سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
سؤال كبير في وجه حكومة مجور: أين تذهب المبالغ المحصلة من رفع دعم المشتقات النفطية؟! خبير اقتصادي يؤكد أن الآثار السلبية للإصلاحات الاقتصادية أكثر من فوائدها
مع شروع الحكومة في رفع الدعم وتحرير المشتقات النفطية, انعكست هذه الإجراءات مباشرة على حياة الناس الذين سيتحملون كلفة عجز الموازنة البالغ541 مليار ريال, أي أن الأسرة الواحدة ستتحمل سنويا مبالغ مرتفعة مع ارتفاع أسعار كل شيء من كهرباء وسلع غذائية ووقود وغيرها. ولأن رواتب الناس هنا لا تقوى على مقاومة الغلاء, فإن إحصاءات رسمية كشفت أن ارتفاع معدّلات الفقر في اليمن دفعت بالأطفال الذكور للتسرب من المدارس من أجل العمل أو مساعدة أسرهم للحصول على لقمة العيش. ويقول الخبير الاقتصادي علي الوافي إن المبالغ التي تحصلها الحكومة من رفع الدعم عن المشتقات النفطية يفترض أن تذهب إلى زيادة مخصصات الضمان الاجتماعي من حيث رفع المبلغ الذي تحصل عليه الأسرة, وتوسيع دائرة المستهدفين,وزيادات في الأجور والمرتبات للموظفين,والإنفاق التنموي, كمصارف لهذه المبالغ.ويرى الوافي,وهو أحد الكفاءات الاقتصادية في البلاد انه إذا ما ذهبت هذه المبالغ في هذه الجوانب, فإنها تدخل في إطار الإصلاحات الاقتصادية,أما إذا أن تذهب في أوجه أخرى, فان ذلك يصب في مصلحة الفساد,ولا تندرج ضمن خطة إصلاحات. وحول تقييمه لإجراءات الحكومة في رفع الدعم التدريجي وعوائده,يؤكد الوافي "إن بضعة المليارات المحصلة, إذا ما قارنا أثرها الايجابي على الميزانية,في مقابل الآثار السلبية لتبعاتها فان الآثار السلبية تفوق الايجابية". ويشير الوافي إلى أن الإصلاحات الاقتصادية جزء من منظومة متكاملة, وهي منظومة الإصلاحات الوطنية الشاملة. وفي ردة على سؤال بشان العوامل التي تدفع الحكومة للاستمرار في سياسة رفع ماتبقى من الدعم, يضيف الوافي في تصريح "للصحوة",إن حجم الدعم ليس مبلغا ثابتا, وإنما يتغير بتغير الأسعار العالمية للنفط من جانب, ومن جانب آخر الرفع التدريجي مرتبط بأوضاع الخزينة العامة للدولة,فكلما عانت من نقص أكثر للموارد للمالية, كلما اتجهت الحكومة لرفع مزيد من الدعم,كما أن رفع الدعم يأتي في إطار حساسية الأوضاع السياسية والأمنية وكل هذه عوامل تؤثر في الوقت المطلوب لرفع الدعم,إضافة إلى تناقص الموارد واستدامة المالية. لكن الوافي يؤكد أن الطريقة التي يتم بها رفع الدعم في بلادنا تؤدي إلى اتساع رقعة الفقر وزيادة المعاناة, والمبالغ التي تم تحصيلها حتى الآن من الزيادات الأخيرة, كان يمكن توفيرها في ترشيد بعض النفقات غير المبررة وهي كثيرة ومنها نفقات السلاح. وطالب الوافي في هذا السياق الحكومة بأن تعمل على رفع آليات التحصيل الضريبي والجمركي ومعالجة الاختلالات الكثيرة في المصلحتين, من اجل توفير مئات المليارات والتي تذهب لصالح بعض المكلفين وبعض موظفي الجهاز الحكومي والمصالح الإيرادية. كما أن التكيف مع موجات الغلاء التي تسيطر على مشهد الاقتصاد الوطني ليس سهلا بالنسبة للمستهلك الذي لا يتعدى دخله الشهري30 ألفاً, وبالكاد يستطيع شراء الحد الأدنى من احتياجات أسرته، كما انه لا يقوى على تحمل ارتفاع الأسعار, الأمر الذي جعل الموظفين يفضلون السيطرة على شبح الأسعار الملتهبة على أي زيادة حكومية لو تمت,طالما وان تلك الزيادة الطفيفة التي ستضاف إلى الراتب الشهري لن تجدي نفعا ولن تمكنه من مواكبة اللحاق بقطار الارتفاع في إيجار السكن. وبالتزامن مع رفع الحكومة لزيادات في أسعار المحروقات في مطلع العام الجاري, بزيادة100ريال في كل 20لتراً, بنسبة تصل إلى أكثر من8.3% في البترول, وأكثر من14% في الديزل, شهدت أسعار السلع والخدمات ارتفاعات متلاحقة لم تتوقف بعد فرض ضرائب على71سلعة غذائية وخدمية في مارس الماضي, الأمر الذي فاق معدل التضخم حجم التوقعات الرسمية فبعد أن كانت النسبة المتوقعة 9% للعام الحالي أصبحت الآن 13% خلال عدة شهور, وهو ما جعل محاولات الحكومة لتحسين الأوضاع تصل إلى حد البحث عن بدائل عن طريق فرض رسوم إضافية على السلع المستوردة, ورفع ماتبقى من الدعم عن المشتقات النفطية لسد جزء من العجز الحاصل في الميزانية,ومحاولاتها الأخيرة منذ بداية يوليو الجاري إقرار العمل بقانون ضريبة المبيعات وسط معارضة شديدة للقطاع الخاص,وهو الأمر الذي لو نجحت الحكومة في تنفيذه لوفرت مئات المليارات الضائعة. وبسبب الفجوة الكبيرة بين مستوى الأجور وصعود الأسعار اتسعت رقعة الفقر على امتداد الجغرافيا اليمنية, وبات أكثر من نصف السكان تحت خط الفقر في حين17.6% وسط توقعات غير رسمية بصعوبة التكيف خلال الفترة القادمة, ببلد يعاني من صعوبات في تأمين احتياجات مواطنيه الأساسية,ما يجعل المستهلك تحت مطرقة أسعار ملتهبة فيما الطريق مفتوحة لمزيد من الفقر والشقاء. ويأتي ذلك في حين لم تتخذ الحكومة حيال رفع الدعم عن المشتقات النفطية أي إجراءات احترازية ووقائية لصالح المواطنين, فهي لم تقم بزيادة الأجور والمرتبات أو تقديم معونات نقدية في رفع مخصصات الضمان الاجتماعي, علاوة عن ذلك فهي لم تفعل الخدمات الحكومية لمواجهة تحدي ارتفاع الأسعار ومعدلات التضخم,فضلا من أنها لم تشرع إلى بناء الآلف الشقق السكنية وخاصة للفقراء وذوي الدخل المحدود,كون مثل تلك الخطوة ستوفر جزءا من الأموال التي يدفعها هؤلاء المعوزين والفقراء على إيجارات السكن. وتوجه أوساط اقتصادية وبرلمانية انتقادات حادة للحكومة من أنها شديدة البذخ في الإنفاق الحكومي مقابل التقتير على مواطنيها، في حين كان يفترض أن تقلل الحكومة مصاريفها على الأقل لصالح الناس,حيث أدى التوسع الكبير في الإنفاق إلى تسجيل عجز قياسي في الموازنة العامة للدولة للعام المالي 2009، حيث وصل إلى 541 مليار ريال، وفقا للبيانات المقدمة من البنك المركزي، وبنسبة 9% من الناتج المحلي الإجمالي، مقابل عجز في عام 2008 بلغ 220 مليار ريال وبنسبة 3.8%. وحذر الخبير الاقتصادي عبد الغني الارياني من الإنفاق العبثي للحكومة كاشفاً إنها أنفقت ثلث الموازنة خلال الربع الأول من العام الجاري.كما يعد ذلك احد الأسباب التي أدت إلى تدهور سعر صرف العملة الوطنية أمام الدولار الأمريكي,حيث وصل الريال إلى أرقام قياسية أيضا تجاوزت حدود التعاملات المتداولة في سوق الصرافة(222ريالا للدولار الواحد). كما أن الفجوة بين الرواتب وتكاليف المعيشة والأسعار تزداد اتساعا في اليمن مع تنامي ظاهرة الغلاء في أسعار المواد الغذائية والخدمية, في مقابل ثبات إستراتيجية الأجور والمرتبات في مرحلتها الثالثة عند نقطة التوقف وعدم الدوران للأمام,إلى جانب أن الحكومة لم تقر أي زيادة أو علاوات في المرتبات مع أجراءتها في رفع ماتبقى من الدعم عن المشتقات النفطية. الحسابات تقول إن استراتيجية الأجور والمرتبات في اليمن لغز محير وأزمة شائكة، أزمة أدت بالناس للتظاهر والإضراب عن العمل والاحتجاج بكل الطرق في عدة قطاعات ومرافق، أزمة لم تعد قاصرة على أصحاب الدخول المحدودة بل تعدتهم إلى فئات لم يكن من المتصور أنها ستمسهم كالأطباء وأساتذة الجامعات وكبار الموظفين. كلمة السر تكمن في مستويات التضخم المتعاظمة التي تتجاوز13%, والتي تعني مباشرة التهاب الأسعار, ناهيك عن ضعف منظومة الأجور في الأساس مما أدى لعدم شعور الناس بأي أثر لأي زيادة ولو محدودة على رواتبهم لأن ارتفاعات الأسعار باتت تفوقها بمراحل بلغت حد الخطر. الوضع الاقتصادي تقول ارقامة إن مستويات الدخول في اليمن التي تصنف من أكثر الدول فسادا في الشرق الأوسط, حيث يعيش فيها ما يقرب من نصف السكان على دولار واحد في اليوم,وان7.7% من السكان يعيشون على اقل من دولار في اليوم,وبالتالي فان مرتب الموظف العادي الذي يتقاضى( 25ألفاً),أو حتى الموظف الذي يتقاضى(50 ألفاً), لم تعد تكفيه لتغطية متطلبات الحياة من تعليم وعلاج ومسكن وغذاء. ووسط هذه الصورة تأتي اتهامات كثيرة إلى نظام الأجور المعمول بة بوصفة قد صار أحد العوامل التي تزيد الفقراء فقرا والأغنياء غنى، فمع رفع الحكومة يدها عن دعم أسعار السلع والخدمات الأساسية, أصبحت إستراتيجية الأجور في مرحلتها الثالثة والذي تقول الحكومة إنها ستبدأ تنفيذها في مارس من العام القادم ربما غير قادرة على اللحاق بالقفزات الصاروخية في مستويات غلاء المعيشة.