اختراع جديد لحصد الضرائب والإتاوات من البائع المتجول مسلوب الحقوق وضحية القمع والاستبداد لميلشيات الحوثي، فذلك البائع الذي يطوف الشوارع تحت اشعة الشمس والبرد اللاسع كل يوم، وبالكاد يحصل على ما يمنع اطفاله من الموت جوعاً. فهذه القصص ليس فصلاً من رواية" البؤساء" أو " بائعة الكبريت" بل هو لسان اصحابها الذين مازالوا-حتى الآن-على قيد الحياة ويعيشون في العاصمة صنعاء، المدينة التي وصفها الشاعر يوماً فقال: "يا سعد من حلها".
ليست اشاعات "فتحي الحرازي" بائع الحلويات المتجول في سوق "الزمر" مديرية شعوب، بدى عليه التعب الشديد من طول دفعه لعربية الحلويات في السوق جيئة وذهاباً، عندما دعوناه للحديث معنا عن الاشاعات التي يتم تداولها حول عزم الميليشيات اجبار الباعة المتجولين على استخراج لوحات ارقام، قال: لصحوه نت " كنا نتمنى لو كانت مجرد اشاعات.. ولكنها ليست كذلك". يعتبر الباعة المتجولين في العاصمة صنعاء هم عصب الحياة بالنسبة للكثير من العائلات التي فقدت مصدر دخلها، بعد انقطاع الرواتب الحكومية لأكثر من ثلاث سنوات، إضافة الى اسعارهم الرخيصة نوعاً ما - مقارنة بالمحلات والمعارض- التي تجعل غالبية الناس يأتون للشراء منهم، ومع ذلك يصنف الباعة المتجولين من اصحاب الدخل المتدني الذي قد لايكفي بمفرده لتلبية متطلبات العيش. يوكد "فتحي " كنا ندفع 1000 ريال كل سنة ضريبة أما اليوم فقد ازداد الرقم صفراً" ويقصد بذلك ان المبلغ صار عشرة ألف ريال، ولكن ليس كل سنة، بل " كل شهر" كما يقول فتحي. ويعيش "فتحي الحرازي" مع زوجته وبناته الثلاث "ثمان سنوات- خمس سنوات- سنة واحدة" في منزل ايجار بثلاثين الف ريال شهرياً، ويتساءل ما اذا كان بإمكانه الاستمرار على هذا الحال " نأمل أن نصحو ذات يوم على واقع جديد وقد انتهى هذا الكابوس الجاثم على صدورنا لمدة خمس سنين، ليس من أجلي فقط، فانا افضل من غيري رغم كل شئ والحمد لله، هناك عائلات بأكملها لاتجد لقمة العيش، وينتظرون أن ينام الناس لكي يخرجوا للبحث في اكياس القمامة عن اي شئ يصلح للمضغ". وسخر الناشط الحقوقي "وجدي التويتي" من ممارسات جماعة الحوثي بحق الباعة المتجولين، قائلا للصحوة نت " كلما شق المواطن طريقاً ليعيل اسرته ويحفظ ماء وجهه تفاجأه الميليشيا بسد هذا الطريق وكأنها تقول له: عزيزي المواطن. نحن هنا لنقتلك .. فلا تفكر بالحياة". وعن الهدف من وراء ترقيم "العربيات" يوكد التويتي: " اي خطوة يتخذها الحوثي فهي إما للجباية او استعراض القوة أو تعكير صفو المواطن لكي يفكر بإتخاذ خيارات أخرى، وقرار ترقيم "العربيات" الغبي، تم بغرض الجباية، فالجماعة كما يبدو، عازمة على فرض الضرائب حتى على الهواء الذي نتفسه". داروا سفهائكم ويتحدث "سلطان" البائع المتجول في شارع القيادة "للصحوة نت" عن واقعة حدثت له، بأن طقم "أبو غزالة" في انتظار كل من يرفض الدفع او الترقيم، قائلاً : " يقول: سخرت من قرار الترقيم واخبرتهم اني مرقم جاهز من عند الله- حسب تعبيره- ولم اشعر بنفسي الا وأنا وبضاعتي على متن طقم محاط بمسلحين "بلباس عسكري" الى قسم "جمال جميل" في التحرير، وأدخلوني السجن ثلاثة عشر ساعة، حتى جاء اقربائي ونصحوني بأن ادفع المبلغ المقدر بألف ريال وآخذ اللاصق "الرقم" تجنباً لأن يتم مصادرة بضاعتي ومنعي من البيع من باب " داروا سفهائكم بثلث اموالكم"، مع العلم انني وزملائي ندفع شهريا ضرائب قد تصل الى عشرة الاف ريال بسند رسمي، غير الجبايات التي تنهب منا مع اقتراب المولد النبوي واعيادهم الطائفية". و"أبوغزالة"، كما أفاد البائع، هو المشرف الحوثي المسؤول عن ترقيم العربيات وجباية الضرائب من الباعة المتجولين واصحاب البسطات، وينتمي لمحافظة صعدة مسقط رأس زعيم الحوثيين. وبحسب كثير من الباعة، فإن المبالغ التي يتم نهبها من الباعة المتجولين وغيرهم تذهب مباشرة الى اموال رؤوس الجماعة الذين أصبحوا من اصحاب الثراء الفاحش، ولا تستخدم للتحسين والتنمية مثل الضرائب في باقي دول العالم، كما أفادت مصادر خاصة "للصحوة نت" أن المدعو أبو غزالة، اشترى في مايو الماضي عمارة شاهقة في شارع المطار بمليار ريال يمني، وأنه يعتبر من اصحاب العقارات الكبيرة في العاصمة ويملك ثلاثة معارض لبيع السيارات. ضابط يبيع المكسرات في الجانب الآخر من العاصمة، تتجول ام "براءة" وهي امرأة متوسطة العمر تبيع البالونات في الشوارع للأطفال، تقول :" كان زوجي ضابطاً في الجيش، ولكنه اصبح بدون دخل بعد انقطاع الرواتب فاضطر الى شراء عربية لبيع المكسرات في "باب اليمن"، ولكن "الجن"، بحسب وصفها، لم يتركوه في حاله وانهكوه بالضرائب والإتاوات واخرها طلبوا منه ترقيم العربية، فقررت ان اساعده واخرج لبيع البالونات، واتفقت معه على ان يتكفل هو بتدبير قيمة وجبتي الإفطار والغداء واتكفل أنا بقيمة العشاء، والفائض ندخره لمدارس الأولاد والإيجار". وتعيش أم براءة في منزل قديم بإيجار يبلغ خمسة وعشرين ألف ريال ولديها اربعة اطفال لا يزالون جميعاً دون سن العمل. وربما يأتي يوما يقومون بترقيم افراد الأسرة , لإجبارهم على دفع ضرائب لكل لقمه و هواء يتنفسونه " واقع قاس رسمته ام براءة لمستقبل بأيدي مليشيات الموت.