تشهد محافظتا إبوذمار، منذ أسابيع، حملة اختطافات واسعة تنفذها مليشيا الحوثي ضد المواطنين، في مشهد يعكس استهتارها بحياة اليمنيين واستعراضًا للقوة على المدنيين العُزّل القاطنين في مناطق سيطرتها. ففي يوم واحد فقط، نفذت المليشيا حملة اختطافات في منطقة وصاب بمحافظة ذمار، طالت 80 شخصية اجتماعية وتربوية، بعد اقتحام منازلهم في ساعة مبكرة من صباح الثلاثاء 28 أكتوبر الجاري.
وفي محافظة إب، اختطفت مليشيا الحوثي أكثر من 100 شخص منذ مايو الماضي، بينهم معلمون ومحامون وأطباء ومهندسون، فيما تشير تقارير محلية إلى أن وتيرة الاعتقالات تشهد تصاعدًا خلال الأيام الأخيرة.
ويرى مراقبون أن هذه الاعتقالات تمثل رسالة استقواء على المجتمع، ومحاولة من المليشيا لتأكيد حضورها القسري في المحافظات الخاضعة لسيطرتها، بعد تنامي حالة التململ الشعبي وتزايد مؤشرات السخط جراء الانتهاكات اليومية وغياب مظاهر الدولة والقانون.
وسيلة ابتزاز
كشفت مصادر خاصة ل"الصحوة نت" أن مليشيا الحوثي تستخدم هذه الاعتقالات كوسيلة ابتزاز جماعي، إذ تربط الإفراج عن المختطفين بدفع مبالغ مالية كبيرة أو تقديم تعهدات بالولاء، في حين تُبقي العشرات في المعتقلات لأشهر طويلة دون تهم واضحة أو محاكمات قانونية.
ويرى محللون أن هذه الحملات تمثل محاولة حوثية للتخفيف من حدة الأزمة التي تواجهها المليشيا بعد تضييق قنوات التمويل الإيرانية واهتزاز بنيتها الاقتصادية، مؤكدين أن الاعتقالات أصبحت وسيلة لتعويض الفاقد المالي عبر إرهاب المجتمع وابتزاز الأهالي والمنظمات.
وفي هذا السياق، قال الناشط الحقوقي والمختطف السابق لدى مليشيا الحوثي، إبراهيم الجحدبي، إن المليشيا الإرهابية تستخدم الاعتقال كوسيلة لإرهاب المجتمع وإسكات الأصوات الحرة، سواء كانت سياسية أو اجتماعية أو حتى مهنية.
وأوضح الجحدبي، في تصريح خاص ل"الصحوة نت"، أن هذه الممارسات تُعد جريمة اختطاف قسري وجزءًا من سياسة ممنهجة لترسيخ الخوف والسيطرة عبر القمع، وتدل بوضوح على غياب مؤسسات الدولة والقضاء العادل في مناطق سيطرة الحوثيين.
ويربط ناشطون بين تصاعد الاعتقالات والصراعات الداخلية داخل صفوف المليشيا، إذ يسعى كل جناح لإثبات ولائه وقدرته على السيطرة الميدانية، وسط مؤشرات على تصدع في هرم القيادة نتيجة مصرع العشرات وتقلص المصالح المالية والنفوذ بين القيادات الحوثية.
صمت دولي
أثارت حملات القمع الحوثية موجة غضب واستنكار واسع بين الأهالي الذين يعيشون حالة من الخوف والقلق على أقاربهم المعتقلين، وسط غياب كامل لأي دور حقوقي أو قانوني يمكن أن ينصف الضحايا أو يخفف من معاناتهم.
وأكدت أسر ل"الصحوة نت" أن المليشيا ترفض الإفراج عن المعتقلين أو السماح بزيارتهم، فيما تتحدث مصادر حقوقية عن تعرض بعضهم للتعذيب وسوء المعاملة، وهو ما يعكس حجم الانتهاكات الإنسانية الجسيمة التي ترتكبها المليشيا دون رادع.
وأشار الناشط إبراهيم الجحدبي إلى أن غياب مؤسسات الدولة والقضاء العادل سمح بترسيخ هذه الانتهاكات، مؤكدًا أن صمت الأممالمتحدة والمجتمع الدولي بات "مقلقًا ومخيبًا للآمال"، وساهم في تطبيع الجرائم ومنح المليشيا شعورًا بالإفلات من العقاب.
وأضاف أن تجاهل هذه الممارسات جعل الضحايا يواجهون مصيرهم وحدهم وأضعف الثقة بمنظومة العدالة الدولية، داعيًا إلى التعامل مع هذه الانتهاكات كجرائم جسيمة تستدعي المساءلة، وتفعيل آليات المراقبة والمحاسبة لحماية المدنيين ووضع حد لهذه السياسات القمعية.
ويرى حقوقيون أن الصمت الأممي والدولي شجّع المليشيا على التمادي، مؤكدين أن ما يجري اليوم من حملات قمعية يُعد "جرائم ضد الإنسانية" يجب أن تُدرج ضمن ملفات المحاسبة الدولية، خاصة بعد تزايد وتيرة الاختطافات خلال الأشهر الأخيرة.
فشل داخلي
بررت المليشيا حملات الاختطاف باتهامات التجسس وإرسال إحداثيات مواقع قياداتها، وهي تهم اعتادت توجيهها ضد خصومها، لكن الوقائع الميدانية كشفت زيف تلك الادعاءات، خصوصًا أن الضربات التي تعرضت لها سابقًا طالت مواقع حوثية محصّنة من الداخل.
وفي هذا السياق، أوضح الكاتب والدبلوماسي اليمني الدكتور محمد جميح أن الحوثيين يدركون أن الاختراق حصل في قياداتهم العليا، لأن معلومات بحجم اجتماع قيادات رفيعة المستوى لا يمكن أن يعرفها إلا المدعوون إليه.
وقال جميح في تغريدة على منصة X: "ومع ذلك يستمر الحوثي في حملة الاعتقالات وتوجيه التهم لأصحاب باصات وأفران وموظفين بسطاء ليغطي على حقيقة وصول الاختراق الاستخباري إلى الهرم".
وأكد مغردون يمنيون أن استمرار الحوثيين في ترويج هذه التهم يعكس إفلاسهم الأمني ومحاولتهم التغطية على الفشل في حماية مواقعهم الحساسة عبر اختلاق ذرائع تبرر ممارساتهم القمعية، في وقتٍ تتزايد فيه مؤشرات الصراع الداخلي بين أجنحتهم المتناحرة.
سلوك ممنهج
يرى متابعون أن ما يجري اليوم هو امتداد لسلوك حوثي ممنهج منذ انقلابها على الدولة، يقوم على تغييب الأصوات، ومصادرة الحريات، وتحويل اليمنيين إلى رهائن في مناطق سيطرتها، في ظل غياب أي موقف حازم من المجتمع الدولي.
وأوضح الحقوقي إبراهيم الجحدبي أن ما يجري في ذماروإب ليس حوادث فردية أو ردود أفعال أمنية، بل هو سلوك ممنهج قائم على الإرهاب وتصفية الخصوم وإسكات النشطاء وترويع المواطنين، عبر منظومة قمعية تستهدف كل من يعبّر عن رأي مخالف أو يرفض الانخراط في أجندة المليشيا.
وأشار في تصريحه إلى أن الاحتجاز التعسفي دون أوامر قضائية، وحرمان المعتقلين من التواصل بأسرهم أو الحصول على محامين، ممارسات تدخل في نطاق الاختفاء القسري والاعتقال خارج القانون، وتشكل جريمة موصوفة بموجب القانون الدولي لا تسقط بالتقادم.
وتأتي هذه الحملات في الوقت الذي تعيش فيه المليشيا أزمة متفاقمة على المستويات السياسية والاقتصادية والعسكرية، ما دفعها إلى تصعيد القمع بحق السكان في محاولة لصرف الأنظار عن فشلها الداخلي وتعويض خسائرها المتراكمة.