في يناير/كانون الثاني 1839، سيطر الاحتلال الإنجليزي على مدينة عدن، وبفضل تحالف البريطانيين مع الإمامة في مواجهة العثمانيين، تمدد الاحتلال البريطاني ليشمل كل مناطق جنوب وشرق اليمن، وكُبل الشطر الجنوبي طوال 129 عاماً عبر اتفاقيات مع مشيخات وسلطنات صغيرة. وهو الحال ذاته حين أبرم رأس الكهنوت والرجعية في الشمال أندلك "يحيى حميد الدين" معاهدة سلام وتعاون مع المحتل في فبراير/شباط 1934م، تنازل بموجبها عن حق اليمنيين في الاستقلال وإدارة شؤون بلادهم، معترفا بالحماية والوصاية البريطانية على جنوب وشرق الوطن لأربعين عاماً قابلة للتجديد. إذا فالإمامة هي الرديف للاستعمار والاحتلال والوصاية الخارجية، وقد تجلى ذلك مؤخرا في مليشيا الحوثي بممارساتها التشطيريه وإجراءاتها العنصرية وتوجهها التقسيمي لكل ربوع الوطن على أسس تخدم مشروعها الطائفي وبما يمكنها من إحكام قبضتها الطائفية على أبناء الشعب وتركهم تحت رحمة المشروع القادم من حوزات قم والنجف وبيروت وكربلاء وطهران الفارسية. ففي الوقت الذي تحاول فيه جماعة الحوثي، اظهار نفسها كمدافع عن الوحدة اليمنية، تؤكد المعطيات على أرض الواقع والممارسات المستمرة للمليشيا، أنها الخطر الأكبر على وحدة وسلامة واستقرار وازدهار اليمن، فلولا انقلاب المليشيا ما تدخل التحالف العربي بقيادة السعودية استجابة لدعوة الرئيس الشرعي، ولولا اجتياحها للمدن، لما تحول ثلثا الشعب اليمني إلى جوعى يتطلبون المساعدات من المنظمات، ولما كانت هناك ميليشيات وقوات موازية للقوات المسلحة اليمنية وأجهزة الأمن التابعة لوزارة الداخلية والقائد الأعلى للقوات المسلحة. ويمكن أن نستخلص بعض تلك الممارسات والوقائع التي تثبت -بلا شك- أن المليشيا هي الطرف الأول سعيا لتقسيم وفصل أجزاء الوطن وتحويله إلى كينونات تتحكم المليشيا بمناطقة الأكثر كثافة سكانية لتبقى لها اليد الطولاء في أي تطورات مستقبلية ويظل مصير البلاد مرتبطاً بزعيمها عبد الملك، ويظل مشروعه الطائفي كالخنجر مسموما في خاصرة الوطن والمنطقة العربية برمتها.
خارطة السيطرة العسكرية منذ انطلاق عاصفة الحزم وإعادة الأمل بقيادة المملكة العربية السعودية، وميليشيا الحوثي تستميت في الدفاع عن مواقعها في مناطق التماس التي كانت في وقت ما قبل الوحدة اليمنية، مناطق اشتعال واشتباك متكرر بين حكومة الشطرين الشمالي والجنوبي، خصوصا في المناطق الوسطة التي هي شاهدة على معارك الجبهات القومية في المناطق الوسطى وتحديدا في الضالع ولحج وابين. وباستثناء الصمود الأسطوري للقوات الحكومية والقبائل في محافظة مأرب، وأجزاء من محافظة الجوف، وتقدم عمليات السهم الذهبي في الساحل الغربي نحو المخأ وصولا إلى الخوخة وضواحي الحديدة سابقاً، شجاعة وثبات سكان مدينة تعز المحاصرة منذ سنوات، وعدى ذلك فميلشيا الحوثي تستميت في الدفاع على ما يعرف شعبيا بالبرميل. ومع تقدم القوات في الساحل الغربي من جهة الشمال، وتحرير مواقع وأجزاء عدة في شمال الشمال في محافظتي حجة وصعدة والجوف، يلاحظ المتابع استماتت ميليشيا الحوثي في الدفاع عن مواقع تمركزها القريبة من خطوط التماس التي كانت مناطق اشتباك إبان التشطير، باستثناء الجبهات التي فرضت القوات الحكومية والموالية معادلة مغايرة، بدعم من التحالف أو بوحدة الصف القبلي والحال الأخير ينطبق على محافظة مأرب. التشطير الاقتصادي من الممارسات التي يلمسها المواطن اليمني اليوم، هو قيام المليشيا بفرض التشطير الاقتصادي للوطن، من خلال قرارها حظر تداول العملة الوطنية الصادرة عن البنك المركزي، وتحويل شمال الوطن إلى معتقل واسع لا يتعامل الناس فيه بالعملات الأجنبية أو ما تبقى من عملات مهترئة من الطبعات القديمة. ففي ديسمبر 2019، حظرت مليشيا الحوثي التعامل بالعملة المحلية الصادرة عن البنك المركزي في عدن، واعتمدت سياسات من شأنها تقسيم وتدمير القطاع المصرفي والاقتصادي، وبموازاة ذلك، استحدث المليشيا منافذ جمركية في مداخل ومخارج المناطق الخاضعة لسيطرتها وأجبرت التجار الذين يستوردون من الموانئ المحررة على دفع مبالغ مالية كبيرة كضرائب وإتاوات إضافية رغم دفعهم الرسوم الجمركية في الموانئ المستقبلة للبضائع والخاضعة للحكومة المعترف بها. كما هاجمت الميليشيات أصول شركات الاتصال التي تتخذ من عدن مقراً لها، وتهديد ومهاجمة الموانئ والسفن العاملة في تصدير النفط، وإقرار قانون جديد لحظر الفائدة على المعاملات المصرفية والتجارية، والسيطرة على البنوك وشبكات تجارية لخلق واقع انفصالي حقيقي على الأرض الواقع. وبحسب تقارير لجنة الخبراء التابعة لمجلس الأمن، فإن الانقسام الاقتصادي والمالي الذي تسبب به الحوثيون، أحد مظاهر تشظي وتشتت اليمن، وتحول دولته إلى كينونات على حساب الدولة المركزية والحكومة المعترف بها دولياً. وفي النسخة الأخير من تقرير الخبراء، أكدت إحدى فقراته اعتماد المليشيات لخطة استراتيجية لاستهداف المقدرات الاقتصادية للحكومة الشرعية، من خلال خلق عدم الاستقرار الاقتصادي بالمناطق التي تحت سيطرة الحكومة، مضيفا "أن ما تمارسه المليشيات من عراقيل ضد الاقتصاد، يشكل تهديداً خطيراً للسلام والأمن والاستقرار في اليمن". وطالب تقرير الخبراء والجمعيات الاقتصادية وجمعيات البنوك مؤخراً، مليشيا الحوثي بإيقاف كل ما يعزز الانقسام الاقتصادي والمصرفي في اليمن، والحفاظ على ما تبقى من هامش للاقتصادي الوطني.
تغيير المناهج الى جانب تدمير الاقتصاد، اعتمدت مليشيا الحوثي عن طريق شقيق زعيم الجماعة المعين وزيراً للتعليم في حكومة المليشيات، يحيى الحوثي، خطط شاملة لتغيير المناهج الدراسية، خالقتا بذلك نظامي تعليم في اليمن الواحد، مستهدفة بذلك في المقام الاول جميع الرموز الوطنية التي ناضلت من اجل تحرير شمال اليمنوجنوبه والذين عملوا من أجل تحقيق الوحدة. وأدخلت المليشيا شخصيات محسوبة على مشروعها ما تسبب – بحسب خبراء وتربويين- في خلق هوة واسعة بين المناهج التعليمية في شمال الوطن وجنوب وشرق الوطن. هذه تأكيدات من داخل صفوف المليشيا؛ إذ غرد القيادي في الجماعة وعضو ما سمية سابقا "باللجنة الثورية العليا" محمد المقالح، قبل أيام في تويتر متهما جماعته الانقلابيين بالسعي لصياغة دولتهم الخاصة دون حساب أو مراعاة لبقية أبناء اليمن، "تغيير هيئات الدولة وقوانينها ومناهجها وإغلاق الطرق يكرس التقسيم القسري جغرافيا بتقسيم القوانين والمناهج وهيئات الدولة".
التحريض على الانفصال وبين الحين والاخر، تقوم قيادات في مليشيا الحوثي بالتحريض بين مكونات ابناء الجنوب وتشجيع الدعوات المطالبة بالانفصال. ففي اجتماع البرلمان الوحيد في سيئون، في 2020، والذي كان من المقرر عقده في العاصمة المؤقتة عدن، حرض القيادي في المليشيا الحوثية محمد البخيتي، المجلس الانتقالي على منع انعقاد البرلمان، وقال البخيتي يومها "إن انعقاد البرلمان في عدن كان سيحرج الانتقالي بينما انعقاده في حضرموت سيكون أفضل للانتقالي أكثر، وهذا ما يظهر ارتياح الحوثي من فشل انعقاد البرلمان في عدن وتحريضه لإفشال انعقاده في سيئون أيضا". ولا يتوقف ذلك عند حد التحريض بل سعت المليشيا بهجماتها عام 2019م، على إثارة النزاع بين الحكومة والانتقالي، عبر استهدافها القيادي في المجلس أبو اليمامة، دون أن تعلن رسميا استهدافه، وراح قياداتها ينفخون بالزيت على النار حتى اشتعل القتال في عدن وضواحيها، وهو ما افضى إلى شبه انقلاب موازي في جنوب البلاد.
عداء عقيدي عداء مليشيا الحوثي للوحدة ليس وليد اللحظة، وإنما عقيدة ترتبط بالمشروع الإمامي الكهنوتي الإثني عشري، والذي ينظر للمناطق الجنوبية والشرقية باعتبارها مناطق سنية حنفية وشافعية لا تمتلك المليشيا أي مدخل طائفي للتوسع هناك سوى مصالح بعض الخاسرين ممن رهن حياته بمشروع الإمامة. ويتضح ذلك جلياً، منذ الساعات الأولى لقيام الوحدة اليمنية، والجمهورية اليمنية، حيث سعت المليشيا ومؤسسها الهالك حسين الحوثي لاستغلال الخلاف والصراع الذي قام بين شريكي الوحدة والذي نتج عنه حرب 1994، فكان موقف أنصار المشروع الإمامي واضحا، ضد الوحدة وتأييد الانفصال بغرض اضعاف الحكومة، الأمر الذي يمكنهم من التمرد واستمرار مشروعهم العنصري السلالي. وعن هذا، يقول وكيل وزارة الاعلام "فياض النعمان"، إن" مشروع الاماميين الجدد اصبح اليوم اكثر وضوحا لدى ابناء اليمن بانه الخطر الحقيقي على المكتسبات السياسية التى تحققت خلال العقود الماضية بدأت بأهداف الجمهورية وانتهاء بالوحدة اليمنية المباركة". ويضيف النعمان "المليشيات الحوثية منذ اللحظات الاولى لمشروع انقلابها على مؤسسات الدولة كانت اهدافها الارهابية موجهه صوب العاصمة المؤقتة عدن وكل المحافظاتالجنوبية بعد ان نشرت سموم القتل والارهاب والدمار في كل قرية ومديرية ومدينة ومحافظة في المحافظات الشمالية التي مرت فيها". وتابع: "الممارسات التي تنتهجها المليشيات الحوثية بحق ابناء اليمن في المناطق التي لاتزال تسيطر عليها وسعيها الحثيث الى غرس الافكار الطائفية والمعادية في المراكز الصيفية يعد الجاثوم الحقيقي الذي يضع كل الانجازات العظيمة لليمن في خطر وعلى راسها مبادي وقيم الوحدة اليمنية".
إيران ومشاريع الانفصال تسعى إيران للعب دورا إقليميا في المنطقة العربية بطريقة مباشرة وغير مباشرة وبوسائل مختلفة، كما أن النفوذ الإيراني في المنطقة العربية خلال السنوات الأخيرة يسير في اتجاه متصاعد ومتزايد وهذا النفوذ والتدخل يثير إشكاليات عديدة، بحسب دراسة قدمها الباحث "قسام مبارك " بعنوان " الصراع السعودي الإيراني وانعكاساته على استقرار اليمن. ويشير الإعلامي عماد الصوفي إلى أن " الحوثيون يسعون بكل قوتهم للدفع نحو الانفصال بإيعاز من ايران التي تريد السيطرة على خليج عدن، وتغنيهم بالوحدة كذب مفضوح فهم اولا واخيرا المستفيد الأول من الانفصال للانفراد بحكم المناطق الشمالية، والإحصائيات تتحدث عن انزال الحوثيين علم الجمهورية اليمنية من اكثر من 3800 مدرسة في محافظة صعدة ايام حكم الرئيس السابق، والمناهج الحوثية الحالية لا تتكلم عن الوحدة الا حديث عابر السبيل، بالإضافة الى اهانة الرتب العسكرية واستبدال الطير الجمهوري بالشعار الايراني، كل هذا وغيره يدل على ان الحوثيين هم الخطر الاكبر على وحدة اليمن ووحدة الشعب اليمني". تؤكد الدراسة أن إيران لديها أطماع قديمة في المنطقة والتي تريد من خلالها تحقيق مشروعها الفارسي ومحاولة أخذ الزعامة في المنطقة من خلال دعمها لمشاريع الانفصال التي تحدث في اليمن بين الجنوب والشمال. وتسعي إيران، بحسب الدراسة السابقة، إلى فرض نفوذها وهيمنتها على مواقع هامة بينها اليمن، لقربها من ممرات مائية ومضيق باب المندب، إضافة إلى جعل مليشيا الحوثي خنجرا في خاصرة السعودية. ومقابل هذا العبث الحوثي بوحدة اليمن، تزداد قناعة اليمنيين بأهمية الوحدة التي ناضلوا لأجلها شمالا وجنوبا وقدموا من اجلها الغالي والرخيص، مؤمنين بأن الوحدة " مصير وقدر بالنسبة لهم، ويجب الحفاظ عليها مهما بلغت التضحيات احتراما لتضحيات الآباء والأجداد، وأن الوحدة ملك اليمنيين وليست ملك لحزب او جماعة.