أرسل اللهُ محمداً – صلى الله عليه وآله وسلم - هادياً ومعلماً, بشيراً ونذيراً وسراجاً منيراً, وجعله رحمة للعالمين, فكان رحمة للإنسان والطير والحيوان وسائر المخلوقات قال تعالى: " وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين" أساء المشركون إليه فكان يقول: " اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون", وبعد سنوات من المعاناة والإيذاء والحرب عليه, يدخل مكة فاتحاً منتصراً ويخاف أعداؤه بالأمس من انتقامه منهم, فيأتون معتذرين فيقول لهم: " لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين ". كان يدخل في الصلاة ويحب أن يطيل فيها, لكنه يسمع بكاء الطفل فيتجوّز في صلاته رحمة بالطفل وأمه, ودخل أعرابي مسجده - وكان جاهلاً بحرمة المسجد وآدابه – فبال في زاوية منه, فغضب الحاضرون وانتهروه, فقال لهم صلى الله عليه وسلم: " لا تقطعوا درة أخيكم ", وأمرهم أن يصبوا على بوله دلواً من الماء ليتطهر المكان وتذهب الرائحة - وكان المسجد مفروشاً بالحصى - ترى كم يختلف الناس اليوم وترتفع أصواتهم في المساجد على قضايا جزئية هي أقل بكثير من فعْلة ذلك الأعرابي !! أمر - صلى الله عليه وآله وسلم – بأن يرحم الكبيرُ الصغيرَ, وأن يُوَقّر الصغيرُ الكبيرَ, وأن يُرعى للعالم حقه, وذات مرة قبّل الحسن أو الحسين رضي الله عنهما – وكان عنده الأقرع بن حابس – فاستغرب منه ذلك وقال إن لي عشرة من الولد ما قبّلت أحداً منهم, فقال له: "من لا يرحم لا يُرحم " إن رحمة الرسول الكريم تعدّت الإنسان وشملت الحيوان فبين صلى الله عليه وسلم أن امرأة دخلت النار في هرة ربطتها ولم تطعمها ولم تدعها تأكل من خَشاش الأرض حتى ماتت . لم يضرب النبي صلى الله عليه وآله وسلم طفلاً أو خادماً أو زوجة, ولم يُنَكّل بأعدائه حين قدر عليهم, ولم يبن سجوناً لمخالفيه, وكان بعد أي معركة يفتح الباب لفداء أسرى الحرب, وقد تكون الفدية محو أمية عدد من المسلمين !! نتذّكر اليوم هذه المعاني وذلك الخلق العظيم ونشعر كم هي الحاجة لنتعلم, وتتعلم البشرية جمعاء معاني الرحمة والعفو والصفح والبعد عن الانتقام, ولاسيما من القوي مع الضعيف , ومن المنتصر مع المهزوم , ومن صاحب السطوة مع الضعفاء والعامة, ومن الحاكم مع المحكوم, والمسئول مع مرؤوسيه, والغني مع الفقير, والكبير مع الصغير, والضابط مع الجندي, والمدرس مع الطالب, والطبيب مع المريض, ومن رب الأسرة مع أفراد العائلة ... سنظل نتوق لمعرفة شمائل رسولنا الكريم والإقتداء بأخلاقه وسلوكه , وبهذا نظهر حبنا له وتعلقنا به وتأسّينا بصفاته وحرصنا على اتباع منهجه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً " لقَدْ جَاءَكُم رسولٌ من أنْفُسكم, عزيزٌ عليه ما عنتّم, حريصٌ عليكم, بالمؤمنين رءوفٌ رحيم " من همزية أمير الشعراء أحمد شوقي مادحاً رسول الله صلى الله عليه وسلم: فإذا سخوت بلغت بالجود المدى وفعلت ما لا تفعل الأنواءُ وإذا عفوت فقادراً , ومقدّراً لا يستهين بعفوك الجهلاءُ وإذا رحمت فأنت أُمٌّ , أو أب هذان في الدنيا هما الرُّحماءُ وإذا غضبت فإنما هي غضبة في الحق, لا ضغْنٌ ولا بغضاءُ