جاءت القرارات العسكرية التي أصدرها الرئيس عبدربه منصور هادي يوم الأربعاء 19 ديسمبر 2012م لتشكل خطوة هامة في طريق إعادة الاعتبار للمؤسسة العسكرية والأمنية وتحريرها من السيطرة غير القانونية وتمكينها من أداء دورها الوطني المحدد دستورياً. لكي تستعيد الدولة هيبتها وتحفظ كرامة مواطنيها ولكي تكون قادرة على مواجهة تنظيمات العنف والإرهاب بمختلف مسمياتها، وقادرة بأن تحافظ على النسيج الوطني من التشتت والتمزق. ولاشك أن هذه القرارات بقدر ما هي حاجة وطنية ملحة فإنها ستعمل على تطمين أشقائنا في الإقليم، حيث أصبحت كل المكونات العسكرية تحت سيطرة وزارة الدفاع بما فيها قوات مكافحة الإرهاب، وهو ما يعني أن أساليب الابتزاز التي كانت تمارس سابقاً ضد الأشقاء والأصدقاء ستنتهي، وستتلاشى مخاوف الجيران من فوضى الإدارة العسكرية وتعددها، والتي كانت تمثل مصدر قلق محلي وإقليمي ودولي وذلك بالنظر إلى انعكاساتها السلبية على الأمن الوطني وعلى أمن منطقة الجزيرة العربية والخليج وكذا على أمن طرق الملاحة الدولية في بحر العرب وخليج عدن والبحر الأحمر. ثم إن هذه الخطوة التاريخية بقدر ما ستؤدي إلى تصحيح الكثير من الأخطاء والاستفادة من الكوادر والكفاءات والخبرات القيادية التي ظلت مركونة ومهمشة عقوداً من الزمن، فإنها تمثل حجر الزاوية في بناء الدولة المدنية الحديثة، من حيث أنها ستعيد الحق إلى نصابه ومن حيث أنها ستجعل مؤتمر الحوار الوطني الشامل ينعقد في أجواء جديدة قائمة على الاطمئنان والثقة بأن جميع المشاركين متساوون بالحقوق والواجبات وأنه لا يمكن استخدام الجيش والأمن من قبل أي طرف للضغط على الآخرين لتحقيق مصالحه الذاتية أو الجهوية أو المناطقية. واليمنيون جميعاً ينظرون إلى مؤتمر الحوار الوطني كمخرج آمن، ويعولون على هذا المؤتمر الكثير من الآمال لأن نجاحه الفعلي سيضع أسس بناء الدولة اليمنية الجديدة بالنظر إلى مجمل القضايا التي سينقاشها وما سيتمخض عنه من نتائج في هذا الإطار. ولذلك لا يمكن الفصل بين هذه القرارات العسكرية وبين الطريق المؤدي لبناء الدولة المدنية بكل متطلباتها، ومن الطبيعي أن ملايين اليمنيين الذين خرجوا مؤيدين ومباركين لهذه القرارات ستظل تطلعاتهم متجه دوماً وباستمرار نحو الإجراءات التنفيذية لهذه القرارات، بما في ذلك إعادة الأسلحة المنهوبة وإلغاء الأسماء الوهمية وغلق منافذ الفساد المالي والإداري بصورة محكمة والعمل على توظيف إمكانيات وقدرات القوات المسلحة في اتجاه بناء الإنسان الذي يمثل رأس المال الاجتماعي الحقيقي للوطن. والأهم في كل هذا أن تكون هذه الخطوة مقدمة لقرارات تغيير حقيقية وشاملة، ليس في الجانب العسكري والأمني فقط ولكن في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فالفساد لازال هو سيد الموقف وما لم يتم كبح جماح هذا الفساد وإعادة الاعتبار لمفهوم النظام والقانون ومفهوم المواطنة المتساوية على مختلف المستويات، فإن التعثرات ستظل هي الحاضرة في كل خطوة يحاول وطننا أن يخطوها نحو الأمام. [email protected]