انتهت بطولة كأس العام في جنوب إفريقيا وغادر الرياضيون والمشجعون إلى بلدانهم.. وحان الوقت لكي ينصرف الكاسبون الحقيقيون لإحصاء مكاسبهم المالية.. لكن يهمنا هنا الحديث عن خرافة أو شبه خرافة اسمها: الروح الرياضية.. أو ما يمكن أن يطلق عليها روح التسامح التي تصنعها الرياضة! وأما أن الروح الرياضية أشبه بالخرافة فلأن هناك وقائع كثيرة تؤكد أن (الرياضة) –رغم سمو مفاهيمها- لا تصنع روحاً رياضية كما يروج لها.. ولا يجوز أن (نجيّر) أي تصرف لطيف من لاعب تعرض للضرب أو الرفض أو استقبل هزيمة فريقه بهدوء وذهب لمصافحة خصمه المنتصر.. لا يجوز أن نصف ذلك بأنه روح رياضية ناتجة عن ممارسة الرياضة! فحتى في الأسواق والشوارع المزدحمة سوف نجد تصرفات لطيفة.. وستجد من يعتذر إن عرقلك دون قصد.. لكن ليس معنى ذلك أن التجارة والتنافس على المال أنتج روحاً تجارية.. ففي الأخير فإن كل إناء بالذي فيه ينضح.. وفي رواية يمنية: (كل إناء بالذي فيه ينطح)!
وقائع كثيرة لاتعد ولا تحصى تؤكد أن (الروح الرياضية) خرافة.. ولا يوجد ولا يحدث أبداً في سوق بيع المواشي والثيران أن التنافس بين البائعين أثناء محاولة بيع معزة أو طلي أو رضيع يصل إلى درجة الرفس والدعس والدكم والعرقلة بالأرجل والأيدي كما يحدث في مباريات كرة القدم.. حديثنا عن هذه اللعبة بالذات لأنها أكثر لعبة يحتك فيها اللاعبون ببعضهم بعضاً.. ومثلها ألعاب أخرى لا تخلو من التعبير عن (الروح الرياضية) بالوسائل المذكورة سابقاً بل وأسوأ منها لكنها تكون قانونية! وقد رأى الملايين ماذا حدث في بطولة جنوب أفريقيا؛ عندما كان لاعبون يتعمدون الإضرار بخصومهم علناً أمام الحكم وكاميرات التصوير دون حياء أو روح رياضية.. بل على العكس كان تبلغ بهم الروح الرياضية إلى درجة التظاهر بالبراءة ورفع الأيدي إلى السماء وكأن شيئاً لم يحدث، وكأنهم لم يغرزوا أحذيتهم في أجسام زملائهم! (وقالك: روح رياضية)!
أسوأ الأمثلة على الروح الرياضية في كأس العالم تحققت في المجموعة التي ضمت البرازيل والبرتغال وكوريا الشمالية وكوت ديفوار.. فقد رفض لاعبون كبار مثل (كاكا) البرازيلي و(كرايستيانو) البرتغالي و(دروجبا) الديفواري أن يتبادلوا القمصان مع لاعبي منتخب كوريا الشمالية! وهو تصرف غريب من لاعبين نجوم يفترض أنهم يعانون من تضخم في الروح الرياضية.. ولا نظن أن لهم موقفاً سياسياً ضد البرنامج النووي الكوري؛ ففي الغالب لا يفهم الرياضيون في السياسة إلا كما يفهم الفنانون في الفيزياء! وقالك: روح رياضية!
في الستينيات أو السبعينيات؛ اندلعت حرب حقيقية بين بلدين في أمريكا اللاتينية بسبب مباراة قدم بين منتخبيهما، ومصر والجزائر كادت علاقتهما التاريخية تذهب في داهية قبل شهور بسبب مباراتي التأهل إلى كأس العالم اللتين شهدتاً حماساً في الإيذاء والإسفاف لو تعرضت (إسرائيل) لهما منذ تأسيسها لما كانت قد أصبحت الدولة العظمى الوحيدة في المنطقة العربية! وربما لاحظ الذين يتابعون مباريات دورات كأس الخليج؛ كيف تتحول الفعالية إلى مناسبة لتأجيج المشاعر القطرية بطريقة فجة؛ وكأن قمة العزة والكرامة أن ينتصر البحريني على الإماراتي والسعودي على العماني والقطري على الإماراتي. وقالك: روح رياضية!
عندما انهزمت البرازيل في كأس العالم الأخيرة توفي خمسة مشجعين نتيجة ذلك.. والغريب أن المشجعين المتوفين ليسوا برازيليين بل كانوا من هندوراس! (وقالك: روح رياضية).
وبعيداً عن الملاعب.. فالبطولات العالمية صارت مناسبة لاجتماع النصابين واللصوص من كل مكان لتجريب حظوظهم مع الروح الرياضية.. فلم تبدأ البطولة حتى كان عدد من الصحفيين الصينيين يتعرضون للسرقة.. وتسلل لصوص إلى غرف لاعبي المنتخب الإنجليزي وسرقوا ما خف حمله من.. الروح الرياضية! حتى (كأس العالم الذهبية) لم تشذ عن الروح الرياضية وسرقت سبع نسخ مقلدة منها من داخل مكاتب (الفيفا)! وللتذكير فإن ذلك ليس جديداً فقد سبق أن سرقت (كأس العالم) الأصلية في بريطانيا في بطولة 1966م.. وعثرت عليها الكلاب البوليسية بعد جهود جبارة بذلت لإنقاذ: الروح الرياضية! ولمواجهة تداعيات الروح الرياضية فقد خصصت (جنوب إفريقيا) 56 محكمة خاصة بكأس العالم للتعامل السريع مع قضايا المشجعين وأرواحهم الرياضية! وهذه خطوة جبارة بالنسبة لنا كيمنيين؛ ففي بلادنا يعتبر إنشاء محكمة ابتدائية واحدة إنجازاً تنشر أخباره في الصفحات الأولى!
ربما سمع كثيرون عن الأخطبوط (بول) في ألمانيا الذي يضع أصحابه علمي الفريقين المتباريين في علبتين فيهما طعام في حوض ثم يرسلون (بول) داخله.. العلبة التي يختارها أو يضع أذرعه المباركة عليها يكون الفريق صاحب العلم هو الذي سيفوز في المباراة! وقد صدقت تنبؤات (بول) وفازت ألمانيا على إنجلترا والأرجنتين.. فارتفعت أسهم (بول) وانتعشت مبيعات لحوم الأخطبوطات وهتف الألمان: (هايل.. بول)! حتى إذا جاءت مباراة (ألمانيا مع أسبانيا) هي التي ستفوز.. وصدقت نبوءته وفازت أسبانيا قرر (بول) بنزاهة تحسده عليه اللجنة العليا للانتخابات في اليمن؛ أن أسبانيا هي التي ستفوز وصدقت نبوءاته.. وفازت أسبانيا.. لكن الروح الرياضية الألمانية دفعت بالبعض إلى التهجم على (بول) والمطالبة بطباخته أو قليه أو بإرساله إلى اليابان لتحويله إلى طبق شهي يأكله اليابانيون! روح رياضية فالصو.. يعنى حتى لم يرضوا أن يأكلوه وتبرعوا به.. لليابانيين!
الشهادة لله.. أن الروح الرياضية متوفرة في الجمهور اليمني.. أو هكذا اقتنعت؛ بعد أن رأيت بعيني وسمعت بأذني ماحدث في إحدى الخيم الرياضية التي انتشرت في صنعاء في الأسابيع الماضية! كانت المباراة بين فرنسا والمكسيك.. والخيمة ممتلئة بالمشاهدين.. والأنظار معلقة بالشاشات.. ولم يكن هناك مايدل على هوية مشجعي فرنسا أو المكسيك! لكن مجريات المباراة كشفت بسرعة الفريق الذي يشجعه المشاهدون. فالجمهور الصغير كان يؤيد ويشجع ويتألم ويصرخ متفجعاً أو سعيداً بكل هدف يدخل هناك أو هناك وكل هدف يضيع هنا أو هناك.. لا فرق بين فرنسي أو مكسيكي.. المهم: القات مايروحش سدى!
الأمنية.. المقلوبة!
في ذروة سنوات تألقه كان الشيخ الراحل عبدالحميد كشك كثيراً ما ينتقد مايصل إلى سمعه عما يحدث في السينما المصرية.. ولأن أشهر خطيب عربي في القرن العشرين كان يمتلك حساً ساخراً فقد كان يربط بين تدهور الأوضاع في الوطن العربي وبين مايجري في السينما المصرية، وهو صاحب العبارة الساخرة (الأمة منذ سنين تبحث عن إمام عادل.. ولكنها للأسف لا تجد أمامها إلا.. عادل إمام!). رحمه الله.. كان كفيفاً لكنه كان يرى بنور الله ويعرف حقيقة أمثال عادل إمام!
قريباً.. على الشاشة!
على ذكر السينما.. يقال إن الإمام أحمد تلقى عرضاً من أحد المستثمرين الأجانب لفتح دار للسينما في اليمن! وفي تلك الأيام – في الخمسينيات- كان الإمام أحمد يحاول أن يبدو بصورة المنفتح على العالم بعد الجرائم التي ارتكبها.. وقد أراد أن يتخلص من فكرة السينما بأسلوب ماكر يدل على دهائه.. ولذلك استدعى المستثمر وأعلن له موافقته على مشروع السينما.. وقبل أن يتنفس الرجل الصعداء فاجأه بأن لديه ثلاثة شروط أساسية لا تنازل عن أي منها: واستمع المستثمر للشروط: أولاً: (يمنع عرض أي شيء يمس الدين الإسلامي)! (سارع المستثمر إلى الموافقة مؤكداً أن ذلك من الثوابت!) ثانياً: يمنع عرض صور النساء! (وافق المستثمر على مضض لصعوبة الأمر!) ثالثاً: (أن يكون دخول دار السينما.. مجاناً)!
شاهد.. يعرف كل حاجة!
في إحدى الحكايات الشعبية أن زوجة خطيب جامع سمعته في خطبة الجمعة وهو يحض المصلين على الصدقة فسارعت وتصدقت بأشياء من منزلها، فلما عاد وأخبرته بما صنعت تنفيذاً لموعظته لامها بشدة لأن الكلام كان موجهاً للمصلين وليس لأهل بيته! قد تكون هذه حكاية رمزية.. لكن الواقع أكبر من الرمز والخيال.. فهاهو الكوميديان (عادم إمام) يعيد تمثيل هذه الحكاية.. ولكن بدون ضحكات ولا قفشات! والذي حدث أن (عادل إمام) أثار مؤخراً ضجة كبيرة في مصر عندما أعلن أنه يرفض السماح لابنته بمزاولة مهنة التمثيل.. وبرر موقفه بأنه رجل (حمش) وملتزم بالتقاليد والعادات الشعبية.. أو كما قال (ماعندناش ستات تشتغل في الفن)! المثير للقرف في كلام (إمام) أنه كان شديداً إلى درجة الإسفاف في النيل من الممثلات المصريات اللائي لبسن الحجاب خلال العشرين سنة الماضية.. وكان أكثر ما يستفزه أن يسمع ممثلة محجبة تصف الفن –أي التمثيل- بأنه حرام! وعلى قاعدة (من عيّر أخاه يرضع لبن كلبة.. لا يموت حتى يرضع منها) فهاهو (الزعيم) يرضع من لبن الكلاب.. فالفن عنده عيب وعورة لا يجوز لابنته أن تشتغل فيه! لماذا ياسيدنا الشيخ؟ قال الحمش: (أصلي خايف على ابنتي من القبلات! وهل سأكون سعيداً عندما أشاهد ممثلاً يقبل ابنتي ثم أقول لها بعد المشهد: (الله.. البوسة حلوة). وضرب للأمة مثلاً ونسي نفسه.. فهو مشهور بأنه يمطر الممثلات اللائي يعملن معه بالقبلات.. ووصف (المطر) ليس مبالغة أو اتهام من المتطرفين.. بل هو حكم أصدره (طارق الشناوي) أشهر ناقد سينمائي مصري.. وأكثرهم انتقاداً لأفلام عادل إمام! إذن.. الحكاية أن الزعيم يبيح لنفسه أن يستهين بحرمات بنات الناس.. ويغلف ذلك بشعارات الفن والإبداع.. والهجوم على الرجعيين والظلاميين! لكن عندما وصل (الفن والإبداع) إلى عرضه وبيته تذكر أن له ثقافة ترفض ذلك.. وتذكر أنه من الحلمية الحي المصري القديم! وربما تذكر أن الذي يحدث في السينما –وهو الزعيم فيها- ليس له علاقة بالفن والإبداع.. وأن ما يحدث هو إسفاف ووساخة ينتهزها مرضى القلوب والنفوس للعبث بأعراض الناس.. ولا ينبئك مثل خبير! للعلم، عادل إمام لديه ابن يعمل في التمثيل.. ولم يتعرض للمنع مثل شقيقته)
بيت من الشعر إذا ما أراد الله إهلاك نملة سمت بجناحيها إلى الطيران