الكتاب يُقرأ من عنوانه، و ما كل كتاب يُقرأ، و لا كل كتاب يقدم المفيد،أو يستلفت الأنظار، و لا كل كتاب يثير الجدل. و كان مسمّى التجمع اليمني للإصلاح عنوانا و مضمونا، و واقعا يُقرأ بوضوح من كل منصف ، و من كل مَن أعمل العقل و الفكر و هو شهيد. جاء ميلاد الإصلاح في شهر سبتمبر، و هو شهر تميز بثورة ال 26 من سبتمبر؛ إذ لم تمض غير مائة و ثلاثة عشر يوما من إعلان إعادة الوحدة اليمنية في 22 من شهر مايو من عام 1990 حتى أعلن التجمع اليمني للإصلاح عن نفسه في يوم 13 من شهر سبتمبر من العام نفسه. كما أعلنت قبل ذلك و بعده أحزاب عدة عن نفسها. و جاء الإصلاح عنوانا وارف الظلال، و جاء واقعا يُستقبل في كامل التراب اليمني. أما أنه عنوان؛ فقد جاء يستلهم خطى و معاني الوصف الذي استحقته اليمن ، وصفا لا نريد به بدلا ؛ تفضَّل به الله العلي الأعلى :" بلدة طيبة ورب غفور"، و أما واقعا فقد شمل أرجاء الوطن، غير محصور في زاوية جغرافية، أو منطويا لإرادة فردية أو عائلية، و لا مُغيّبا في خرافة سلالية. جاء على موعد في بيئة أسقتهما الفطرة روحا واحدة فتأٓلفا و ائتلفا، و تعارفا و اتفقا، فإذاهما ذرية بعضها من بعض، جمعهما المبدأ النقي، و عززت لحمتهما الهوية الصافية. و انفتاح الإصلاح عنوانا، و واقعا هو ما يتفق و يلبي تاريخ اليمن و حضارته ، و حاضره و مستقبله، و في وحدته و اتحاده متناغما مع أهداف الثورة اليمنية التي منها : " العمل على تحقيق الوحدة الوطنية في إطار الوحدة العربية الشاملة" بعد أن حدد هدف آخر بناء مجتمع ديمقراطيّ عادل، مستمد أنظمته من روح الإسلام الحنيف . اليمن تاريخ حضارة، و الحضارة لا تتقوقع، و المتحضرون لا يتمزقون ولا يتقزمون، و لقد قال قائل اليمنيين: "نحن أولوا قوة وأولوا بأس شديد". إذ لم يكونوا حينها كانتونات مبعثرة، و لا مشاريع هزيلة. و لم يكن الإصلاح و هو يستلهم من هويته العربية و الإسلامية عظمة المسار ، و من تاريخ اليمن و حضارته تجارب آبائه و أجداده بالذي سيدير ظهره لهذه الأسس الراقية، و المنطلقات الراسخة؛ فالشعوب الحية،و المجتمعات اليقظة تفخر بإرثها الرائد،و تتفاعل مع رسالتها الحضارية، و منهجها القائد ، فالمجتمعات التي تتخلى عن ذلك تفقد بوصلتها، و شخصيتها، ثم تقف على أرض رخوة تميد بها يمنة و يسرة،و لا يكون لها رسالة تؤديها. إن من يتخلى عن ثوابته الوطنية ، أو نهج هويته العربية و الإسلامية يفقد شخصيته، و يفقد معها إرادته و حريته، و يصبح بتعبير الأخلاق : لا يرد يد لامس، و بتعبير الحرية: يصبح طيّعا مستجيبا لكل ناعق ، ذيلا بعد أن كان رأسا، و تابعا بعد أن كان متبوعا. إن الثوابت الوطنية ليست محل تنازل أو تفريط ، و الثوابت العروبية و الإسلامية ليست محل تغيير أو تبديل. و حقيقة الإصلاح في تمسكه بذلك حاضرة واقعا لا تنظيرا. و بالتالي ما كان للإصلاح أن يكون قروي الهدف، أو عائلي النزعة ، أو سلالي الأفق ، أو أناني التعاطي ،أو غامض النوايا ، سيئ الطوايا ؛ و إنما كان جامعا لا ممزقا، و مُؤلِّفا لا مُفرّقا. لقد عانت اليمن أشد المعاناة إبان الحكم الإمامي المتخلف حتى قضى الله أن هيأ القيام لثورة السادس و العشرين من سبتمبر و قيام الجمهورية، و مثّل النظام الجمهوري ثابتا وطنيا لا ينبغي التفريط به كما مثلت وحدة النسيج الاجتماعي واجبا مفروضا لا يجب التخلي عنه، و كان موقف أبي الأحرار الشهيد محمد محمود الزبيري واضحا في الخط الذي تبناه ؛ التمسك بالثورة و النظام الجمهوري ، و السعي الجاد نحو تعزيزه و إصلاحه، و بذل الجهد بدعوة الخارجين عليه بالانضمام إليه، فاستهدفته فلول الإمامة و هو يجوب المناطق التي كانت قد وقعت فريسة لخداع الإمامة الكهنوتية. مضت قافلة الأهداف الإصلاحية تدبُّ في الأوساط الشعبية منحازة للشعب و ثورته،و جمهوريته،و لم يكن غريبا أن يكون الأستاذ عبده محمد المخلافي نائب رئيس المقاومة الشعبية في تعز، إبان مطاردة فلول الإمامة،و حصار السبعين. و اليوم كان الإصلاح في طليعة من أنكر انقلاب 21سبتمبر الكهنوتي، و أعلن موقفه مبكرا دون مواربة،أو تلعثم، أو تروّي ليساوم، أو تريث لمعرفة انتظار اتجاه الرياح ؛ ليحدد موقفه، و إنما كان مبادرا في رفض ذلك الانقلاب الكارثة الذي استهدف مكاسب تحققت، و كان من نتائج ذلك الانقلاب المشؤوم ما وصلت إليه البلاد اليوم من شقاء، و بؤس. لقد انحاز الإصلاح إلى الشعب ، انتصارا للحق و الهوية، و دعما للثورة و الجمهورية، و مقاوما في شتى الميادين لمشروع الكهنوت الحوثي. و لايزال الإصلاح في الميدان، شامخا ثابتا في وجه مليشيا الحوثي الإرهابية ؛ لأنه مشروع ضلال و هيمنة و استعلاء، يمارس ضلالاته و خرافاته بكل غباء و جبروت متكبر . و إلا ما مسوغ أن يتبنى إعادة عجلة التاريخ إلى الوراء؟! إن الإصلاح في موقفه هذا، و كل مواقفه يعمل تحت ضوء الشمس، حاضرا في كل ميدان ، و بسبب تميزه في هذا الحضور ، و تلك المواقف نَفِس عليه من نفس، و حقدت عليه المشاريع الصغيرة، فلزم مواقعه التي يمليها عليه الواجب في شتى جوانب الحياة ، لا يقيل و لا يستقيل ، فالمبادئ ليست محل مساومة، و ثبات المواقف ليست للأخذ و الرد. و من هنا؛ فإن اليمن أمام حدثٍ لتحول كبير؛ إما أن يصنعه الأحرار بالتفاف و وحدة و اتحاد، و إما أن يقفز به المتربصون و ذوي المشاريع التمزيقية،و المشروعات الصغيرة، و هي التي ستخسر الموقف، و ستخسر مشاريعها الضيقة، و ستكتشف أنها خدمت السلالة الكهنوتية بحماقة و غباء، و لات حين مندب أو ندم؛ فالندب للثكالى، و الندم للعاجزين. فإن يك الصف الجمهوري صفا حقيقيا ، لا شِعاريا ، و يكون فعلا عند مستوى المسؤولية فقد فاز في صناعة التحول المنشود ، و إن يك غاية طموحه : أنا و بعدي الطوفان، فسيكتسحه الطوفان، و بإذن الله سيكون طوفان الصف الجمهوري الصادق، و يومها يفرح المؤمنون بنصر الله. فليصطف أحرار الشعب اليمني كله للهدف الأسمى، ألا و هو : إسقاط انقلاب 21 سبتمبر النكبة، و استعادة الدولة، دولة الثورة اليمنية سبتمبر و أكتوبر.