"نحن شركاء" هذا أبرز تأكيد كان يكرره السياسي والقيادي في حزب الإصلاح، محمد قحطان، في تصريحاته الصحافية ومقابلاته التلفزيونية، عند الحديث عن العلاقة بين الأحزاب السياسية اليمنية والمكونات الأخرى، حتى زمن قصير من اختطافه وإخفائه من قبل ميلشيات الحوثي الإرهابية، حيث يعد سياسياً من الطراز الرفيع وله تأثير محوري في معظم مراحل النضال الوطني لإرساء قيم الدولة. في مطلع إبريل/ نيسان 2015 تم اختطاف السياسي قحطان من منزلة في حي النهضة في العاصمة صنعاء، من قبل ميليشيات الحوثي وإخفاءه قسراً للعام الثامن على التوالي، ويرفضون الكشف عن مصيره، ويماطلون باستفزاز في التفاوض بشأنه مع الحكومة اليمنية، في محاولة منهم محو ذكراه في الحياة السياسية ومراحل التحول والنضال الوطني. رغم سنوات الإخفاء القسري من قبل ميلشيات الحوثي، مازال قحطان باقياً في وجدان اليمنيين ورفاقه السياسيين الذين عملوا معه، إنه مثالاً للسياسي الشجاع الذي لم يكن يخشى أحداً، حيث كان من أهم القيادات الوطنية الذي تقدم مقاربات سياسية مشتركة على أساسها تبنى التحالفات السياسية ضمن رؤية وطنية لبناء مشروع سياسي فاعل للبناء من لبنة الهموم المشتركة. منذ مطلع الألفية برز اسم السياسي محمد قحطان من ضمن القيادات اليمنية المحورية في الفعل السياسي اليمني، وأسس مع قيادات حزبية أخرى مجلس تنسيق المعارض والذي كان النواة الأساسية لتشكيل اللقاء المشترك، إحدى اهم التحالفات السياسية اليمنية في تشكيلات المعارضة والذي تكون من عدد من الأحزاب الوطنية المختلفة أيدولوجيا بشكل كلي.
الشراكة نهج قحطان السياسي خلال مسار النضال الوطني في المعارضة السياسية إلى ثورة فبراير 2011 وصولاً إلى الحوار الوطني الشامل كان محمد قحطان رجل اللقاء المشترك الأبرز في تفعيل القواسم المشتركة في الرؤى الوطنية وصولاً لترسيخ بنيان الدولة الوطنية، فيما بعد الثورة لكن كان السلاح الحوثي يتربص بجميع اليمنيين وغدر بالجميع. عمل "قحطان" برفقة الأمين العام للحزب الاشتراكي اليمني، جار الله عُمر على تأسيس تحالف اللقاء المشترك، الذي ضم أكبر الأحزاب السياسية اليمنية، على رأسها حزب التجمع اليمني للإصلاح، والحزب الاشتراكي اليمني، والحزب الوحدوى الناصري، وحزب البعث، بالإضافة الى حزب الحق والقوى الشعبية، وكل تلك الأحزاب مختلفة ايدلوجياً سواء كانوا يساريين أو قوميين او أحزاب تتبع بشكل أو بآخر جماعة الحوثي. كانت تلك التجربة فريدة من نوعها في الوطن العربي حيث شهدت قوى اليسار والقوميين العرب صراعاً دامياً خلال عقود من القرن الماضي، سواء في فصائل بينية او صراع مع الإسلاميين، لكن قدمت اليمن نموذجا مميزا للمعارضة التي اتفقت على صيغة سياسية جامعة لتوحيد الموقف الوطني المعارض للنظام، وأثمر ذلك بشكل لافت في الانتخابات الرئاسية في العام 2006 حيث ظهرت معارضة حقيقة. عمل "قحطان" في السياسية بمبدأ الشراكة والحوار والانتقال السلمي للسلطة ومدافعاً عن الحقوق والحريات المدنية، رغم انه عاش مع جيل من السياسيين البرغماتيين الذي استطاعوا الحصول على مناصب رفيعة في الحكومات اليمنية المختلفة، إلا أنه كان مختلفاً عنهم حيث لم يحصل على أي منصب حكومي في مسيرته السياسية، وعرف بشكل واسع كناطقاً رسمياً، ورئيسا للجنة التنفيذية للقاء المشترك، بالإضافة إلى أنه قيادي في الصف الأول بحزب التجمع اليمني للإصلاح.
سياسي من الطراز الرفيع كان إخفاء "قحطان" من قبل ميلشيات الحوثي هو جزء من استهداف ممنهج للحياة السياسية التي بدأت تتبلور بنضوج الرؤية الوطنية التي كان بمقدورها اخراج البلاد من مستنقع الحروب والأزمات، على ذات النهج السياسي المقاوم للظلم والاستبداد والذي يحل المشاكل عن طريق الحوار والتوافق الوطني، وكان قحطان أحد اهم رموز هذه السياسية. ظل محمد قحطان قريباً من الجماهير وتطلعاتها في الحرية والعدالة سواء في فبراير او ما سبقها من نضال سلمي، وهو من السياسيين القلائل الذين واجهوا كل أوجه الاستبداد بكل شجاعة وإخلاص، وكان صوته صداحا على الدوام، وأقرب لكل الفواعل السياسية سواء الأحزاب او الصحافة والصحفيين. وقال رئيس الدائرة الإعلامية للتجمع اليمني للإصلاح، علي الجرادي "أن الاستاذ محمد قحطان، صانع المشتركات بين الفرقاء، وعامل تجسير بين النقائض المختلفة، وفق رؤية وطنية تقوم على الحرية والعدالة والمساواة، لم يكن رجل سياسة بالمعنى التقليدي، بل كان يحمل رؤية وصاحب مبادرة وقدرة في المنطقة الوسط". واعتبر نائب رئيس إعلامية الإصلاح عدنان العديني "أن قحطان ليس شخصية عادية، إنه رمز بلاد بأسرها حيث ارتبط اسمه بالجهد الوطني الذي استثمر في السياسة وأصر على استبدال منطق القوة بمنطقها السلمي في الصراع على السلطة". ويرى السياسي وامين عام الحزب الاشتراكي السابق ياسين سعيد نعمان "أن قحطان سياسي من الطراز الرفيع، إذا اتفقت معه شعرت بالاطمئنان وإذا اختلفت معه شعرت ايضاً بالاطمئنان، استطاع أن يؤسس خطاً في الحياة السياسية اليمنية المحتدمة بالتنوع وبالصراعات وعدم الثقة والتوافقات والتباينات". وقال – في مقال نشره بصفحته عام 2017 – "كان خصوم قحطان أكثر من يدرك هذا الدور الهام الذي يلعبه في الحياة السياسية، فقد كان يقترب من خصومه الى حد التماهي وذلك بإيمان من أن هناك قواسم مشتركة لا بد من اكتشافها واختبارها في إخصاب التنوع السياسي والثقافي". فهو يرى – أي قحطان - أن هذا المجتمع المتنوع هو خلاصة تجارب تاريخية حضارية لا بد من استحضارها عبر حوارات ثقافية وسياسية واجتماعية، وباعتبارها الخلفية التاريخية التي لا تستغني عنها المفاهيم السياسية المعاصرة، فقد كان في نقاشاته مسلحاً بكثير من الوقائع والحكايات التي تعكس وعياً بالتراث المعرفي للمجتمع وما يشكله ذلك من تأثير على الحياة السياسية. على حد تعبير نعمان.
قحطان وميلشيات الحوثي مع بداية مرحلة جديدة من حروب ميلشيات الحوثي في العام 2014 في محافظات صعدة وعمران والجوف وصولاً إلى محيط صنعاء، تحدث قحطان عن الخطر الذي يهدد الجمهورية والثورة اليمنية، ووصفهم وهم يقتحمون العاصمة صنعاء في 21 سبتمبر/ أيلول 2014 بالإنتفاشة التي ستنتهي، وكان ينطلق من مبدأ ان السلاح لا يمكن ان يكون الا للخراب وليس للبناء، وهو ما يحدث في الواقع بعد ثمان سنوات من الحرب، التي أصبحت مصدر بقاء الحوثيين فقط. وفي في منتصف عام 2014 قال محمد قحطان في مقابلة تلفزيونية "تعاطفنا مع الحوثي في الحروب السته حين صدقنا أنه يعيش مظلومية، لكنه مصدر للأذى لكل اليمنيين ومصدر للمتاعب"، وأضاف: "أن نظرية الامامة تأريخاً والتي اشتغل عليها الحوثيين موجودة في كتبهم، والتي تنص على ان من يصطفيه الله على أنه الامام، عليه ان يخرج ويدعو القبائل للقتال ويجيشهم، وعليه أن يرعب ويرهب، ومن لا يكن في صفهم عليه ان يخرجهم من منازلهم". وأكد في ذات المقابلة مع الإعلامي عارف الصرمي "ليست لنا خصومة ذاتية مع الحوثي نحن مثل كل أبناء اليمن الذين ساندوا النظام الجمهوري، ويرفضون عودة الإمامة بأي شكل كان". ويدفع قحطان حالياً ثمن موقفة الصارم مع العنف والسلاح المنفلت الذي تحول إلى كارثة على اليمنيين للعام الثامن على التوالي بعد اسقاط الدولة. وفي سياق التنبؤ السياسي الذي كان يقرأه السياسي "قحطان" في مسيرة ميلشيات الحوثي وأثناء نشوة القوة بالسيطرة على العاصمة صنعاء، عندما وصفهم ب"الانتفاشة"، كان يؤمن ان الجماعات التي تحمل السلاح وتحاول جعل نفسها قوة داخل الدولة سُرعان ما تتلاشى مع المستقبل لان السلاح هو مصدر قوتها فقط وليس لديها أي مشروع سياسي للبناء، في الأخير تتحول مثل هذه الجماعات إلى مصدر أذى للجميع. وفي العام الثامن من الحرب تجد ميلشيات الحوثي نفسها في مأزق إذا ما أرادت الاتفاق على إيقاف الحرب لأنها ستجد في نفسها أمام استحقاق ليست قادرة عليه، لأنها تتخذ من القمع والمزايدة بالحرب على المواطنين من اجل نهب أموالهم، فبعد عام من الهدنة تجد نفسها أمام غضب شعبي عفوي بعد انتهاء المبرر الذي يسوقونه على الناس انهم في حرب وحصار، لم يتغير شيء انهم ينحسرون في ذواتهم كعصابة. وتلك نبؤة "قحطان" قبل ان يتم اخفاءه. إلى جانب سيرة قحطان السياسية على المستوى الوطني، كان مطلعاً ومهتماً بقضايا الأمة، ورأى – في مقابلة تلفزيونية بمنتصف عام 2014 أثناء التحولات في عدد من الدول العربية عقب ثورات الشباب - "أن المنطقة ستمر بهزات كبيرة ولن تهدأ الأمور فيها، وستظل فلسطين هي سبب ما يجري في المنطقة، حيث لا يوجد أفق لإمكانية حل القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي". حيث كان مؤمناً بقضية العرب وتأثيره على استقرار الدول العربية.