لا يحتاج الحديث عن الشهداء لوقت محدد، لأن حديثهم عابر للزمن الذي استشهدوا فيه، كما أن ذكراهم العاطرة عابرة للمكان أيضا، لا زمن يحد من الوقوف على مآثرهم و لا شيء يقف حائلا بينهم و بين الناس الذين أحبوهم و لا يزالون يمحضونهم هذا الحب، كيف لا و قد ضحوا بحياتهم من أجل هؤلاء الناس؟ و قدموا أرواحهم رخيصة في محراب الوطن الغالي قربانا للخلاص من عهود التخلف و الفوضى و الفقر والفساد؟ شهداء الكرامة حدث ذو شأن و حديث ذو شجون، حدث زلزل أركان النظام البائد و تسبب في انهياراته المتواصلة، كشف سوءاته أمام العالم، و تبدى قاتلا بامتياز و مجرما بدون رتوش، حاول يومها رأس النظام أن يتوارى مع أزلامه من القتلة والقناصين خلف من قال أنهم أصحاب المنازل، لكنه تعرى أكثر، و كان في يديه الملطختان بالدماء و لسانه المثقل بالجريمة إشارة واضحة و فاضحة أن ثمة توجيهات من فخامته الهزيلة صدرت منه في ليل حالك السواد لعصاباته و رجال المهام القذرة كي يباشروا القتل و القنص، معتقدا أن في ذلك ضمانة كفيلة بالقضاء على الثورة، شهداء الكرامة درة في جبين الثورة و صفحة خالدة في سفر التاريخ اليمني، ستظل ترويها الأجيال للأجيال، تتحدث عن كوكبة من الثوار آلوا على أنفسهم أن لا يعودوا إلا بعودة الوطن المغتصب و كرامته المهدورة و حقوقه المصادرة، و لقد أوفوا بالعهد و أبروا بالقسم، و مضوا إلى ساحة الشرف في يوم الكرامة، لم يسقطوا لكنهم أسقطوا القتلة الذين حاولوا أن يتواروا ملثمين خلف النار و الدخان الأسود المتصاعد من المكان بكثافة تحاكي سواد قلوبهم المحشوة بالحقد الأسود. قال كبير القتلة و البلاطجة إنهم قُتلوا على يد أصحاب المنازل و سكان الحي، لكن كل شيء في المكان و الزمان كان يشير نحوه: أنت القاتل بامتياز، وأنت الفاعل مع سبق الإصرار والترصد، ولم تُجده المحاولات البائسة في التنصل من جريمته الشنعاء و المشهودة، لم يستطع أن يبرئ نفسه من جريمة القتل بهمجية تتقنها عصابات المافيا و الجريمة المنظمة، ولم تثبت عيناه الغائرتان خلاف ما عرفه الجميع عن القاتل المحترف و مرتزقته الأوغاد. شهداء جمعة الكرامة كانوا الأقدر على إثبات الجريمة و الإمساك بالجاني متلبسا بجرمه الأسود و جريمته البشعة، بدمائهم الطاهرة التي روت أرض الثورة و شجرتها سقطت آخر أحلام النمرود كما تساقطت أوراق نظامه المتهرئ، تكشفت حقيقته سافرة بدون مساحيق تجمله، و بدا مظهره عاريا كما لم تتم تعريته من قبل. حاول يومها جاهدا أن يرمي آخرين بجريمته لكنه كان مهزوما من داخله، والحدث كان موثقا بالصوت و الصورة، و الجميع رأى وسمع وشاهد ما حدث، ولم يكن بحاجة لمؤتمر صحفي أو إعلان حالة طوارئ، أو حل الحكومة أو استدعاء الجندي و الصوفي و البركاني و الشامي كي يمارسوا الدور المرسوم لهم مسبقا باجترار ما يريده صاحب فخامة القتل وآمر سرية القنص، حاول رشاد المصري أن يحرف في الواقعة لكن دماء الشهداء كانت له بالمرصاد، كانت أقوى منه حجة و أفصح لسانا، كان يحاول أن يفعل شيئا وهو يقف خلف سيده المخلوع ليمسح عنه آثار الجريمة لكنها كانت قد أخذت مكانها لتشير للقتلة و سيدهم الذي يأمرهم بالبغي والقتل والعدوان ويزين لهم سوء ما يرتكبون. شهداء الكرامة سطورنا المضيئة في سفر تكوين اليمن الجديد، و حراس ثورتنا المباركة والمسيجة بطهر دمائهم ونقاء أحلامهم التي تشرق في ساحات الثورة كل صباح، وسوف تظل منارا خالدا لا يخبو ضوءه ولا تنطفئ قناديله. هم الألى أشعلوها ثورة بأرواحهم التي ارتقت في معارج الخلود، و مع كل دفقة من دمائهم كان الطاغية يترنح ملطخا بالعار و بالفضيحة المدوية. فيا شهداء الكرامة طبتم أحياء في القلوب و دمتم خالدين في صفحات المجد والتاريخ، و لا عزاء للسائرين في ركب الطاغية و حملة المباخر حتى و هم يرون «هبل» يتساقط ولا لأولئك المتباكين على الثورة وهم يلوكون مبررات الخذلان و يتفننون في صناعة الوهم الذي أسقطته دماؤكم في يوم الكرامة