملون مؤيد أو مؤمن حسب تصنيف هذه الميليشيا، أما غير الملونين فهم من الرافضين لسياسات ميليشيات الحوثيين، أو ربما لوجودها من الأساس". ويضيف السعدي في اتصال هاتفي مع "الصحوة نت" :" الأكثرية الساحقة من الشعب اليمني ترفض وجود حركة مسلحة طائفية في المجتمع، ناهيك عن أن تحكمهم وتفرض عليهم الجبايات والاتاوات، وهذا القياس استناداً إلى لغة الألوان التي ابتدعها الحوثي، وبإمكانك أن تنزل الآن إلى الشارع وتحسب كم نسبة السيارات الخضراء إلى باقي السيارات، وستعرف حينها الحجم الحقيقي لهذه الجماعة". ويبقى أمامنا السؤال المحير وهو: لماذا اللون الأخضر تحديداً؟ ويشير السعدي بقوله "في اعتقادي أن الجماعة قد جربت عدة ألوان، ووجدت أن الأخضر هو اللون المناسب، فمثلاً اللون الاسود سيجعلها تبدو كداعش، والأبيض قد يرمز إلى السلام الذي لا تطيق حتى سماع إسمه، في حين قد يحمل اللون الأحمر دلالات أخرى غير المطلوبة، وهكذا وجد الحوثيين أن اللون الأخضر هو أفضل الخيارات لإيصال رسالتهم، خصوصاً أنه يشكل أحد ألوان علم إيران، الداعمة الكبرى للحوثيين". حرب نفسية ويخوض الحوثيون حالياً حرباً نفسية شديدة مع المجتمع اليمني الرافض لوجودهم من خلال إصرارهم على صبغ العاصمة وباقي مناطق سيطرتهم بلون موحد وهو اللون الأخضر، والبطش بكل من ينتقد أو يسخر من تلك الأقمشة والأصبغة التي تملأ الأحياء والشوارع، كما حدث خلال هذا الاسبوع، عندما اقتحم عشرات المسلحين الحوثيين منزلاً في صنعاء القديمة، واقتادوا عجوزا في الثمانين من عمره لحين إحضار ابنه، الذي نقل عنه الجواسيس سخريته من تلك الأقمشة ورغبته في إزالتها. ويري الباحث أكرم جميل ان الغرض احداث قطيعة واقعية ونفسية، مع واقع ما قبل 21سبتمبر2014، وخلق قناعة نفسية لدى المواطنين واحباطهم معنويا باستحالة التغيير واعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل اقتحام 21 سبتمبر، وان صنعاء بكل ما فيها قد اصبحت قلعة من قلاعهم وجزءا لا يتجزأ من جسدهم وحاضنة شعبية واجتماعية لفكرهم. وبحسب المهتمين بالشأن المحلي، فإن معركة اللون الأخضر سيتبعها معارك تبديل أسماء شوارع وميادين بأسماء تخلد قياداتهم ورموزهم، وهي معركة من اخطر واعمق المعارك لتعلقها بالهوية، كما يرى خبراء علم النفس الاجتماعي، وبحسب متابعين، فإن الجماعة تسعى من خلال دلالة الألوان، إلى "تدجين" النفوس وتحويلها إلى نفوس وديعة هادئة تتعامل معهم بلين وقبول مقابل الانتهاكات والجرائم البشعة التي ترتكبها صباح مساء بحق اليمنيين، كما تسعى الجماعة إلى تقديم نفسها كجماعة وصية ووريثة للرسول، وان طريقها هي طريق الجنة الخضراء ونعيمها الأبدي، واشعار المتأمل بأن دخول الجنة مرتبط باتباع عبدالملك الحوثي ومبايعته. يفعلون ما يؤمرون ويرى الناشط "جميل قسوة" من سكان صنعاء القديمة، أن اللون الأخضر هو اللون المفضل للحوزات الشيعية في إيران والعراق، ويعد اللون الرئيسي عند الشيعة الذين يحشدون لفرض هذا اللون. ويتابع الأخ جميل: "هذا اللون اتخذه الفرس لونا مميزاً لهم، كما اختارته الدولة الفاطمية الشيعية لراياتها طوال فترة بقاءها، وكذلك دولة الصفويين في إيران إلى جانب اللون الأصفر، وهو اللون أحد ألوان العلم الإيراني، واختيار الحوثيين لنفس اللون هو ببساطة يأتي تنفيذاً لتوجيهات إيرانية، فالحوثيين لا يعصون إيران ويفعلون ما يؤمرون". أما الصحفي والكاتب منير الشرجبي، فيرى أن اختيار الحوثيين لهذا اللون، الغرض منه تقديم أنفسهم للعالم كجماعة مسالمة ومتسامحة ومتعايشة، ولكنهم دائما بجرائمهم لان يغطو الحقيقة بالخرق واللون الأخضر، ولن يطمسوا الصورة البشعة التي رسمها الشعب لهم ولقياداتهم. وتفرض الجماعة كل عام على التجار وأصحاب المنازل تزيين الشوارع بأقمشة خضراء، وطلاء أبواب المحلات بألوان خضراء كذلك، كما ترفع أصوات الميكرفونات التي تجوب الشوارع بالزامل الحوثية وخطب زعيم الجماعة، فضلاً عن التحشيد في الحارات والمساجد بهذه المناسبة، لتحفيز الشباب على الذهاب إلى الجبهات. كما ألزمت المحلات والمراكز التجارية وأصحاب المطاعم بطلاء واجهات محلاتهم باللون الأخضر وتعليق قصاصات قماشية خضراء، ويقوم حوثيون بتوزيع سندات باسم "الصمود" على أصحاب المحلات لفرض مبالغ مالية عليهم تحت شعار الاحتفال بالمولد النبوي، و من يرفض تقوم الميليشيات باعتقاله وإغلاق محله بدعوى انه داعش.