يوم يتيم بائس.. هذا كل ما بقي للغة العربية في المحافل الرسمية والدولية.. وليس أعجب من أولئك الذين راحوا يختزلون ذلك الفضاء الواسع الممتد بهذه الكوة الضيقة إلا المهللين والمطبلين من أبناء جلدتها، والذين راحوا يتبالون التهاني والتبريكان فرحين في أن صار للغتهم يوم عالمي مثله في ذلك مثل يوم الحب ويوم الشجرة وقريا يوم الغبار ويوم العصا.. وإنها لمسميات تتوالى مشيرة بغير ما مواربة إلى المستوى العبثي الذي وصلت إليه حضارة العصر المنسلخة عن إنسانيتها والمجردة من كل معطيات العقل والمنطق. وإنها لروح الانهزامية، سرت سريان النار في الهشيم في جيل تائه صنع تحت مطارق العولمة والتغريب، وسلب كل خصائصه الحية ومقوماته الفاعلة وصار مسخا مشوها لا يملك من وشائج الانتماء وروابط الهوية غير قشرة رقيقة، ويوم يحتفي فيه بلغته في فعالية ميتة هنا أو هناك.. ثم يتناساها على مدار عام كامل، متفرغا لمتاهة العبث التي أوقعه فيها العابثون في سلسلة من الأيام والأسماء التي تتساقط في فنائه صفراء يابسة دون جدوى. إنها روح الانهزامية تسري في جيل التبعية.. أما لغة الضاد فهي أسمى من أن ينال منها، وأقوى من أن تمس بسوء، وحتى لو خصصوا لها ساعة في العام أو دقيقة؛ فإنها ستبقى حاضرة في كل أرجاء المعمورة، لا يؤثر في حضورها حاقد أو جاهل.. تتجلّى قرآنا يتلى هنا، وأذانا يصدح هناك، وتسري إيمانا في الصدور أينما وصلت أشعة الشمس، وما الحركة المتعاظمة في انتشار المساجد وازدهارها على مستوى العالم إلا دليل على أن هذه اللغة العظيمة حاضرة في العالم أجمع على مدار اليوم والليلة. وإذا كان ثمة من يحتفي بالضاد يوما أعرج في العواصم العربية فإن ثمة ألوف مؤلفة في عواصم العالم أجمع، ممن اشرق في قلوبهم نور الهداية أقبلوا على تعلم هذه اللغة بشغف كبير، وقد أشارت تقارير غربية إلى أن العربية تشهد انتشارا واسعا نتيجة لانتشار الإسلام في الغرب والله متم نوره ولو كره الكارهون. يوم للعربية.. شاهد كاف على جهل من يرى هذا الخضم الأعظم بحجم يوم عابر.. ولا خوف على لغة القرآن، فقد انتصرت على كل أشكال الانتقاص والازدراء.. انتصرت في معركة اللهجات العامية التي جلبت لها الفضائيات بخيلها ورجلها وأثبتت استطلاعات الرأي أن برامج الفصحى هي الأكثر متابعة، وانتصرت في المناهج الدراسية رغم ما جوبهت به من أشكال التندر والسخرية، وانتصرت في المجال التقني بمرونتها وقابليتها لمواكبة كل جديد.. وستظل تنتصر لأنها الوعاء الأجمل الذي حمل القرآن الكريم كتاب الله الخالد.