عرفته عن قرب، لا كما يُعرَف الناسُ عابرين في دروب الحياة، بل عاش في وجداني كما يعيش النور في عيون المبصرين. الاستاذ احمد الشرف الإعلامي المعروف،عشت معه، لا مجرد صحبة، بل مرافقة روحٍ لروحٍ، تعرف نبض قلبه قبل أن ينطق، وتقرأ صدقه قبل أن يُفصح. كان قلبه معلقًا بالمساجد، كأنما قلبه أذّن قبل المؤذن، وسجد قبل الساجد، وركع حيث طابت له السكينة. كثير الصمت، وصمته لم يكن غيابًا عنّا، بل حضورًا عميقًا بلغة لا يجيدها إلا العارفون بالقلوب. ذو خُلُقٍ عالٍ، كأن الأخلاق تزينت به، لا يرفع صوته، ولا يكسر خاطرًا، يمرّ كنسمةٍ لا تُؤذي، ويقيم مقام الهيبة بلا صخب. منضبطٌ في مواعيده وعمله، كأن الوقت أمانة في عنقه، لا يفرّط فيها، ولا يخذل من عوّل عليه. رحلتَ يا من كان للحقِّ سندا وعن الوفاءِ ما توانى أبدا رحلتَ والوقتُ يشهدُ همّتَك ما خنتَ ميعاداً، ولا خفتَ الردى رحلتَ عنّا، يا من كنتَ في الشيخوخةِ شابًّا، كنت جَبَلًا لا تهزّك الأعاصيرُ. كبرتَ سنًّا، لكنّ روحك ظلّت فتية، تسبق الخطى، وتشعلُ فينا الحماسَ والنور. برغم عملية القلب المفتوح وظروفك الصحية الصعبة. كم شهدناكَ نشيطًا، لا تعرفُ للكسلَ طريقًا، ولا للضعفِ في قاموسك مكان. كنتَ تُشعلُ في من حولك الأمل، وترى في كلّ يومٍ فرصةً للعطاء. كأنك تُعلن: "الحياةُ لا تُعاش إلا بعزمٍ، لا بعُمر." رحمك الله، يا صاحب الهمّة العالية، يا من علّمتنا أنّ العمرَ لا يُقاسُ بالأرقام، بل بالأثر، بالعزم، وبالقلب الذي لا يشيخ. نم قريرَ العين، فقد كنتَ مثالًا يُحتذى، وستبقى ذكراك حيّة فينا، وفي كلّ من عرفك، وأحبّك، وتعلّم منك. رحمك الله كنت خلوقاً، بشوش الوجه ، حسن السيرة، طيب القلب، رحل، وترك في القلب فراغًا لا يسده إلا الدعاء، اللهم اجزه عنّا خيرًا، واجعل قبره روضة من رياض الجنة، واملأه نورًا ورضوانًا وسكينة. إنا لله وإنا إليه راجعون