توفيت في مثل هذه الأيام قبل أربع سنوات هي ووالدتها في حادث مروري وهما عائدتان من محافظة تعز بعد رحلة بهدف إيصال الأغذية والمعونات للمساهمة في فك الحصار الذي فرضته مليشيا الحوثيين على مدينة تعز. تلك هي بنت عدن، المرحومة "نادية منيب عبد الخالق عبدالغني"، وهي من مواليد عدن 1986م، أم لثلاثة أبناء، حاصلة على شهادة البكالوريوس علوم قران ودبلوم تمهيدي للماجستير في الدراسات الاسلامية من جامعة العلوم والتكنولوجيا، مسؤولة شؤون الطالبات في جامعة العلوم والتكنولوجيا.. "نادية منيب"، تمثل كل أبناء عدن، وتعبر عن موقفهم الوطني في العمل من أجل تحرير كل الوطن من مليشيا الحوثي وإنهاء انقلابهم المشؤوم. رحلتها إلى تعز، ومساهمتها في فك الحصار في ذلك الحين، موقف لا ينسى وهو واحد من مواقف لأبناء عدن لا تحصى.. وفرق كبير بين من يساهم مع الشرفاء الأحرار في كل المحافظات التي ما تزال في مواجهة مع مليشيا الحوثيين، وبين من يعمل على دعم الحوثيين ويساهم في فرض الحصار على الجبهات المناوئة لهم..
نادية.. الزوجة والمناضلة ضد الحوثيين في ذكرى وفاتها الرابعة، ترى أن زملاءها وعائلتها وكل من التقى بها ما يزال يتذكرها، وبمجرد أن تدخل صفحتها على الفيس بوك سترى أنها لم تفارق ذاكرة أصدقائها وأحبائها في تلك الاربع السنوات وأنهم لم ينسوها ولم ينسوا أعمالها ولا مواقفها ولم يمر عيد من الأعياد إلا وذكروها. يقول زوجها، الأستاذ فيصل: "كانت بالنسبة لي زوجة وأم وأخت وحبيبة.. كانت نموذجا للزوجة المثالية في بيتها مربية فاضلة لأبنائها، والمرأة العاملة والمثالية في عملها الوظيفي، وكانت الداعية المجتهدة في دعوتها وإصلاح مجتمعها، وكانت المرأة المقاومة والمجاهدة التي أدت دورها في محاربة الحوثي.. تركت بصمات في حياة من التقي بها وتأثر بأخلاقها وتعاملها رغم صغر سنها، فقد انتقلت الى -رحمة الله- وهي في عمر الشباب الحيوي المتفاني للعمل والاجتهاد".
"نادية" في قلوبنا وتقول "ماريا محمد دومان"، وهي خريجة قسم إدارة أعمال: "نادية رحمها الله من الناس التي مهما تكلمنا عنها لن نوفيها حقها.. إنسانة جميلة القلب والروح، بالجامعة كانت مثل الأم الحنون التي لديها القدرة على احتواء الجميع بدون أي تفرقة، موجودة دائما كانت حولنا ومتى ما احتاج أي أحد مساعدة وجدها أول من يقدمها، كانت أخت وصديقة عزيزة جدا، ووفاتها كانت صدمة لنا لكن لا نقول غير إنا لله وإنا اليه راجعون، نادية باقية في قلوبنا، رحمها الله علمتني دعاء كانت تقوله بعد كل صلاة وأنا الآن كلما أقوله أذكرها
نادية.. مثال للمرأة العدنية "نبيل الشماري"، يقول من جهته: "نادية ليست امرأة عادية فهي تمثل كل القيم الإنسانية والأخلاقية كان يلجأ إليها أغلب الطلاب والطالبات عند الملمات والشدائد لإيجاد الحلول لهم، كانت أيضا تمثل ثقة زملائها وزميلاتها في تبني قضاياهم وتحمل همومهم، فتقف مع المظلوم منهم وتساند ضعيفهم وترشد من طلب مشورتها منهم… إنها بحق مثالا للمرأة العدنية والقيادية وبرحيلها فقدت الجامعة وعدن تلك المرأة المناضلة… فرحمة الله تغشاها".
نادية.. أحد أبطال معارك تحرير عدن رفيقتها "هاجر"، تقول في المناسبة: "قضيت مع نادية أجمل اللحظات في الجامعة. وفي أيام حرب الحوثي على عدن، نزحنا إلى بيتها بعد قصف منزلنا، رأيت كم كانت إنسانة مغامرة في سبيل الوطن، تتنقل بين الجبهات لدعم المقاومين فتعود مبتلة الملابس من شدة تعرقها خوفا من أن يكشف أمرها الحوثيين، كانت بشوشة حتى في أصعب الظروف واجتماعية جداً، كانت دائما في المقدمة وكانت طموحة جداً". أما رفيقتها "شيماء" فتصفها بالمرأة الصابرة المجاهدة، وتقول: في لحظة وداعي ولقائي الأخير، مرت على خاطري كل الذكريات، ابتدأت معرفتي بها على مواقع التواصل الاجتماعي وساحة الحرية.. نادية صاحبة الابتسامة، صاحبة الكلمات المبهجة، المعطاء، الكريمة، ما إن تقابلها حتى تعطيك دروسًا في كل ما هو جميل بالحياة، غمرتنا دايما ضحكاتها وكلامها الطيب المحفز، علمتنا الشجاعة والقوة، نادية الأم الحنونة لكل طلاب جامعتها والأخت القريبة من كل شخص تقابله، وأقولها دائما وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر يا قمري.
نادية.. الإحساس بالناس والإحساس بالوطن وتعبر صديقتها "تسنيم" في ذكرى وفاتها بقولها: كلما دارت بي الذكريات للوراء أتذكر جراءة نادية منيب في الكلام وقوة كلماتها التي تنبع من روح صادقة تحترق لحال أمتها.. كلما أتذكرها أتذكر لطفها مع الناس، أتذكر جاذبيتها التي أسرت قلبي ببساطة أفعالها وعفوية كلامها وقوة شخصيتها وبشاشة وسماحة وجهها كلما أتذكرها أتذكر معنى وجودنا في هذه الحياة أرى فيها معنى الحياة والكفاح، أرى المستقبل المشرق والأمل الواعد، أرى النهضة والنخوة والمرأة العدنية المكافحة، أرى القدوة في الجد والعمل والاصرار والعزيمة لبلوغ الهدف، كل هذا أراه عندما ألتقي بها أو أراها من بعيد في ثواني معدودة تمضي وتزول ولكنها في قلبي وفكري وعيني لا تزول وكل هذه النظرات لم أكن أعلم بحالتها الاجتماعية ودورها في المجتمع الكبير كبرت في ناظري قبل أن أرى مقدارها الكبير في مجتمعها، مثل هؤلاء البشر لا يستحلون قلوب الطغاة والفاسدين والمتكبرين بل يستحلون قلوب القادة العاملين لأمتهم ويستحلون قلوب الناس البسطاء والمثقفون المدركون لحقيقة هذه الحياة. وتتابع: وعند معرفتي بمواقفها القوية وجراءتها في قول الحق وتفانيها في العمل الذي يعجز فيها بعض رجال اليوم كبرت كثيرا في قلبي وازدت تقدير لها واجلالا فقد أدركت حينها أن الناس لا يكبرون ويغتنون بأموالهم وثرواتهم المادية بل بمواقفهم ومبادئهم العالية التي تكون هدفها السماء. وتسرد من المواقف التي جمعتها بنادية رحمها الله: ذات يوم التقيت بها وكانت في ذلك الوقت تلقي رأيها عن حال الأمة ووضع العالم بكل قوة وكنت لا أسمع ولا أرى إلا وجهها وكلامها رغم ازدحام المكان وتعالي الأصوات فيه وبعد زمن من الوقت سألتها سؤال: لماذا تدرسين بأكثر من مجال جامعي فالعادة أن الشخص يأخذ دراسة واحدة ويتخرج منها وأنت درست في تخصص جامعي وتخرجت ثم درست في تخصص آخر؟! أجابت وما تزال كلماتها ترن في أذني: "الحياة تحتاج جهاد في الوقت والجهد والمال، وتحتاج علم ليصلح هذا الجهد ويعطي ثمرة ليعلوا شأننا في الأرض والسماء ولندرك حقيقة الواقع ونتمكن من إصلاحه وتوعية الناس بما يحصل". إنها النفوس الكبيرة، والهمم العالية، والطموحات والتوق للرفعة والعبور إلى القمة من خلال العلم والعمل وخدمة الناس والإحساس بهم. | الصحوة نت