في إحدى الفعاليات التي احتضنتها مؤسسة السعيد الثقافية في مدينة تعز عام 1999؛ تعرّفت على الأستاذ الدكتور عبدالرحمن محمد إسماعيل العمراني، وكنت قبلا قد قرأت له كتابه القيم الزبيري أديب اليمن الثائر، الذي صدر مطلع ثمانينات القرن الفائت، وأدركت من خلال قراءتي لعدة كتب تلته صدورا، وتناولت بعناوين مختلفة الشهيد الزبيري مناضلا ومفكرا وشاعرا؛ أن بعض هذه الكتب اعتمدت كثيرا على كتاب العمراني سالف الذكر، حتى أن بعضا مما اقتُبس من هذا الكتاب يمكن اعتباره أقرب إلى السرقة الأدبية منه إلى الاقتباس المشروع في أعراف منهج البحث العلمي، ليس فقط على المستوى الشكلي؛ وإنما على مستوى الأفكار والمضامين. في ذاك اللقاء طرحت هذا الموضوع على الدكتور العمراني، فهز رأسه موافقا، وأفادني بأنه سلم الأمر لله، فليس لدينا قوانين لحماية الملكية الفكرية تفصل في هكذا قضايا، مضيفا بأنه تواصل مع بعض مؤلفي هذه الكتب معاتبا ومحتجا في آن، غير أن عتابه واحتجاجه لم يغيرا من الإشكالية شيئا، كما أنه سلّم دار العودة في بيروت ملفا عن الموضوع باعتبارها الدار الناشرة، فلم تحر جوابا.. ولذلك فقد سلّم الأمر لله.. وكفى. ألف العمراني هذا الكتاب عن الزبيري بعد أن قضى سنوات وسنوات في جمع الوثائق والمعلومات عن الزبيري رحمه الله، واستطاع أن يحشد معلومات كثيرة ومهمة عن الشهيد الثائر مما جعل حجم الكتاب ضخما نوعا ما مقارنة بكتب أخرى صدرت في ذات الشأن. ورغم أن الطابع السائد في الكتاب هو الطابع الأدبي؛ إلا أن العمراني أفرد مساحة وفيرة للجانب التاريخي من حياة أبي الأحرار، تأكيدا منه على حتمية تأثير المسيرة التاريخية للزبيري عليه شاعرا ومفكرا ومناضلا. العمراني الذي ولد عام 1949 بدأ حياته شاعرا وأصدر في ذلك ديوانه الوحيد غريب من اليمن ثم استهوته ميادين النقد الأدبي فيما بعد، فغادر القصيدة إلى فضاءات القراءات النقدية، خاصة أنه عُيّن عقب حصوله على درجة الدكتوراه من جامعة القاهرة أستاذا للأدب المقارن في كلية الآداب بجامعة صنعاء، فتنوعت اشتغالاته النقدية بتنوع النص الإبداعي شعرا ونثرا، وصدرت له عدد من المؤلفات يأتي بعضها في سياق التوصيف النقدي للمشهد الأدبي في اليمن، ويحاول بعضها الآخر التنظير لرؤى إبداعية جديدة يمكن الأفادة منها في راهن الأدب ومستقبله، ومن هذه المؤلفات: الاتجاه الرومانسي في اليمن، محاضرات في الأدب اليمني، الشعر التقليدي في اليمن. قبل أيام رحل الدكتور العمراني مخلفا منجزا نقديا رائعا، ونصوصا شعرية آسرة، رثى نفسه قبلا بواحدة منها قائلا: عن بلادي كم تغربت طويلا ولها عدت غريبا ودخيلا صهرتني غربتي في أمتي فامتزجنا سوءَ حظٍّ وميولا رحلتي رحلتُها في بحثنا عن غداةٍ مثلنا تهوى الرحيلا