وَأسْبَابَها!! ثُمَّ: الدِيمُقرَاطِية.. مَفَاهِيمَهَا.. وَمَدَى تَوَافُقَهَا مَعَ الإسْلام!* -حينما يتطلع أحدنا إلى خريطة الوطن العربي اليوم وهي تتضمن مواقع ل: اثنتان وعشرون دولة لا يجمع بينها عدا الأرومة وهذه الخريطة وهما لوحدهما أساسٌ لأن يجعل منها كتلة واحدة وكيانٌ مترابط!! ثم يتمعن جيداً بجوهر الخريطة.. ويلاحظ عليها بحاراً وأنهاراً وبحيرات.. صحاري وقفار وأودية وجزر.. مواقع لحضارات انسانية مدهشة ومتنوعة.. ويتذكر أن هذه الأرض هي مهد الحضاراتالتي نزحت منها البشرية إلى سائر أرجاء المعمورة وعلى ترابها نشأت أقدم السلالات والأجناس وأولى التجمعات المدنية.. ثم..يقارن واقعه المؤلم رغم ما يُشاهد.. بشعوب ومواقع دول أخرى.. فإنه حتماً سيصاب بحسرة وخيبة أمل.. ويزداد حسرة وألماً حينما يعرف جيداً عوامل التوحد الجامعة بين هذه الدول العربية وشعوبها.. ومن عدة وجوه:- - دينياً:حيث تعتبر بلاد العرب موطن الديانات السماوية والأنبياء والرسل ومهبط الوحي والتنزيل ومركز الإشعاع الروحي والثقافي.. وأكثر من 90% من الشعوب العربية تدين بالإسلام وما بقي يدينون بإحدى الديانتين السماويتين أو بهما معاً.. واللتين مهدتا للإسلام وختمتا برسالته الشمولية الجامعة.. ويسود الجميع تعايش وتسامح نادرين.. - لغوياً:فكل أبناء الدول العربية يتحدثون لغة واحدة هي لغة القرآن الكريم.. وعلى الأرض العربية نشأت الأبجدية وعُرفت حروف الكلمة.. - جغرافياً: فمواقع ال الاثنتان والعشرون دولة بخريطة العالم العربي هي بمثابة موقع واحد.. فلا وجود لحواجز طبيعية عدا الحدود المصطنعة والتي هي متداخلة مع بعضها بعضاً!..وهي بمثابة قلب العالم ومجمع قارات المعمورة بموقعها الوسط "بين آسيا وأوروبا وأفريقيا" وبحكم هذا الموقع الهام.. يمكن للعرب التحكم بأهم المواقع الاستراتيجية والمضائق الهامة التي تربط بين الشرق والغرب!.. بجانب إطلال موقع الوطن العربي على البحرين "الأحمر والأبيض المتوسط".. والخليج العربي والمحيط الهندي.. بل إن مشيئة الله جعلت موقع الوطن العربي بعيداً عن مواطن الزلازل والبراكين إلا ما ندر! وحينما يشاء الله!!.. - تاريخياً:فالأرض العربية تضم قبلة المسلمين عامة.. بجانب تواجد أهم وأقدس المساجد ودور العبادة فيها.. وهي بمثابة الموطن الأول للحضارات الإنسانية العريقة.. ومن جزيرة العرب انطلقت قوافل النور والهداية تجوب العالم لنشر الإسلام.. وتغذي البشرية كلها عبر السلوك الفعلي بالدرجة الأولى.. بأخلاق وسمو وقيم الإسلام وعطاؤه الخالد.. ولتضيء بمشاعل الحكمة رواد العلم والمتطلعون إلى المعرفة.. حينما كانت أوروبا لا تزال تغط بسباتٍ عميق.. وساعد على النجاح النادر الذي حققه الفاتحون ارتباط قيم وتعاليم الإسلام بالصفات العربية الحميدة.. كالشهامة والشجاعة والإيثار والسمو.. ليمتزج ذلك كله بنفوس أولئك الرواد.. ولتأتي النتيجة ممثلة بفتح الأمصار وتأسيس العمران.. ونشر قيم التسامح والأخلاق العالية بين بني الإنسان.. إضافة إلى الابتكارات والاختراعات العلمية التي عُرف بها العرب قبل غيرهم.. - اجتماعياً:فكل أبناء الوطن العربي تجمعهم عادات وتقاليد متقاربة إن لم تكن موحدة.. ويُعتبرون من أنشط الشعوب والأمم الأخرى.. خاصة حينما يجدون القدوة.. وتتاح لهم الفرص المساعدة.. كما هو حال بعض كبار العلماء والمبدعين العرب المتواجدون اليوم بالولاياتالمتحدة الأميركية وأوروبا وغيرهما.. والذين حققوا نجاحات مشهودة.. كما حققها أجدادهم حينما وجدوا القدوة الحسنة خاصة لدى حكامهم وفهموا الاسلام كما يجب.. كونه دينٌ يقوم على العلم ويحث على التدبر ويحظ على التفكير ويدعو إلى حرية القول وإتقان العمل وينادي باحترام الحقوق والقيام بالواجبات في اطار الثوابت.. - اقتصادياً:فقد حبى الله العرب بأرض خصبة صالحة لزراعة مختلف المنتجات الزراعية.. ومنّ عليهم بينابيع وأنهار تجري بماء فرات مع سقوط الأمطار الموسمية.. إضافة إلى وجود ثروات ومعادن عديدة نادرة وثمينة بباطن الأرض العربية، ومواد خام وذهب أحمر.. وأسود ممثلاً بالبترول والغاز.. مما يساعد على قيام صناعة تقنية وتكنولوجيا حديثة.. إضافة إلى مقومات سياحية.. لأن السياحة بقدر ما تُعد رافداً من روافد تنوع مصادر الدخل فإنها تعد أيضاً بمثابة شواهد لنجاح العقل العربي واستكشاف لماضي العرب التليد بكل محاسنه.. مع تنوع استثنائي.. حيثُ تَواجُد المزارات الدينية والروحية والتاريخية ببعض الدول العربية.. وتواجد آثار الحضارات الإنسانية المدهشة حساً ومعنى بالبعض الآخر واعتدال الطقس صيفاً وشتاءً بالبعض الثالث.. - إنني كيمني.. وأنا أقرأ وأتابع محاضرة-بمنتدى 11 فبراير للفكر والثقافة يوم 19/11/2012م (بصنعاء)عن (الثروات المعدنية في اليمن) ومدى تنوع حجم تلك الثروة!.. في الوقت الذي لا يزال اليمن يحتل الصدارة بارتفاع نسبة الفقر بين مواطنيه!!.. وهو ما يتكرر في غير ما دولة عربية؟!!.. - أجل.. يزداد أحدنا حسرة وألماً للفرقة والشتات بين الدول العربية رغم تلك العوامل المُوَحِدة.. ووجود وسائل القوة والغنى والنفوذ.. ورغم ذلك فإن بعضها إن لم يكن معظمها باتت شعوبها تنشد أبسط الضروريات الممكنة!!.. وهو ما يدفعنا جميعاً إلى التساؤل المرير والملح.. ولو مع الذات.. عن أهم أسباب هذا الواقع المزري الذي نعيشه اليوم كعرب؟!.. - بينما هناك دول وشعوب أخرى تتابين فيما بينها دينياً ولغوياً وسياسياً واقتصادياً! وبعضها ظلت تعيش في حروب ضد بعضها البعض لتصبح اليوم كتلة موحدة.. خاصة في الجوانب الاقتصادية!.. وحينما بدأت رياح التغيير تهب علىمختلف دول العالم عقب انهيار الكتلة الشرقية وعلى رأسها ما كان يسمى ب (الاتحاد السوفيتي) سابقاً وانتهاء الحرب الباردة.. وباتت دول أوروبا الشرقية التي ظلت عقوداً تحت هيمنة أنظمة شمولية.. جزءً فاعلاً من القارة الأوروبية.. كما تعالت الصيحات والدعوات المُنادية بضرورة نشر الديمقراطية والتعددية السياسية تباعاً لذلك.. بجانب قيام توجهات اقتصادية وتكنولوجيه تقوم على ما بات يُعرف ب (العولمة).. أقول: مع بداية رياح التغيير تلك.. التي أثرت إيجابياً على مختلف شعوب ودول العالم.. بما فيها دول وشعوب إفريقية وإسلامية.. إلا أن العالم العربي ظل نائماً كعادته.. رغم بعض التطور الذي أقتصر على الجوانب المادية- الاستهلاكية- بينما الجوانبالأخرى خاصةً المتصلة بحرية الإنسان وبأنظمة الحكم ظلت راكدة.. بل ازدادت ممارسة الاستبداد.. وتضاعف التفرق والتشتت بين ما يسمى بدول الجامعة العربية.. ليكون نتيجة ذلك احتلال اكبر وأهم دولة عربية!!.. وفي بداية القرن الحادي والعشرين الذي بات الاحتلال فيه جزءٌ من الماضي البغيض!!.. - هذا الواقع المُزري والمؤلم للعالم العربي دولاً وشعوباً.. هو الذي يدفع بالمواطن العربي أن يعيد التساؤل بمرارة وبصورة مستمرة عن أهم الأسباب التي هي وراء ذلك!!.. لكنه لا يرغب بسماع نفس الأسباب المطروحة منذ منتصف القرن المنصرم وحتى نهاية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين والمتمثلة في بعض المشاكل الحدودية بين بعض الدول العربية.. وزرع دويلة إسرائيل في قلب الوطن العربي والإسلامي وحرص بعض الدول الغربية على بقاء بعض الأنظمة العربية حماية لمصالحها.. واحتكار بعض الدول والشركات الغربية لأهم مصادر الثروات العربية ولو عبر الهيمنة عليها بصورة مباشرة وغير مباشرة.. إضافة إلى التدخلات المستمرة ضد بعض الحقوق العربية.. في المؤسسات والهيئات والمجالس والمنظمات الدولية.. وافتعال بعض المشاكل والازمات العربية-العربية- وغير ذلك من العوامل والأسباب التي لم يعُد يرغب بسماعها المواطن العربي اليوم بسبب تكرارها الممل وما تولده من يأس واحباط.. رغم استمرار بعضها حتى اليوم!! فهو يريد معرفة سبب رئيسي هام وقابل للتصديق..!! - ليأتي الرد عبر بعض الشعوب العربية التي بدأت تفيق من سباتها العميق ممثلة بشعوب تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا.. أن السبب الأول والأساس/ الذي هو وراء الواقع العربي المزرى ووراء كل ما حدث في الوطن العربي خاصة في القرن المنصرم.. إنما هو غياب الديمقراطية.. بل غياب الحد الأدنى من الديمقراطية.. والمفاجأة المتوقعة لأمثالي- أن الثورات العربية أو ما بات يطلق عليها بثورات الربيع العربي.. بدأت ببعض الأنظمة- الجمهورية- ظاهرياً! والتي تدعي ممارسة الديمقراطية بينما هي في حقيقة الأمر ظلت تمارس أبشع وأشنع أنواع الحكم الديكتاتوري والشمولي كونها على الواقع المعاش مجرد أنظمة ديكتاتورية.. فاشية..استبدادية.. قمعية.. تستأثر بالسلطة وتفرض على شعوبها ما ترغب هي بممارسته في هذا الجانب ودون أي اعتبار لهذه الشعوب التي لا تملك إلا الإذعان كرهاً أو طوعاً.. ومع ذلك تظل تستغفلوتستهبل شعوبها عبر الادعاء الكاذب والمقيت والمخزي بممارسة الديمقراطية والتعددية السياسية إلى درجة قيام بعض هذه الدول بتحويل الحكم الجمهوري إلى مجرد حكم وراثي!! ولم تكتفِ بذلك وإنما استأثرت أيضاً بنهب ثروات شعوبها.. لتنعم بها حفنة ضئيلة دون غيرها.. مما أدى إلى انتشار الظلم والفساد والبطالة والتدهور المعيشي لغالبية شعوب هذه الدول (الجمهورية؟!).. إلى درجة وصول حجم الأموال المنهوبة في ست دول عربية- جمهورية- خلال عقدين ونيف من الزمن.. إلى أكثر من 300 مليار دولار أميركي.. (1)هذا حسب الظاهر المعلن.. وما خفي كان أعظم!!.. - هذه الممارسات الاستبدادية وما رافقها من الفساد الذي استشرى في مفاصل تلك الدول ضاعفت السخط على الأنظمة القائمة فيها وأدى إلى اتساع الفجوة بين تلك الأنظمة العربية القمعية وبين شعوبها.. لتنعدم العلاقة الحقيقية أياً كانت بين الطرفين!.. - ولذا.. لا غرابة أن تنطلق ثورات الربيع العربي في هذه الدول بالذات!.. خاصة مع استمرار التسلط وعدم وجود إرادة للتغيير والإحساس المستمر بالمهانة والذل لدى شعوب هذه الدول (الجمهورية) التي أفاقت من سباتها.. فانطلقت تثور على أنظمتها رافعة شعار: (الشعب يريد إسقاط النظام) الذي يعني تطلعاتها إلى حياة سعيدة مستقرة وآمنة والعيش بكرامة في ظل أنظمة ديمقراطية حقيقية وفاعلة وعبر حقوق وواجبات ومهام متساوية.. ثم لكي تؤكد شعوب هذه الأنظمة القمعية- للدول والشعوب الأخرى أن الديمقراطية لا يقتصر تحقيقها ونجاحها على مجتمع دون آخر.. بل يمكن نجاحها في أية دولة وفي أي مجتمع.. ثم.. لأن معظم ثورات الربيع العربي انطلقت من معاناة عديدة.. وليس من أي ارتباط خارجي أوحزبي.. لأن الثورات الحقيقية إنما تنبعث من أوساط الشعوب لا من خارجها وتفجرها الجماهير لا الأحزاب.. لأن الأمر كذلك.. فقد بدأت شعوبها تقطف ثمار ثوراتها ممثلة بنجاحات جلية.... مهما كان اختلاف وتفاوت نسبة هذا النجاح.. وبحسب حجم الوعي والظروف والأوضاع السائدة من دولة عربية إلى أخرى..وإن كانت هذه النجاحات جزئية ومرحلية.. خاصة مع استمرار المشاكل والعراقيل بسبب تدخلات حزبية وخارجية قلصت من حجمه ببعض دول الربيع العربي التي لا تزال في مخاضٍ عسير.. إلا أنه رغم ذلك فإن بوادر بشائر الخير قادم!! بل يصعب إن لم يستحيل عودة مثل تلك الأنظمة الجائرة حتى ولو حدثت انتكاسات ضد هذه الثورات أو قيام ثورات مضادة.. وهو أمر وارد ولأسباب عديدة ومتنوعة!!.. - ويكفي أن شعار: (الشعب يريد إسقاط النظام) الذي انطلق بقوة وإيمان وعزم من حناجر الشباب العربي.. لم يقتصر تأثيره على بعض الدول والشعوب العربية والإسلامية وإنما تعداه إلى بعض الدول والشعوب الغربية أيضاً.. فلقد قامت مظاهرات صاخبة في نيويورك ثم في بعض المدن الكندية والبريطانية والإسبانية والفرنسية وغيرها.. ورفع المتظاهرون الشعارات المُطَالِبة بالتغيير السياسي والاقتصادي وساعد على زخم تلك المظاهرات حدوث بعض الركود الاقتصادي والأزمات المالية التي تواجهها بعض تلك الدول!!.. - ولذا.. لا غرابة أن بات بعضنا يقرأ اليوم تحقيقات ومقالات لبعض كبار السياسيين والمفكرين الغربيين تشيد بثورات الربيع العربي.. والتي منها مقالة بصحيفة (الغارديان) البريطانية (2).. - وإذاً.. يمكن القول أن انطلاق ثورات الربيع العربي يرجع لأسباب وعوامل عديدة.. وفي مقدمتها غياب الديمقراطية وهو ما أدى إلى ظهور العديد من المؤتمرات والندوات بجانب تسطير المقالات والآراء العربية والتي تناقش بمجملها- الديمقراطية.. بجانب ما تعنيه الدولة المدنية التي في حال تحقيقها ستعد من أهم ثمار ثورات الربيع العربي .. إضافة إلى كل ما له صلة بهذا الجانب.. خاصة وأن بعض الأحزاب السياسية الناشئة ومنظمات المجتمع المدني والقوى الاجتماعية الفاعلة ببعض دول الربيع العربي لا تزال تمر بمراحل انتقالية تناقش وتدرس بها كل ما له علاقة بالنظام الديمقراطي.. - من هذا المنطلق.. وبعد هذا المدخل التمهيدي الذي لم أتوقع وصوله إلى هذا الحجم من الإسهاب غير المقصود!!.. رأيتُ تقديم هذا الموضوع الخاص بالديمقراطية من حيث مفاهيمها، قواعدها، أنواعها.. بجانب ما تعنيه الدولة المدنية التي تظهر تباعاً لظهور الأنظمة الديمقراطية.. وغير ذلك من كل ما له صلة بالنظام الديمقراطي بوجهٍ عام.. - ثم.. مدى توافق ذلك كله مع الإسلام.. باعتباره دين شعوب دول الربيع العربي من جهة.. ولأن هذا الجانب بات يستأثر بالقسط الأوفر ويحوز على النصيب الأكبر من النقاشات والأطروحات الدائرة اليوم في غير مكان من العالم العربي خاصة مع وصول بعض الأحزاب والتوجهات الإسلامية إلى الحكم ببعض دول الربيع العربي من جهة أخرى.. - وذلكم.. هو موضوع هذه الورقة.. والذي سأحاول بما سأطرح بها- الإيجاز ما أمكن ذلك-!!.. - فماذا تعني كلمة: (الديمقراطية)..؟
- مفهوم أو مفاهيم الديمقراطية.. - لقد تعددت التفسيرات والتصورات والمفاهيم لهذه الكلمة.. لتصبح في هذا العصر حديث الخاصة والعامة، ومحل عناية واهتمام الكثيرين في كل مكان من أنحاء العالم.. فقد أُشبعت توصيفاً، وأوسعت تعريفاً.. وللفائدة المرجوة نقتطف مما قيل فيها وعنها شذرات تفي بالمقصود، فنكتفي من ذلك بالآتي:- -الديمقراطية: حسب دراساتنا الأكاديمية.. هي كلمة يونانية قديمة- مركبة من كلمتين- تعني حكم الشعب أو سلطة الشعب.. - وهناك من يعرفها بقوله: "الديمقراطية- Democracy" حكومة يتمتع الشعب بسلطان قوي عليها، ويديرها مباشرة بواسطة نواب منتخبين.. (3) - لكن.. المؤلف نفسه له تعريف آخر مع إضافة السياسية فيقول: "الديمقراطية السياسية–Democracy Political" هي:"حكم الشعب حكماً قائماً على الحرية والمساواة وذلك بإجراء عملية انتخاب يتم بها معرفة أسماء الرجال الذين يصبح الحكام من بين صفوفهم ويقوم بهذه الانتخابات الأغلبية المطلقة من الشعب" وذلك بواسطة: 1- التصويت في حرية ودون ضغط أو محاولة توجيه وإرشاد عند كتابة اسم المُرَشَح الذي يريد الناخب انتخابه.. 2- تقرير حق المواطن في تأليف الأحزاب السياسية وتقديم مرشحيها.. 3- حرية القيام بالحملات الانتخابية والدعاية الحزبية.. 4- الاعتراف بحق الأقليات المنهزمة في استئناف نشاطها والدعاية "لمبادئها"(4) - ولعل هذا التعريف للديمقراطية السياسية شمل كل ما له علاقة بممارستها- بما في ذلك الانتخابات وطريقة التصويت وحق المواطن في الانتماء الحزبي وكيفية القيام بالحملات الانتخابية وصولاً إلى الاعتراف بحق المعارضة في النقد الهادف والبناء... الخ.. - الرئيس الاميركي- السادس عشر- أبراهام لينكولن- عرف الديمقراطية بقوله: "الديمقراطية هي حكم الشعب.. يقيمه الشعب.. لخدمة الشعب"(5) - والدكتور علي الدين هلال عرف الديمقراطية بقوله: "إن الديمقراطية مفهوم تاريخي، واتخذ عبر تطور المجتمعات وتعدد الثقافات صوراً وتطبيقات متباينة، وإن هذا المفهوم جوهره مَثَلٌ أعلى يتمثل في المساواة، وأن النظم والمؤسسات والعلاقات التي تلقب بالديمقراطية، هي تلك التي تعظم المساواة بين البشر في فرص الحياة, وفي كل المجالات السياسية،والاقتصادية،والاجتماعية- وتسمح للإنسان بتطوير إمكاناته وإطلاق قواه الكامنة لتحقيق الذات"(6) - كما أن بسام الطيبي –عرفها بقوله : "إن الديمقراطية هي نظام معين للعلاقات الاجتماعية في ظل مؤسسات سياسية , اجتماعية تقوم على المشاركة" (7) -بينما خير الدين حسيب .. اعتبر الديمقراطية بمثابة حياة وكرامة للإنسان العربي ..وربطها بأمنه ومستقبله ..الخ.. فيقول :"لم تعد الديمقراطية قضية ترف فكري لفئة من المثقفين والمفكرين العرب .. بل إنها أصبحت قضية حياتية للمواطن العربي المقهور , يعيش أزماتها ويؤثر عليه ولو بدرجات متفاوتة.. وتتعلق بيومه وبغده وبعيشه وبكرامته.. بأمنه ومستقبله, وبوطنه وأمنه معاً"(8) - ولذا.. فإن التعريفات والمفاهيم والتصورات العديدة لمدلول كلمة: (الديمقراطية) قد تختلف بالعرض لكنها قد تتفق أو تتقارب على الأقل بالجوهر- فهي مجرد آراء وأفكار (مؤدلجة) يتضمنها دستور يقوم على تحقيق العدل والمساواة لكل أبناء المجتمع والحرص على الحقوق الخاصة والعامة.. ومتى ما وجدت مثل هذه الجوانب في أي مجتمع.. فإنه يعتبر مجتمع ديمقراطي.. حتى ولو لم توجد كلمة- الديمقراطية- في نظامه السياسي المُعلن.. والديمقراطية بجوهرها لا تخرج من حيث التطبيق عن أحد نَمَطين: أحدهما/ الديمقراطية المباشرة.. والتي تعني مشاركة المواطنين في اتخاذ القرارات العامة بصورة مباشرة.. والآخر/ الديمقراطية التمثيلية.. والتي يقوم فيها المواطنون بانتخاب من يرونهم لاتخاذ القرارات العامة نيابة عنهم- كالانتخابات الرئاسية والنيابية والمجالس المحلية... الخ (9) - بالنسبة للانتخابات البرلمانية.. إما أن يكون التصويت لفرد- عبر دوائر انتخابية- كل دائرة يمثلها مُرَشَح- أو يكون التصويت لحزب أو لبرنامج وهو ما يطلق عليه بنظام التمثيل النسبي!.. - أما التعددية السياسية.. فإنها تعني مجموع الأحزاب السياسية بمختلف توجهاتها وأهميتها وأحجامها.. وقد يطلق على النقابات والجمعيات والهيئات والمؤسسات أو ما يعرف بمنظمات المجتمع المدني بوجهٍ عام.. تعددية سياسية أيضاً طالما وهي تعمل في إطار دستور ونظام ديمقراطي حقيقي يحميها ويشجعها في أداء مهامها- فهي بهذه الحالة تعتبر بمثابة جزء مكمل للسلطة التشريعية والتنفيذية!!..
- قواعد الديمقراطية وأنواعها.. - والديمقراطية تقوم على قواعد وأسس عديدة منها:- 1- سيادة الشعب.. 2- حكم قائم على رضى المحكومين.. 3- حكم الأغلبية.. 4- حقوق الأقلية.. 5- ضمان حقوق الإنسان الأساسية.. 6- انتخابات حرة ونزيهة.. 7- المساواة أمام القانون.. 8- إتباع الإجراءات القانونية المعتمدة.. 9- القيود الدستورية على الحكومة.. 10- التعددية السياسية والاجتماعية والاقتصادية.. 11- قيم التسامح والواقعية والتعاون والتوافق والتراضي(10) - نفس المصدر شرح كل واحد من هذه الأسس وأسهب في شرح الأساس الخامس.. حيث أورد خمسة حقوق تندرج في إطاره- والتي هي:- 1- حرية التعبير والكلام والصحافة.. 2- حرية الديانة.. 3- حرية الاجتماع والانتماء إلى جمعيات ومنظمات.. 4- حق الحماية المتساوية من قبل القانون.. 5- الحق في تطبيق الاجراءات القانونية المعتمدة والمحاكمة العادلة..(11) - وقد تختلف مثل هذه القواعد أو الأسس من دولة إلى أخرى ومن مجتمع إلى آخر.. لكنها قد تتوافق مع جوهر معظمها في الغالب.. - أما أنواع الديمقراطية التي تطبق في الأنظمة الديمقراطية فهي في الغالب تتمثل بنوعين: الأول/ نظام يقوم على ديمقراطية رئاسية.. والذي يعتبر البرلمان أو مجلس النواب أو مجلس الأمه.. هو المؤسسة الأولى والأساس في الحكم.. ويعتبر الرئيس المنتخب مباشرة من الشعب هو الرئيس ورئيس الوزراء بنفس الوقت.. كما هو الحال في الولاياتالمتحدة الأميركية وفي بعض الدول بأميركا الجنوبية واللاتينية!.. والثاني/ نظام برلماني- فحزب الأغلبية بالمجلس التشريعي هو الذي يشكل الحكومة والذي يختار رئيس الوزراء من أعضاء الحزب نفسه- ليصبح الرجل الأول في النظام- بينما الملك أو الرئيس يكون وجوده بمثابة رمز فحسب!.. وهو النظام المعمول به بمعظم دول العالم الديمقراطي وعلى رأسها بريطانيا.. - وهناك نظام يجمع بين الاثنين- كما هو الحال في فرنسا.. ومعظم الدول الديمقراطية يقوم الحكم فيها على النظام الفدرالي الذي يعني قيام اتحاد بين مجموعة ولايات أو محافظات أو إمارات أو أقاليم تتنازل عن بعض السيادات الخاصة بها لصالح حكومة أو سلطة مركزية.. لكنها تحتفظ بسلطات حكومية محددة وبصلاحيات كاملة لإدارة شؤونها المحلية!.. وبحسب جوهر الدستور الذي ينظم مثل هذه الجوانب وبما يتوافق مع ظروف وأوضاع كل دولة أومجتمع!.. وهذا النظام معمول به بمعظم دول العالم الديمقراطي.. ويمثل استقراراً ورسوخاً أفضل من الأنظمة الأخرى.. ويعتبر الحكم المحلي بمثابة حكم فدرالي لكنه لا يتمتع بنفس حجم صلاحياته!.. - كذلك.. هناك اتحاد يسمى: اتحاد كونفدرالي- Confederation .. وهو عبارة عن اتحاد يجمع بين دول مستقلة- كل دولة تحتفظ بجيشها وعلاقاتها الخارجية.. لكن ما يجمع بين الكل هو بعض الاتحادات التجارية والتنسيق المتبادل ببعض الجوانب.. ويمكن القول أن الاتحاد الاوروبي بوضعه القائم اليوم يعتبر بمثابة اتحاد كونفدرالي.. وكذلك دول مجلس التعاون الخليجي.. - بالنسبة للانتخابات.. يُمكن تعريفها- اجتهاداً- بأنها تتمثل بعمل تنظيمي يهدف إلى تحقيق التداول السلمي للسلطة!.. فيقوم الفرد من خلاله بالإدلاء بصوته عند اجراء الانتخابات الرئاسية أو البرلمانية أو المحلية أو غيرها- ويختار ممثله بكل حرية وقناعة.. وهو ما يؤكد أنه بهذا العمل يمثل قيمة كبيرة وهامة بمجتمعه الديمقراطي بعيداً عن التهميش والاقصاء!! بل إن هذا الدور الانتخابي- الديمقراطي الذي يقوم به الفرد- يدفعه إلى الإيمان بقرارة نفسه بكونه جزء لا يتجزأ من مجتمعه الذي يعيش فيه ويمارس فيه دوره الانتخابي بكل حرية وثقه.. وهو ما يضاعف من حبه لمجتمعه ووطنه وحرصه عليهما سراً وجهراً.. مع إيمانه المطلق بأن الحرية التي يمارسها بوجهٍ عام هي بمثابة حرية لغيره بنفس الوقت!.. - والدستور أو الدساتير.. تعتبر بمثابة قواعد ومرتكزات وأسس تعتمد عليها وتسير على نهجها الأنظمة الديمقراطية.. فهي تحدد منطلقات أنظمة الحكم الأساسية.. وتوضح المعالم والقيود المفروضة على السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية.. ويكون كل أفراد المجتمع دون استثناء خاضعين لأحكامها.. - وربما يُعتبر الدستور الأميركي- المؤلف من سبع مواد قصيرة- وستة وعشرون تعديلاً خلال أكثر من مأتي عام أقدم دستور مكتوب- بل يعتبره البعض من أعظم الدساتير التي ظهرت حتى اليوم! خاصة وأنه منذ إقراره عام 1787م.. ضَمِنَ التوازنات والمراقبة المتبادلة بين السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية!..
- ماتعنيه الدولة المدنية .. - الدولة المدنية: هي التي تقوم على مبدأ المساواة أو المواطنة المتساوية.. بجانب مراعاة حقوق وواجبات وحريات كل مواطنيها وحمايتهم ورعايتهم دون تمييز .. أو كما عرفها مشايخ الأزهر – حسب قول الكاتب الصحفي جهاد الخازن –حينما قال عن الدولة المدنية :"دولة ديمقراطية مدنية تهتدي بالشريعة لا خِلافه" (12) - فالدولة المدنية بكل إيجاز..تعتبر دولة النظام والقانون القائمَين على وجود مؤسسات جلية!! تراعي إرادة ورغبات وحريات شعوبها.. مع أن دولة مدنية بهذه الصفات لايمكن إدارتها إلا من قبل سلطة سياسية تقوم على نظام ديمقراطي قائم على انتخابات حرة ومباشرة ومن خلال دستور ارتضاه الجميع !!. -وأود أن أشير هنا إلى الأنظمة الديمقراطية الغربية التي ينطبق عليها معظم ماقمت بسرده آنفاً- لكنها رغم ذلك لا يعني أنها قد وصلت إلى مرحلة الكمال .. بل ظلت ولاتزال تعاني من تشوهات وتجاوزات عند التطبيق الفعلي .. هي بقدر ماتضر شعوبها بقدر ماتضر ايضاً بعض الشعوب الأخرى .. فالديمقراطيات الغربية على سبيل المثال.. تقوم بعض وربما معظم أنظمتها على النظام الرأسمالي .. الذي يَوجِد فجوة كبيرة بين الأغنياء والفقراء وهو مايؤدي إلى غياب العدالة الاجتماعية في الغالب !. - إضافة إلى اعطاء الفرد حرية مطلقة غير منضبطة .. مما قد يؤدي إلى التعدي والتطاول على أديان ورموز شعوب أخرى عديدة .. والذي ينطلق من حرص على حريات التعبير والكلام... الخ.. حسب مفهومها.. مع أن ذلك يتناقض مع معظم دساتيرهم التي تحمي حق شعوبهم في الكلام وغيره ولكن دون تطاول على أديان ورموز لشعوب أخرى .. كون هذه الدساتير وجدت لشعوب محددة والإذعان لها محصورٌ بشعوبها فقط ! ثم وهو الأخطر.. وضوح التناقض في هذا الجانب بالذات! حيث يستحيل على الأميركي والأوروبي مثلاً إنكار مايسمى ب : "المحرقة النازية" التي حدثت ضد اليهود أثناء الحرب العالمية الثانية! ومن ينكرها يعاقب بغرامات مالية أوبالسجن.. وربما يتلقى تهديدات قد تصل إلى التصفية الجسدية!! بينما إهانة الرموز الإسلامية كما حدث غير مرة.. يدخل في مفهوم ممارسة الحريات الفردية لديهم!. إلا أن هذه التجاوزات والتناقضات لبعض ممارسات الأنظمة الديمقراطية الغربية لايعني عدم الإشادة بالجوانب الإيجابية بها.. فمع سلبياتها ونواقصها تظل هي الأنموذج والشاهد الأول في تطور مجتمعاتها .. بل يكفي أن العربي – المسلم يجد ببعض هذه الدول التي يقيم بها بصفة التجنس أو بصفة مقيم أو لاجئ- كل الحريات المتاحة التي تساعده على ممارسة مايصعب إن لم يستحيل ممارسته داخل وطنه الأصل !! . - وهذا هو ماعناه الشيخ الدكتور/ عائض بن عبدالله القرني الذي أعاد السبب إلى "ماواجهه بعضهم من قمع وتعذيب وتكميم للأفواه ومصادرة للحريات"(13) - وفي كل الأحوال .. فإن تطبيق ونجاح واستمرار الديمقراطية ..لابد وأن يقترن بعوامل عديدة.. وهو الجانب المهم الذي يُظهر التفاوت في نسبة النجاح بذلك من دولة إلى أخرى ومن مجتمع إلى آخر .. إذ لابد من اقتران الديمقراطية بالثقافة.. فكلما كانت نسبة الثقافة بمجتمع ما مرتفعة.. كلما كانت الديمقراطية راسخة ومزدهرة.. والعكس صحيح ايضاً!.. كما لابد من اقتران الديمقراطية بنسبة ارتفاع المتعلمين ووجود تربية راسخة.. فمن الاستحالة بمكان وجود شعب جاهل أو نسبة الأمية فيه مرتفعة ويكون بنفس الوقت شعب ديمقراطي حر يعيش في ظل دولة متحضرة.. كذلك لابد من اقتران الديمقراطية بوجود معارضة صادقة وجريئة لأن الممارسة الديمقراطية الفاعلة إنما تنجح بوجود معارضة قوية ووطنية – تمارس مهامها بالعلنية والوضوح والمسؤولية .. إضافة إلى اقتران الديمقراطية بالإعلام بكل وسائله المختلفة .. فالقدرة على الحكم في النظام الديمقراطي ترتبط بالقدرة على حُسن التواصل والتفاهم مع كل شرائح المجتمع .. والإعلام بوجهٍ عام هو الذي يقوم بوظيفة التواصل!.. ثم.. اقتران الديمقراطية بوجود اقتصاد قوي أو يضمن الحد الممكن الذي يحافظ على وجود الطبقة المتوسطة ويوفر الضروريات الممكنة!!.. - هذه هي الديمقراطية ببعض مفاهيمها وقواعدها وأنواعها.. وما تعنيه- الدولة المدنية- وغير ذلك مما له صلة بالديمقراطية بوجهٍ عام!.. وبالصورة التي قمتُ بسردها آنفاً بكل إيجاز.. معتمداً بالطرح على المراجع المدونة نهاية هذا البحث.. إضافة إلى اجتهادات شخصية تراكمت هي الاخرى من القراءة والاطلاع المستمر ببعض ما له علاقه بهذا الجانب!..
- مدى توافق الديمقراطية مع الإسلام!!.. - وقبل مناقشة هذا الموضوع- أود أن أشير إلى أن ثقافتي الاسلامية بوجهٍ عام قد لا تؤهلني بطرح ما يجب طرحه عنه عبر أُسس وعوامل واجتهادات هي في جوهر الأمر من اختصاص علماء الفقه والتفسير والمختصين بكل ما له صلة بالسياسة الشرعية وما تعنيه الدولة الاسلامية.. والذين هم الأقدر والأدرى والأعلم بطرح ومناقشة وتفنيد كل ما له صلة بالتوافق الاسلامي مع الديمقراطية من عدمه!!.. - ومع ذلك.. سأحاول أجتهد- ولا آلو- مع الاستشهاد ببعض أراء وأقوال مثل هؤلاء العلماء والمفكرين الاسلاميين!!.. - كما هو معروف أن الاسلام هو.. عقيدة وشريعة، دين ودولة، عبادات ومعاملات، إيماناً وتربية، ثقافةً وتراثاً، قيماً ومبادئ، فكراً وتصورات، منهج حياة وفلسفة إزاء الكون والحياة والإنسان.. الإسلام الذي يتمثل بمثل هذه الجوانب المشرقة.. والمُثل المُضيئة، والمعاني العظيمة الجلية.. ما مدى توافقه مع الديمقراطية؟!.. - لقد أشرتُ بما يخص بعض مفاهيم ومعاني الديمقراطية والتي تعطي مفهوماً يمكن إيجازه بكونها- تجعل من الشعب هو مصدر كل التشريعات والسلطات!!.. - لكن هذا المفهوم أوجد لدى بعض العلماء والمفكرين الاسلاميين بعض التحفظات.. ومن هؤلاء الداعية الإسلامي المعروف- أبو الأعلى المودودي- الذي يقول بالنص: "إن الديمقراطية التي هي عبارة عن منهاج للحكم تكون السلطة فيه للشعب جميعاً.. فلا تُغَيَر فيه القوانين ولا تُبَدَل إلا برأي الجمهور.. خصائص الديمقراطية هذه ليست من الاسلام في شيء" (14) - مع أن الشيخ المودودي نفسه استخدم كلمة "الديمقراطية" فيقول: "إن روح الديمقراطية.. تتجلى بأهم خصائص الخلافة الراشدة القائمة على حصول الناس على حريتهم الكاملة في النقد والتعبير عن الرأي" (15).. كما استخدم المودودي نفسه كلمة (الانتخابات) التي لا تُستخدم عادةً إلا في إطار ما بات يعرف بالديمقراطية اليوم حينما تحدث عن وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم دون أن يوصي المسلمين في من يكون خليفته من بعده.. حيث فهم الصحابة من سكوت الرسول صلى الله عليه وسلم ومن قول الله عز وجل "وأمرهم شورى بينهم..."الخ.. فيقول تعليقاً على ذلك "أن الله تعالى قد خيرهم في تولية الرئيس لدولتهم بعد نبيه بالانتخاب، وأنه ينبغي أن يكون هذا الانتخاب بمشاورة المسلمين فيما بينهم" (16) - وإذا كان التحفظ على كلمة (الديمقراطية) كما وصفها أبو الأعلى المودودي.. وهو تحفظ قد يكون فيه بعض الصحة- فما الذي يمنع الاستفادة من إيجابياتها وهي عديدة.. بدلاً من التسليم بهذا التحفظ دون أخذ ورد؟!.. - ثم.. يمكن للمسلمين استخدام كلمة (الشورى) التي هي حسب فهم بعض العلماء والمفكرين الاسلاميين مرادفة لكلمة (الديمقراطية).. بل عندما نقرأ ما قاله أبو الأعلى المودودي نفسه عن الشورى.. فإننا نفهم أنه يقصد ما بات يعرف اليوم بالديمقراطية.. حيث يقول "الشورى في الاسلام يعتبر من أفضل صفات المؤمنين وأنه واحدة من الدعامات الهامة التي يتأسس عليها طراز الحياة الاسلامية.. وإدارة دفة أمور المجتمع بلا شورى.. ليست طريقة الجاهلية فحسب، بل هي خلاف صريح لقانون قرره الله وشرعه" (17) - وللتأكيد على أن كلمة (الشورى) مرادفة لكلمة (الديمقراطية).. فإن سيد قطب- يقول في تفسيره لقوله تعالى: "وأمرهم شورى بينهم": (إن التعبير يجعل أمرهم "المسلمون" كله شورى) ويضيف بنفس الصفحة (أما الشكل الذي تتم به الشورى، فليس مصبوباً في قالب حديدي، فهو متروك للصورة الملائمة لكل بيئة وزمان لتحقيق ذلك الطابع في حياة الجماعة الاسلامية) (18) - وفي تفسيره للآية رقم (159) من سورة آل عمران وهي قوله تعالى: "فأعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر".. يقول: "وبهذا النص الجازم- وشاورهم في الأمر- يقرر الاسلام هذا المبدأ في نظام الحكم".. ويكرر هنا: "أما شكل الشورى والوسيلة التي تتحقق بها فهذه أمور قابلة للتوحيد والتطوير وفق أوضاع الأمة وملابسات حياتها.. وكل شكل وكل وسيلة، تتم بها حقيقة الشورى لا مظهرها فهي من الاسلام"(19) - والدكتور/ صلاح الصاوي- اعتبر التعددية السياسية في الاسلام بأنها تقوم على ستة أمور هي:- 1- السيادة الشرعية.. 2- السلطة للأمة.. أي أن السلطة السياسية مصدرها الأمة.. مستدلاً بقول أبو بكر الصديق في خطبة له قبل وفاته: "إن الله قد رد عليكم أمركم فأمروا عليكم من أحببتم".. 3- سيادة القضاء.. 4- صيانة الحقوق والحريات العامة.. 5- الحُسبة.. 6- الشورى.. باعتباره من الأساسيات في سياسة الحكم الاسلامي وامتثالاً لقول الله تعالى: "وأمرهم شورى بينهم"، وقوله تعالى: "وشاورهم في الأمر"! (20) -بينما يأتي بعض الكتاب الصحفيين- لينفي وجود الشورى في الاسلام بالمفهوم المعروف لدى بعض علماء الاسلام كما يُفهم من مضمون مقاله.. وإنما "ورث الاسلام- الشورى- عن عرب الجزيرة" حسب قوله...الخ.. ثم يقول بالنص: (ما يُفرق الديمقراطية عن الشورى.. أن الأولى تمنح الناس لساناً وأذنين وعينين.. فيما تمنع الأخيرة- يقصد الشورى- الناس من هذا) (21).. مع أن كلامه هذا فيه تناقض كبير بفهمه للشورى كما جاء ببعض كتب المفسرين والمحدثين!.. - وفي كل الأحوال.. فإن الهدف ليس الإسم- أكان ذلك مصطلح "الديمقراطية" أو "الشورى" وإنما الهدف هو تحقيق العدالة للجميع بكل ما تعنيه هذه الكلمة.. وهو المقصد والأسمى.. حتى ولو وُجدت بعض المفاهيم شبه المتباينة بين المصطلحين فإن الفهم العام لكليهما متوافق.. - يقول الشيخ/ عبدالوهاب خلاف: "إن غاية الشرع إنما هي المصلحة، وحيثما وجدت المصلحة فثم شرع الله، وإن السبيل إلى تحقيق المصالح حيث لا نص إنما هو اجتهاد الرأي" (22).. ويضيف: "وليس يوجد مانع شرعي من الأخذ بكل ما يدرأ المفاسد ويحقق المصالح.. في أي شأن من شؤون الدولة ما دام لا يتعدى حدود الشريعة ولا يخرج عن قوانينها العامة" (23) - بل إن البعض يعتبر التعددية السياسية محرمة "كونها فكرة غربية ولم يعرفها المسلمون بهذه الطريقة في حياتهم، ولأنه لم يأتِ ذكرها في النصوص الاسلامية المعروفة" (24) - وإذا كان التحفظ على كلمة (الديمقراطية) لدى بعض علماء الإسلام لا يمنع الاستفادة من ايجابياتها- وهي عديدة.. كما أشرتُ إلى ذلك قبلاً.. فإن من يعتبرون التعددية السياسية محرمة.. لا يعني عدم الأخذ بها طالما التزمت بسيادة الشرع وصيانة الحقوق الخاصة والعامة.. خاصة وأن التعددية السياسية والحزبية تعتبر بمثابة مدارس للشعوب.. بل وعنصر مهم من عناصر الاستقرار السياسي.. إضافة إلى اعتبارها بمثابة همزة وصل بين الحاكم والمحكوم!! - اكتفي إلى هنا- بما قمتُ باقتباسه من بعض توجهات وآراء بعض العلماءوالمفكرين الاسلاميين حول مفهوم الديمقراطية والشورى.. منوهاً هنا بالاجتهاد في الإسلام الذي يعني استنباط الأحكام المناسبة لكل زمانٍ ومكان دون تعارض مع الثوابت القطعية المعروفة في القرآن الكريم والسنة النبوية.. ذلك أن الاجتهاد هو المَعنِي حسب فهمي فيما يخص التوافق الاسلامي مع الديمقراطية.. وهو ليس محصوراً بعصر دون آخر بقدر ما هو مفتوحاً دوماً لدى القادرين على ممارسته من علماء المسلمين ممن يؤمنون بأن المجتهد إن أصاب له أجران وإن أخطأ له أجر واحد.. وهم موجودون حتماً بكل زمان ومكان!.. - بل إن الاجتهاد حينما كان يتصدر التوجهات العامة للمسلمين.. حقق المسلمون انجازات علمية وحضارية وانسانية غير مسبوقة!.. بينما ارتبط تراجع تلك الإنجازات لتصل إلى الجمود بارتباط التهميش الذي لحق بالاجتهاد بالدرجة الأولى بجانب عوامل وظروف وأسباب أخرى لكنها تأتي بعد غياب شبه كلي لممارسة الاجتهاد.. ليس بسبب عدم وجود علماء تتوافر فيهم شروط الاجتهاد المعروفة.. وإنما لأسباب أخرى منها: ربما تخوف بعض العلماء من الخروج عن بعض أهم الثوابت الاسلامية أو بسبب حدوث املاءات أو عراقيل أوتحديات واجهها البعض والتي وصل بعضها إلى التصفية الجسدية لبعضهم..!! - إن الدخول في الاسلام وانتشاره بفترة زمنية قصيرة عبر الفتوحات الاسلامية لم يتحقق بحد السيف كما يروجله البعض.. وإنما عبر نشر القيم الاسلامية والتعامل الانساني النادر الذي تجسد عملياً بأولئك الرواد.. بجانب نشر العدل والتسامح والمساواة في الحقوق والواجبات دون استبداد ولا إكراه.. ومثل هذه الجوانب التي حرص المسلمون على نشرها باعتبارها جزء هام من التعاليم الاسلامية المعروفة.. مثلت بجوهرها صورة حية من صور التطبيق الفعلي للديمقراطية بأسمى معانيها!!.. - إنه يمكن القول بعد كل ما تقدم ذكره.. أن الإسلام عقيدة وثقافة وتعاملاً وسلوكاً.. والذي يمثل أيضاً عبر المفاهيم والتوجهات العامة لنصوصه- قمة الاعتدال والتسامح والعدل والمساواة- ويقوم على العدالة الاجتماعية التي تحقق للمجتمع بكل فيأته السعادة والاستقرار وتمنحه الحرية المنشودة التي لا تتعدي ظلم الغير باسمها.. هذا الاسلام الذي يتمثل بمثل هذه الجوانب المشرقة والتي هي غيض من فيض لا يتعارض مع الدولة المدنية التي يتطلع إلى تحقيقها الجميع.. بل إنه بمثل هذه الجوانب الايجابية والجلية يعتبر الاسلام أول من أرسى دعائمها!!.. كما أنه لا يتعارض مع الديمقراطية الحقة حتى ولو تغيرت الأسماء أو بعض التصورات والمفاهيم.. - فالإسلام بوجهٍ عام يتوافق مع الديمقراطية.. ولا يتعارض معها والأدلة من القرآن والسنة ومن اجتهادات بعض علماء الاسلام واضحة وهو ما قمتُ بسرد جزء منها آنفاً.. - أما الممارسات الاستبدادية والديكتاتورية من قبل بعض الانظمة العربية والاسلامية- لا علاقة لها بالإسلام مهما كان الظاهر المُعلن ومهما كانت بعض التوجهات- التحسينية- تُراعي ذلك؟!.. - والذين يبحثون اليوم على ضرورة عودة- الخلافة- بالصورة التي كانت عند العصور الأولى للإسلام.. رغم ما بات عليه العالم اليوم من تغيرات وتصورات وتوجهات وتقاربات غير مألوفة وتأثير وتأثر.. إنما يبحثون على المستحيل غير الممكن تحقيقه أو ربما يهربون من واقعهم بسبب عدم قدرتهم على التكيف مع محيطهم فينشدون الخلافة ولكن بالصورة التي أوردها الداعية والمفكر الاسلامي المعروف الشيخ الدكتور/ عائض بن عبدالله القرني – حينما تحدث بموضوع عنوانه: (الخلافة الإسلامية في غرفة بلندن) عن بعض خطباء الجمعة بلندن، وهو يخطب بغرفة ضيقة على مجموعة من الأشخاص ويدعو بخطبته إلى إقامة الخلافة الإسلامية...الخ (25) - وقبل نهاية هذا الموضوع..لا بُد من الإشارة هنا إلى ممارسة النظام الديمقراطي ببعض الدول الإسلامية- كما هو الحال بتركيا وماليزيا وأمثالهما!.. إذ يُمكن القول أن الحكم بمثل هذه الدول إسلامي وديمقراطي بنفس الوقت.. مهما وُجدت بعض التجاوزات أو الحريات الهامشية التي قد لا تتوافق مع جوهر الإسلام!!.. وهو ما يؤكد بكل إيجاز ممكن.. أن المسلمين العرب غير ديمقراطيين.. على أمل أن يكون لثورات الربيع العربي دورٌ في تغييرهم!.. - ثم وهو المهم.. يُمكن القول بجزم.. إن الإسلام بما يمثل أفضل من المسلمين إن صح هذا التعبير.. - أختتم هذا الموضوع بقول المفكر الإسلامي الدكتور/ محمد عماره- في كتابه القيّم (العلمانية والدولة الدينية) ما نصه: (الشريعة دين وليست دُنيا.. وثوابت وليست متغيرات، ومصدرها الوحي وليس الرأي والاجتهاد.. والفقه الإسلامي في المعاملات هو ما نعنيه الآن عندما نتحدث عن القوانين الاسلامية، وموضوع الفقه الاسلامي متميز تماماً في الطبيعة والمجال في الشريعة الاسلامية.. وعلى حين رأينا علماء الاسلام يُنبهون على أن الشريعة هي وضع إلهي، وجدناهم يُنبهون على أن الفقه ليس كذلك.. إذ هو كما يقول الجرجاني: "علم مستنبط بالرأي والاجتهاد ويحتاج إلى النظر والتأمل" )(26) ولله الأمر من قبل ومن بعد..
قائمة بمراجع الموضوع... صحيفة الحياة اليومية- التي تصدر في لندن. في 3/9/2012م مقالة بعنوان: (العرب هم الرواد الجُدد للديمقراطية) نشرت بصحيفة الحياة يوم 28/10/2012م نقلاً عن صحيفة الغارديان البريطانية.. كتاب: (قاموس المذاهب السياسية) تأليف/ مارتين دودج.. مترجم.. من مشورات مكتبة المعارف في بيروت ص61.. نفس المصدر ص 62-63.. كتاب: (ما هي الديمقراطية) مترجم.. صادر عن وكالة الإعلام الأميركية عام 1993م.. كتاب: (أزمة الديمقراطية في الوطن العربي) إصدار مركز دراسات الوحدة العربية- الطبعة الأولى- بيروت 1984م ص36.. نفس المصدر ص73.. نفس المصدر ص29.. كتاب: (ما هي الديمقراطية)- المصدر السابق.. نفس المصدر.. نفس المصدر.. (عيون وآذان) عمود يومي للكاتب في صحيفة الحياة يوم 27/10/2012م من كتاب: (ثورة التجديد) الطبعة الأولى- منشورات العبيكان للنشر- موضوع بعنوان: (لماذا يهاجر العرب إلى الغرب) ص437 (نظرية الإسلام وهدية في السياسة والقانون والدستور) مؤسسة الرسالة- بيروت- 1389ه- 1969م ص33-34.. نفس المصدر ص134-135 (الحكومة الإسلامية) الطبعة الثانية- ترجمة- أحمد إدريس- ص314 (نظرية الإسلام وهدية) عنوان: (انتخاب رئيس الدولة) ص278-279 (في ظلال القرآن) الطبعة الحادي والعشرون- المجلد الخامس ص3165 نفس المصدر- المجلد الأول ص501 (التعددية السياسية في الدولة الإسلامية) الطبعة الأولى- القاهرة ص28-36 مقالة بعنوان (شورى أم ديمقراطية) للكاتب- خالد السعيد.. صحيفة (الحياة) يوم 27 نوفمبر 2012م ص10 (السياسة الشرعية- أو نظام الدولة الإسلامية في الشؤون الدستورية والخارجية والمالية) مطبعة التقدم- القاهرة 1397ه- 1977م ص8 نفس المصدر ص15-16 (التعددية السياسية في الدولة الإسلامية) ص41 (ثورة التجديد) ص101 كتاب: (العلمانية والدولة الدينية) ص157