من عجائب قدرة الله علينا -نحن اليمنيين- أن الحكومة التي باعت المتر الغاز بثلاثة دولارات هي ذاتها الحكومة التي رفعت سعر الدبة الغاز إلى ألف ومائة ريال، وهي ذاتها التي تنوي رفع سعر الكيلو الكهرباء ليصبح بسعر الكيلو اللحمة البلدي. المدهش في الأمر فعلا هو إجراءات الإنقاذ الاقتصادي إن كان هناك إنقاذ أصلا، تهدف إلى إغراق المواطن لا إنقاذه، فالأسعار ارتفعت من قبل ضريبة المبيعات والأسعار سترتفع من بعدها، والحكومة رابحة والتجّار رابحون والمواطن هو الخاسر الوحيد في كل الإجراءات، فالضريبة تتحوّل إلى ضربة على رأسه. لم نسمع مثلا أن مسؤولا حكوميا أو تاجرا ثريا جُنّ من الغلاء، لكننا نشاهد يوميا على أرصفة الشوارع عشرات المجانين من المواطنين يمشون حُفاة عراة –يا رب كما خلقتني- ويتزايد أعدادهم يوما بعد يوم مع ضيق المعيشة وارتفاع نسبة الفقر وتضخّم النمو السكاني، ما يعني أن الخطة الخمسية الحكومية القادمة ينبغي أن تركِّز على استيعاب الأعداد المتزايدة من المجانين -لا أقول الشباب العاطلين- من خلال توفير المزيد من السيارات الصفراء والملايات البيضاء والعنابر وجلسات الكهرباء، وهذه الأخيرة بالذات أشك في القدرة على توفيرها على اعتبار أن رطل الكهرباء سيصبح بقوله، وإذا كان العاقلون لا يجدون من الكهرباء ما يكفي لنتف الشنّب بعد القات فأنّى للمجانين أن يحصلوا عليها إلا إذا كُنّا سنعالجهم بالشموع. المؤكد أن الأمر إذا استمر على ما هو عليه، ولم نتدارك التردي الاقتصادي الحاصل، فإننا سنحتاج إلى وزارة جديدة نسميها "وزارة الصحة النفسية" من مهامها: صيانة الفيوزات الحارقة للمواطنين بعد كل جُرعة، وتعمل على رفع الدّعم المعنوي للناس بعد كل عملية رفع دعم حكومية. على أننا سنحتفل باليوم العالمي للمجانين، تحت شعار "في كل بيت مجنون" على أنغام أوبريت "مجنون الذر". ويظل السؤال الذي يجنن المجنون: كيف تم بيع المتر الغاز بثلاثة دولارات، إذا كانت أقلّ شركة في العالم تبيعه ب12 دولارا في أغلب أحوالها، عاد شي معاكم عقول؟!!