عظيمة هي هذه الثورة.. وعظيم شبانها الذين أرووا بدمهم أرض سبأ وزرعوا فيه البن- من جديد- بعد أن أضناه القحط والبور والجفاف..! عام ونصف.. حصيلة الأيام والثواني الشداد التي عاشها أنبل وأجمل شبيبة عرفتهم بلادي.. عام ونصف يحيي قصة صمودهم الأسطوري في ساحات الشرف.. يقتاتون فيها المجد.. ويتشربون حلم الوطن الجديد الذي سلب منهم دهراً من الأزمان..! متمرسون هؤلاء الشباب على المعاناة، إلى حد أسطوري ليس له مثيل.. صمدوا أمام طلقات القناصة.. وصمدوا- أكثر- أمام الغزو الفكري "المنظم" الذي ما انفك يهدف لطعن خاصرة الثورة وإصابتها في مقتل اليأس والخلاف والانقسام والتشظي.. ألعن حرب، هي تلك الباردة التي تقدم على صدر جريدة ملغومة المغزى ومفخخة المعنى والمبنى..وألعن منها، حرب الشائعات التي تحاول النيل من الخصم مهما كلفها ذلك من سقوط في درك السفالة والانحطاط..! وهذا- بإيجاز- ما تعاني منه ثورتنا الفتية- على وجه أخص- في الفترة الحالية على الأقل.. يبدو أن النظام البائد قد أنهى دور القناصة والبلاطجة وعمد- هذه المرة- على استخدام أدوات جديدة للنيل من ثورة الشعب السلمية برمي آخر أوراقه من خلال حملات منظمة تنوعت في وسائلها ما بين الإعلامية والنفسية وتأجيج وخلق الصراعات داخل الساحات بواسطة المأجورين وحملة المباخر وسدنة الفتات، والهدف، صرف الثوار عن أهدافهم المنظورة وإشغالهم بالخلافات الجانبية باعتبارهم الرقيب الأول على مسار الثورة الذي بدأ يخطوا شيئاً فشيئاً وخصوصاً في ما يتصل بمطلبهم الرئيس المتمثل بهيكلة الجيش والأمن.. والمحاولة المستميتة لإصابة هذا المطلب- بالذات- في مقتل الخلافات المختلفة من قبل قوى أضحت معروفة للجميع.. ولعبت الآلة الإعلامية لبقايا النظام دوراً محورياً تمثل في بثها لسموم الإشاعات والأخبار المختلقة بهدف إشعال فتيل النزاعات بين المكونات الثورية داخل وخارج الساحات.. الإشاعات والأراجيف "المدروسة" لم تكن وليدة اليوم، بل ظلت تتوالى تترى منذ بزوغ فجر ثورة الشعب السلمية مطلع فبراير من العام الماضي.. والجميع لا زال يتذكر خطواتها منذ أن بدأت بالقول: إن التغيير مطلوب لكن ليس بهذه الطريقة "طريقة التخريب والخروج على ولي الأمر"!! ولم تقف الحملة المسلطة عند هذا الحد بل طالت- وبوقاحة لا تضاهى- حرائر الثورة، دشنت هذه الحملة الآسنة بتصريح المخلوع في السبعين. واستمر الطابور الخامس بمحاولات حثيثة ثني الشباب عن مواصلة زحفهم المرير نحو الحلم، تارة بالتشكيك في جدوى النتائج المرجوة من نضالهم السلمي، وتارة أخرى بالقول الممجوج: سرقوها الأحزاب!! في محاولة مستميتة لتكوين رأي عام يوحي باستغلالهم وانتهازهم جهد شباب الثور.. ورغم ذلك.. فإن محاولات بقايا الفلول وأصحاب الدفع المسبق، كبح العنفوان الثوري المتنامي باءت بفشل ذريع غير أنهم استطاعوا أن "يستخدموا" ممن كانوا يحسبون- ذات يوم- على صف الثورة سواء بطريقة مباشرة أو بغيرها، وسهل استخدامهم، أما لأنهم لم يجدوا في الثورة مغنماً، أو لأنهم من أنصار القول المأثور: "معاهم معاهم.. عليهم عليهم"!! فراحوا يقدحون في الثورة ويلعنون سنسفيل يومها.. وحصد المشترك على النصيب الأوفر من حملة تصفية الحساب تحت يافطة سرقته للثورة، وحاز حزب الإصلاح على نصيب الأغلبية من النقد اللاذع والشتم القاذع.. ينتقدون الإصلاح لا لشيء.. ولكن لأنه مكون ثوري "مؤثر".. لم نعرف من المنتقدين سوى التنظير وسرد الأماني دون تحريك راكد أو تسخين بارد، فقط نقد وشتم وتنظيم وحملات منظمة وهم على متك الراحة والدعة.. ينتقدون الإصلاح بسخاء مقيت زاعمين سيطرته على الساحة والمنصة، لكنهم خرسوا ولم يستطيعوا الإجابة على تساؤلنا إن كان زعمهم صحيحاً: هل قيل في المنصة ما يتنافى أو يتصادم مع الثورة وأهدافها ومبادئها وسلميتها؟!؟! هل خطب بخطاب يشكك في الثورة أو يدعو للانقسام أو الولاء لفئة معينة؟!؟! هل هتف بشعار أو تغنى بقصيدة أو أغنية لا تتغنى بالثورة وشبابها الأفذاذ؟!؟! مشكلة الإصلاح أن له خصوم لا يتمتعون بأخلاق الفرسان، رغم أنهم يعرفون- وهنا المصيبة- أن قواعده وأنصاره هي من حمت الساحات ووزعت الغذاء والدواء بالتعاون مع أهل الخير وأنصار الثورة وتناسوا- أيضاً- أن قواعده وأنصاره وقياداته تتقدم مسيرات الموت الزؤوم.. حريٌّ بهؤلاء- إن كانوا صادقين- تصويب أقلامهم نحو فلول النظام والحشد لمواجهة تمردهم بدلاً من تسليطها على قوى الثورة.. معيب أن يساوم الإعلامي على مبدأه، وعيب أكبر، أن يعرض قلمه في مزاد الدفع.. وكل شيء بحسابه وفي النهاية يباع في أسوأ مزاد..