في الوقت الذي يحتفل العالم باليوم الدولي للتعليم، تشهد اليمن أسوأ عملية تجريف للتعليم من قبل ميلشيات الحوثي، في سلسلة من الانتهاكات، أبرزها تغيير المناهج التعليمية وبث الطائفية والكراهية في استهداف النشئ في مناطق سيطرتها خلال السنوات الماضية. ويحتفل العالم في 24 يناير/ كانون أول للمرة الخامسة باليوم الدولي للتعليم، وقالت منظمة الأممالمتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) "سيكون شعار احتفال هذا العام "إيلاء الأولوية للتعليم كوسيلة للاستثمار في البشر". وأضافت: "يجب إعطاء الأولوية إلى التعليم بغية تسريع وتيرة التقدم نحو تحقيق جميع أهداف التنمية المستدامة في ظلِّ الركود العالمي".
ويعد تدمير العملية التعليمية في اليمن استراتيجية تنتهجها مليشيات الحوثي منذ انقلابها على الدولة ومؤسساتها قبل ثمانية أعوام حيث تمر العملية التعليمية حاليا بأسوأ مراحلها في تاريخ اليمن المعاصر، في عودة ظلامية لعصور التخلف والإمامة وبأشكال مختلفة.
وتهدف مليشيا الحوثي الإرهابية من العبث بالعملية التعليمية إلى تقويض عرى الدولة اليمنية والمجتمع اليمني، ومرجعيات الدولة والمجتمع وصولا إلى استهداف الهوية اليمنية لصالح الهوية الإيرانية، والعمل على شيطنة الثورة اليمنية، ورموزها الوطنية لصالح الشخصيات الحوثية الطائفية.
خلق جيل طائفي بأفكار المتطرفة وعمدت ميلشيات الحوثي على انتهاك حرمة التعليم في مناطق سيطرتها، وعملت على سلوك آخر إجباري بفرض أفكارها الطائفية بالمدارس واستخدامها لفعاليات مستمرة في إطار حروبها ضد اليمنيين، بالإضافة إلى عملية استقطاب واسعة للطلاب للقتال في صفوفها.
وقال الدكتور شمسان الحسيني مدرس في كلية المجتمع بصنعاء "إن مليشيات الحوثي تسعى بكل الطرق للقضاء على التعليم وتجهيل النشء اليمني وسلخهم من الهوية اليمنية وانتاج جيل مشوه مملوء بالحقد الطائفي وذلك خدمة لمشروعها الظلامي الذي يعيد اليمن إلى عهود الإمامة في محاربة التعليم، حتى يتسنى لها السيطرة على الشعب اليمني من خلال الجهل ونشر الخرافة".
وأضاف في حديث ل "الصحوة نت"، "إن المليشيات الحوثية تعتبر التعليم عدوها الأول لأنه السد المنيع الذي يقف امام لوثتها الإمامية ونشر مذهبها السلالي الطائفي".
وأشار إلى "أن الميليشيات الحوثية مستمرة في جرائمها بحق العملية التعليمية ومنتسبيها؛ سعياً منها لصناعة جيل كامل من معتنقي أفكارها المتطرفة في المناطق الخاضعة لها ولفرض هوية ذات صبغة طائفية".
ومنذ عام 2016، يعمل مئات الآلاف من الموظفين الحكوميين في مناطق سيطرة الميليشيات الحوثية دون رواتب. ووفقاً لتقرير نشرته منظمة اليونيسيف العام الماضي، فإن ثلث العاملين في العملية التعليمية في اليمن، والمقدر عددهم ب 171.6 ألفاً، لم يتقاضوا رواتبهم منذ 4 سنوات على الأقل.
تغيير المناهج خلال السنوات الماضية بدأت ميلشيات الحوثي بسلسلة تغيرات في المناهج التعليمية المليشيا بفرض مناهج معينة، وحذفت الدروس المخصصة للرموز الوطنية اليمنية، وأضافت دروس لشخصيات طائفية في مسعى لتعبئة الطلاب وتحديدا صغار السن بالأفكار السلالية التي تخدم توجهاتها الطائفية والمذهبية.
وكانت مليشيات الحوثي قد قامت بتغيرات كبيرة في المناهج التعليمية شملت من الصف الدراسي الأول وحتى الصف الدراسي التاسع، إذ غيرت المليشيات جذريا أربع مواد دراسية وهي (القرآن الكريم، التربية الإسلامية، اللغة العربية، التربية الاجتماعية)، ضمن خطتها لاستهداف الأطفال والنشء. وغيرت ميلشيات الحوثي أسماء أكثر من 12 ألف مدرسة بأسماء طائفية بعضها لقياداتها القتلى.
وقال الدكتور حسن حجازي مدرس في جامعة إقليم سبأ "أن مليشيا الحوثي تمضي في مسارات متعددة للقضاء على التعليم في اليمن فإلى جانب حرمان المدرسين من رواتبهم عمدت إلى تغيير المناهج لاختراق المفهوم السيادي المرجعي للدولة والمجتمع اليمني، وتسكين مبدأ الولاية كفكرة سياسية عليا، وترسيخها في الناشئ اليمني".
وأضاف في حديث ل"الصحوة نت"، "إن مليشيات الحوثي تعمل على ضرب المرتكزات التاريخية والحضارية للشعب اليمني وإحياء الدور التاريخي للإمامة الكهنوتية بتسخير الناس لخدمة أفكارها، إضافة إلى تمزيق النسيج الاجتماعي الوطني، وإعادة خلق الخلاف الطائفي لضرب المجتمع بعضه ببعض".
وأشار حجازي "أن استخدام الحوثيين للمؤسسات التعليمية؛ يهدف إلى تغلغل الأيديولوجية الطائفية لنظام إيران في المنطقة، وتوفير غطاء مدني لأذرعها العسكرية التي تعمل على إشعال حروب أهلية، وتنفيذ أنشطة تخريبية على حساب الاستقرار اليمني والإقليمي".
وتعتقد المليشيات أن الرهان على أدلجة الأجيال المقبلة في طمس الهوية اليمنية وترسيخ ما يطلقون عليها "الهوية الإيمانية" سوف يضمن لها الولاء الدائم، غير أن مراقبون يرون أن ذلك "عملية تفخيخ للمستقبل وديمومة للحرب التي تتغذى الميلشيات منها ولا يمكن أن تبقى في مرحلة استقرار وتعليم جديد لتناقض أفكارها مع منطقية التعليم والمعرفة".
ضرب مرتكزات التعليم نفذت ميلشيات الحوثي جُملة من الانتهاكات التي استهدفت مرتكزات التعليم في مناطق سيطرتها، بدء من عمليات اختطاف واسعة وتعذيب لكثير من المعلمين بسجونها، بعضهم توفي جراء التعذيب، وسيطرتهم التي دمرت معيشة الناس وأصبحت التعليم مهمة سيئة، وعمليات القتل التي استهدفت المعلمين بهجماتهم على المحافظاتاليمنية.
وسبق أن أعلن مسؤولو نقابة المعلمين اليمنيين عن مقتل 1580 معلماً على أيدي ميليشيات الحوثي خلال الفترة من 2015، وحتى 2020، منهم 81 من مديري المدارس والإداريين، و1499 قتيلاً من المعلمين، فيما قضى 14 من القتلى بسبب التعذيب في السجون الحوثية، في محافظاتصنعاء والحديدة وحجة وصعدة.
وتعرض 2642 معلماً لإصابات مختلفة بنيران الميليشيات، نتج عن بعضها إعاقات مستديمة، إضافة إلى اختطاف وإخفاء 621 معلماً بشكل قسري، وبلغ عدد المعلمين الذين تركوا منازلهم ومدارسهم في مناطق سيطرة الميليشيات الحوثية ونزحوا منها إلى المناطق المحررة أو إلى خارج اليمن 20.142 معلماً، بحسب مسؤولي النقابة.
ووفق منظمة الأممالمتحدة للطفولة (يونيسف) " إلى أن هناك 2.4 مليون طفل يمني خارج نظام التعليم، وقد يرتفع هذا العدد إلى 6 ملايين لأن مدرسة واحدة على الأقل بين كل أربع مدارس تعرضت لتدمير أو لأضرار جزئي بسبب الحرب في اليمن".
وينتظر جيل من الأطفال اليمنيين الذي ولدو في بداية الحرب أو تعلموا خلالها بمناطق سيطرة الحوثيين مستقبل مجهول، حيث مرت ثمان سنوات من الحرب الكارثية على مستوى التعليم الذي من المفترض ان يكون الأمل القادم للبناء.