خمسة وثلاثون عاماً مضت منذ أن وُلد حزب التجمع اليمني للإصلاح كأحد أبرز ثمار الحركة الوطنية اليمنية الحديثة، وهو يمثل امتداداً لمسيرة النضال الطويلة التي أسهمت بفعالية في إشعال جذوة الثورات اليمنية الكبرى بدءاً من حركة 1948م ومروراً بثورة 26 من سبتمبر المجيدة وصولاً إلى ثورة 14 من أكتوبر الخالدة. ومنذ لحظة ميلاده حمل الإصلاح على عاتقه عبء تجذير قيم الحرية والعدالة ليغدو عنواناً لهوية سياسية مدنية خالصة، يمنية النشأة والانتماء، وطنية المبدأ والمصير، وعربية الهوية، إسلامية المرجعية. لم يكن الإصلاح حزباً منغلقاً أو نخبوياً، بل نشأ من رحم المجتمع اليمني بكل شرائحه وفئاته، معبّراً عن تطلعات أبنائه في مختلف المدن والقرى، وحاملاً آمال البسطاء قبل الطامحين، ومجدداً أواصر الوحدة الوطنية على قاعدة المشاركة لا الإقصاء، والتوافق لا التفرد؛ ومن هنا برز دوره الفاعل في ترسيخ قيم الشراكة السياسية والانفتاح على مختلف القوى، سواء من موقعه في الحكم عندما كان مشاركاً في الحكومة أو في المعارضة بعد الخروج منها. ومن خلال قراءة منصفة للواقع نلاحظ أنه على مدى العقود الثلاثة والنصف الماضية لم يتراجع الإصلاح عن ساحات النضال السياسي، بل ظل حاضراً في كل منعطفات البلاد، راسخاً بقاعدته الشعبية، وعميقاً بمكانته الوطنية. ومن محطات التجربة البارزة حضوره الحيوي في الائتلافات الوطنية للأحزاب والقوى السياسية الفاعلة، بدءاً من التجربة الناجحة للقاء المشترك مروراً بالتحالف الوطني لدعم الشرعية وصولاً إلى التكتل الوطني، وهي محطات عكست نضجاً سياسياً ورؤية مدنية تستند إلى الدستور والقانون.
ولم تقتصر بصمات الإصلاح على الجانب السياسي فحسب، بل اتسم مساره بالالتزام الثابت بقضايا الوطن الكبرى، وتقديم التضحيات في سبيل إسناد الشرعية الدستورية والعمل على استعادة مؤسسات الدولة وإنهاء الانقلاب الحوثي الذي ما يزال يشكل الخطر الأكبر على حاضر اليمن ومستقبله القريب والبعيد بما يحمله من مشروع طائفي دخيل يستمد توجهاته من إيران ويهدد الأمن القومي لليمن، بل وللمنطقة برمتها.
وعلى الرغم من حملات التشويه التي حاولت النيل من صورته، ظل الإصلاح متسلحاً بسجله الممتد على مدى 35 عاماً، سجل طابعه الانحياز الدائم للوطن وقضاياه، والتجذر في العمل السياسي السلمي، وتغليب المصلحة الوطنية على ما عداها.
والحقيقة التي يجب أن لا نغفلها هي تميز الإصلاح بفتح أبوابه أمام المرأة اليمنية، إذ شكلت المرأة الإصلاحية نموذجاً مضيئاً في المشاركة السياسية من خلال الانتخابات الداخلية للحزب، ووصولها إلى مواقع قيادية عليا كمجلس شورى الحزب، إضافةً إلى تخصيص دائرة تُعنى بالمرأة وتنمية قدراتها في جميع مناحي الحياة، وعلى رأسها القدرات السياسية، فضلاً عن حضورها المتميز في مختلف الفعاليات الوطنية، مؤكدةً أن الإصلاح لا يرى في المرأة تابعاً للرجل، بل شريكاً أصيلاً في مسيرة النضال الوطني.
وأما على الصعيد الخارجي، فنجد أن علاقات الإصلاح مع محيطه الإقليمي والدولي، القائمة تحت إطار الدستور والقانون ومن خلال مشاركاته في مؤسسات الدولة الرسمية، تمثل ركيزة أساسية في نهجه السياسي، وخاصة العلاقات الاستراتيجية مع دول مجلس التعاون الخليجي وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية، حيث إن هذه العلاقات تقوم على مبادئ الإخاء والتعاون والتكامل في مواجهة التحديات المشتركة، وفي مقدمتها المشروع الإيراني وأذرعه المسلحة.
إن الذكرى الخامسة والثلاثين لتأسيس حزب الإصلاح ليست مجرد استعادة لتاريخ مضى، بل هي تجديد للعهد مع الوطن بأن يبقى الإصلاح قوة سياسية مدنية وطنية النشأة، حاضرة في معركة الحرية والدولة، ومتمسكة بمشروع اليمن الاتحادي الكبير الذي حلم به الثوار الأوائل وارتضاه اليمنيون جميعاً غاية ووسيلة ومصيراً.