للمرة الثانية, عاود بلاطجة المخلوع صالح اعتدائهم الهمجي على وزارة الداخلية بصنعاء. وفي الهجوم الأخير (الثلاثاء 31 يوليو) الذي نفذه بلاطجة محسوبون على قائد النجدة السابق الذي أقيل من منصبه في مايو الماضي, سقط ثمانية قتلى وأكثر من (40) جريحاً, والعدد ربما مرشح للزيادة. وتم نهب محتويات الوزارة وتفيدها كغنائم, ومن بينها أسلحة وذخائر. وبطبيعة الحال, لا يمكن لقائد النجدة المقال, أو لغيره من البلاطجة المحسوبون على زعيم البلاطجة الأكبر أن يتصرفوا من طوع أنفسهم, أو دون أن يتلقوا توجيهات مباشرة من زعيم البلاطجة في اليمن. في الهجوم الأول على الوزارة, والذي وقع الأحد 29 يوليو المنصرم, وأدى إلى محاصرة مسئولي الوزارة في مكاتبهم, بررت وسائل إعلام المؤتمر الأمر على أنه احتجاجات مطلبية من قبل أفراد شرطة النجدة للمطالبة بصرف مستحقات مالية لهم كانت قيادة الوزارة وعدت بصرفها مع مرتب شهر يوليو من هذا العام. لكن الأمر لا يبدو كذلك, والأرجح أن ثمة رسائل مقصودة من وراء ما حدث, فالحقوق المطلبية مهما بلغت لا تسوغ كل هذا القتل غير المبرر, كما أنها لا تُعطي الحق أياً كان أن يستهين بأرواح الناس إلى هذا الحد, فيقتل ويجرح وينهب, ويعتدي على الآخرين ويدوس القانون, ولا يكترث لأحد. هذه ليست احتجاجات مشروعة, وليست ثورة مؤسسات كما عرفناها من سابق بطابعها السلمي الحضاري, بل هي أعمال بلطجة وإجرام تندرج تحت طائلة القانون. لكن ما يدعوا للدهشة, أن وزارة الداخلية نفت عبر مصدر مسئول بالوزارة صحة ما أسمته بالأنباء المغرضة التي نشرتها بعض المواقع الإخبارية وادعت فيها تعرض مبنى وزارة الداخلية في حي الحصبة للاقتحام يوم الأحد من قبل مجموعة من أفراد شرطة النجدة. ونقلت وكالة الأنباء اليمنية " سبأ" عن المصدر قوله: "إن الانتشار الذي قام به بعض أفراد النجدة حول مبنى الوزارة إنما هو تجمع للمطالبة بإقالة عناصر فاسدة!!". إذاً وطبقاً لمصدر الداخلية فما حدث (الأحد) هو مجرد انتشار في محيط الوزارة وليس اعتداء عليها وانتهاك لحرمتها وسيادتها! ويبدو أن وزارة الداخلية أرادت أن تعطي انطباعاً مغايراً لحقيقة ما جرى, فصورت الأمر وكأنه يندرج في إطار المطالب المشروعة, وذلك لتخفيف وقع الحادث على الرأي العام الذي ستأخذه الدهشة مما حصل! إذ كيف لوزارة سيادية كالداخلية, معنية أساساً بحفظ الأمن وتوفيره في كل ربوع الوطن, أن تخفق في حفظ أمنها؟ لكن ماذا ستقول الوزارة هذه المرة وقد سقط قتلى وجرحى في الاعتداء الثاني عليها؟ هل المطالبة بإقالة عناصر فاسدة يستدعي سقوط كل هذا العدد من القتلى والجرحى؟ ولماذا يتم نهب الوزارة وتفيدها كغنيمة؟ أليس هذا هو الفساد بعينه؟ وبعد ذلك هل يصح القول أن أعمال البلطجة هذه, والاعتداءات الهمجية على الوزارة ومسئوليها كانت للمطالبة بإقالة فاسدين؟ ألم يكن الأولى شرح الواقع كما هو, وكشف الحقائق للناس ووضع الرأي العام على حقيقة ما جرى بعيداً عن الحسابات السياسية؟ العجيب أن تبادر الداخلية لتقديم مبررات الاعتداء عليها وتغطية الحادث, في الوقت الذي كان يُفترض بها أن تسارع لكشف حقيقة ما جرى, وفضح من يقف وراءه, وإطلاع الرأي العام والمجتمع الدولي ورعاة المبادرة على هذه الانتهاكات الممنهجة التي تمارس من قبل أجنحة النظام السابق ومعسكر المخلوع صالح!! منذ البداية, ومن أول اعتداء, كان ينبغي الوقوف بحزم إزاء أعمال البلطجة هذه, وتصعيد الموقف سياسياً ضد المخلوع وعصابته, واستثمار ماحدث لحشد مزيد من الضغوط الدولية ضده. لكن- للأسف- تكبلنا حساباتنا السياسية في كل مرة تلوح فرصة لتحجيم الطرف الآخر وحشره في الزاوية الضيقة. لهذا يتمادى البلاطجة ويعيثون في الأرض فساداً, ولهذا أيضاً تراهم لا يُعيرون أحداً اهتماماً, ولا يكترثون بنتائج ما يفعلونه. لم يكتف بلاطجة المخلوع صالح بما فعلوه في وزارة الداخلية, فقاموا كذلك بمحاصرة وزارة المالية في نفس اليوم (الأحد) وإثارة الشغب في محيطها, فهم لم يجدوا رادعاً من خلق أو دولة قانون تردعهم. الفراغ الأمني وغياب هيبة الدولة, وعدم استكمال نقل السلطة, وتنازعها من أكثر من جهة, وأتباع سياسة اللين والمهادنة بذريعة إنجاح المبادرة والتسوية السياسية كما يقال دائماً, جرّأ هؤلاء البلاطجة, مثلما جّرأ زعيمهم على انتزاع لواء كامل من ألوية الحرس الجمهوري (اللواء الأول) ليفرغ لحراسته وحمايته, وعلى نفقة الدولة التي تكفلت من قبل بعلاجه!! ومثلما تجرأ من قبل على مصادرة 47 مليار ريال من حسابات وزارة الدفاع, و (227) مليون دولار من وزارة النفط, في العام 2011م, بالإضافة إلى تصفيره ميزانية الدولة قبل تشكيل حكومة الوفاق, ثم التفاته بعدها إلى أنبوب النفط لتدميره, وتحطيم أبراج الكهرباء, وإذكائه بؤر التوتر شمالاً وجنوباً, حتى وجدنا القاعدة تضرب في عمق العاصمة صنعاء, لنكتشف بعدها خلايا تجسس إيرانية ضاربة الجذور في زوايا اليمن. فكيف تجرأ رجل مخلوع على كل ذلك؟! وطبقاً لبيان المجلس الوطني لقوى الثورة, فإن الرئيس المخلوع وأفراد أسرته "الذين يرفضون الاستجابة لمتطلبات هذه المرحلة حصلوا على فرصة لم يحصل عليها طغاة ودكتاتوريون في المنطقة مروا بالظروف نفسها وانتهى بهم الأمر إلى الهروب أو السجن أو القبر، بينما مازال هؤلاء يستندون على كثير من المقومات المنهوبة من أموال الشعب ليربكوا هذه المرحلة ويعطلونها، تراودهم أحلام العودة إلى ما قبل عام الربيع اليمني وثورته الشبابية الشعبية السلمية". وهذا صحيح بكل تأكيد, لكن السؤال الأهم, من الذي منحهم تلك الفرصة؟ ولماذا منحها لهم؟ ومرة أخرى, طالب المجلس الوطني بالوقوف بحزم أمام من يسعى للتعطيل وإرباك المرحلة الانتقالية التي تمر بها البلاد، وفي مقدمتهم الرئيس السابق وأفراد أسرته الذين يرفضون الاستجابة لمتطلبات المرحلة، داعياً رعاة المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية لتعزيز عملية التسوية السياسية والوفاق الوطني، والاستمرار في مراقبة إنفاذ استحقاقات هذه المرحلة والوقوف بحزم ضد الطرف المعطل لعملية التغيير. لكن أين هي الأطراف الراعية للمبادرة مما يفعله صالح وعائلته؟ وقبل ذلك كله ما دور المجلس الوطني نفسه وشباب الثورة تجاه هذا الاستخفاف الذي يمارسه المخلوع وعصابته بالحكومة ووزرائها ومؤسساتها, بل وبالتسوية السياسية والمبادرة ذاتها؟ ألم يحن الوقت بعد أن تقف كل الأطراف المعنية في الداخل والخارج وقفة جادة إزاء ما يحدث؟ [email protected]