كأنما أنت أمام قصة أساطير ينسجها الخيال "هكذا يبدو لك المشهد عند الوهلة الأولى، لكنه سرعان ما يتحول بعدها إلى حقيقة معاشة وأنت تستمع إلى روايات الجيران وتشهد بأم عينيك الحدث. لا يحتاج الأمر إلى كثير من العناء، فما أن تلج الحي لتسأل أحد ساكنيه عن شأن هذه الأسرة تجد من ينبري لك بالحديث بلغة الواثق ممسكاً بيدك بإحدى يديه وفي الأخرى إيماءة حديث: "هناك عند تلك العمارة المكونة من أربعة طوابق تعيش الأسرة في الدور الرابع في الشقة المطلة على الجهة الغربية". وبدهشة يحدثك محمد أحد سكان الحي:"تخيل منذ16 عاماً لم تر هذه الأسرة النور". يبدو المكان في محيط الشقة موحشاً لزائريه بعد أن مضى قرابة 16 عاماً منذ أن أغلقت الأسرة على نفسها الباب لتعيش تحت الحصار الذاتي والانغلاق على نفسها داخل شقة في عمارة وحدة وديع حداد السكنية بمديرية المنصورة ولأسباب اجمع الكل على أنها نفسية. تتكون الأسرة الحبيسة من شابين ووالدتهما الأول يدعى (بسام – 21 عاماً) والآخر يدعى (م.أ -17عاماً) والثلاثة جميعهم حبسوا أنفسهم فيها رافضين الخروج منها وممارسة حياتهم الطبيعية أو حتى فتح الباب أو الظهور من الشرفات لتبادل التحية مع الجيران. أثناء تقصي هذه الحالة الإنسانية من الجيران تبرز لك بعض الإجابات التلقائية من الأهالي تفيد بأن الأم تعاني من حالة نفسية وأن الشابين تعرضا لصدمة نفسية في الصغر وتعرضا لترهيب وتخويف بحكم سنهما في تلك الفترة، هكذا يقول البعض بينما الأرجح هو أنهما يعانيان من مرض نفسي وراثي.. بينما آخرون يقولون إن العزلة أفقدت الشابين قدرة التخاطب, فعندما يستشعران بنقص الغذاء ونفاده يقومان ووالدتهما بإشعال الحرائق في شرفة الشقة كإشارة نجدة تدل على حاجتهم للطعام. وأمام هذه الحالة فإن ما يبدو مستغرباً إن مسئولين في السلطة المحلية والأجهزة الأمنية على دراية تامة بوضع هذه الأسرة المنكوبة.. كما أن مترشحين للانتخابات النيابية والمحلية قاموا بزيارات ميدانية أثناء حملاتهم الانتخابية في الحي لكن جميعهم لم يحركوا ساكناً في محنة هذه الأسرة. يشير أهالي الحي إلى أن الأم والشابين تغيرت أشكال أبدانهم وكبرت أظفار أناملهم وكذا شعر رؤوسهم طوال 16 عاماً من العزلة عن المجتمع. مصادر خاصة قالت إن الأم ظهرت من بلكون المنزل قبل خمسة أعوام وهو آخر ظهور لها تتحدث بشكل مطول مع أحد الجيران "امرأة" وتطلب منها أن يتم إيصال مأساتها إلى رئيس الجمهورية، كما طلبت أن يقرر لها الرئيس مرتبا شهريا وبناء منزل لها ولأولادها بعيداً عن الأحياء السكنية وهي لا تريد لأبنائها أن يختلطوا مع أقرانهم. وأشارت المصادر إلى أن الأم قالت في ذلك الوقت إن ابنها الأكبر مقعد لا يستطيع الحركة ووصفته بأنه (عظام). وحذرت الأم في الوقت نفسه أن يتم إعطاؤها أي شيء كمعونة شخصية ولكنها تطلب أن تخصص لها مساعدات من الدولة. ويشير الجيران إلى أن الأم تقوم برمي أي طعام يتم تقديمه لها عبر بلكونة المنزل من أي شخص باستثناء امرأة تسكن بالقرب منها وهي من تقوم بإقناعها عبر النافذة أن ما يقدم لها هو من الحكومة وليس من شخص حتى لا تقوم برميه، وهي وحدها هذه المرأة التي تقبل منها الطعام دون أن تسمح لها بالدخول إلى المنزل. أحد سكان الحي المجاور للمنزل الذي تسكنه هذه الأسرة كشف عن عملية اقتحام للمنزل تمت قبل سبع سنوات من قبل شرطة القاهرة بتعاون الأهالي بعد ان أخبرت الأم تلك المرأة بأن احد أبناءها أصبح مقعداً عن الحركة طريح الفراش. وأثناء محاولة الأمن اقتحام المنزل قامت الأم بالتصدي لهم بعصا بيدها بينما كان أحد أبنائها بحسب رواية الأهالي يحمل مسدساً ما دفع بالأمن إلى الانسحاب وأغلق الباب على الأسرة كما كان. أغلقت الأم بابها بعد ذلك ومنذ ذلك اليوم وبابها مغلق لا تقوم بفتحه وفي غالب الأوقات تقوم بالإحراق في النافذة الأمر الذي تعود عليه المواطنون المجاورون عند رؤيتهم الحريق بأن الأسرة بحاجة إلى الطعام. أثناء زيارتنا لمنزل الأسرة الأسبوع الماضي، خيل إلينا ونحن نقف أمام الشقة ان لأحد في المنزل من شدة الصمت المطبق وانعدام الحركة والصدى المعشعش على مقبض الباب من الخارج. فحاولنا طرق باب المنزل وعند رد الأم علينا طلبنا الإذن بالدخول للحديث مع احد ابنها"بسام"غير ان طلبنا قوبل بالرفض من قبل الأم التي ردت علينا من داخل الشقة، طالبة منا المغادرة من أمام الشقة. واكتفت بالقول عند سؤالها عن سبب عدم الخروج من المنزل أو السماح لابنيها بالخروج:"بأن خروجهم من المنزل لن يتم إلا بعد إتمامها تأليف الكتاب الثالث وتطبيق خارطة الطريق". كانت تتحدث بطلاقة غير أن حديثها كان يوحي بوجود مشاكل ومعاناة مرض نفسي. وفي بادرة إنسانية قال الأهالي إنهم على أتم الاستعداد لإخراج الأسرة لكنهم طلبوا وجود الجهات المختصة إلى جانبهم. د.حسين العمراني أفاد إنه على استعداد لمساعدتهم على العلاج لكن الدور الأساسي الذي يريده - حسب قوله- هو أن يقف الأب إلى جانبهم لأجل إخراجهم والتخاطب معهم كون القوة لا تفيد معهم بشيء. بينما عبر الدكتور العمراني عن استيائه لطول الفترة التي مروا بها دون أن تجد معالجات عقلانية من قبل رجال اختصاصيين حيث إن هذه الحالة لا تقبل القوة أو التفاوض من قبل أشخاص لا يدركون كيفية التعامل مع أصحاب هذه الحالات حد قوله، داعياً الأهالي المقربين من الأسرة وأبناء الحي إلى وقفة جادة لسرعة تلافي هذه الحالة. وقال الأهالي بحي وديع حداد السكني بالمنصورة إن معين العاقل عضو المجلس المحلي بادر بكثير من الوقفات إلى جانب الأسرة وتردد باستمرار لأجل السؤال عن حالها، كما دعوا جهات الاختصاص إلى الوقوف إلى جانبه ومساعدته وتسهيل محاولات إخراجهم من هذا المستنقع المعيشي الذي دام 16عاماً. يشير معين العاقل عضو المجلس المحلي بالقول أن جيران المنزل يبلغونه دوماً عند سماعهم صراخ الشبان أثناء الليل وهو ما يوحي بأنهم بدون طعام.. مشيراً إلى أن الأسرة تحتاج إلى راع يستمر في إطعامها عبر جارتهم الوحيدة التي تثق بها الأم وتخبرها بأنها مساعدة رسمية من قبل الدولة نظراً لرفضها تقبل المساعدة الإنسانية. ولفت العاقل إلى أهمية سرعة المبادرة بهذا العمل الإنساني الذي سيكسب المتبرع به أجراً كبيراً. وفي لقاء مع"الصحوة نت" يروى المواطن وضاح سعد أبو سياف أحد أهالي الحي تفاصيل اقتحام المنزل قائلاً:"إن عمليه الاقتحام تمت بعد كسر الباب الرئيس للشقة وعند الدخول قام الابن الأكبر بتوجيه مسدس إلى صدورهم. ويشير أبو سياف إلى أنهما قررا الانسحاب بعد سؤالهم عما يريده فأخبرته الأم أن مطلبهم باب حديد حتى لا يتمكنوا من الدخول إلى الشقة مرة ثانية وطلبت منهم إرجاع المواطنين المتجمهرين أمام بوابه الشقة. يتذكر أبو سياف أنه بعام 1991م حينما كان يدرس أحد الشبان المعزول مع شقيقه في المنزل ويدعى"بسام" بفصل ثالث ابتدئي حينها كان طالباً مثابراً ومجتهداً، ولكنه كان منعزلاً عن أصدقائه وفي خلال فتره قصيرة اختفى عن أنظار طلاب مدرسه سعيد ناجي التي كان يدرس فيها. وقال وضاح:"بأنه عندما اقتحم المنزل برفقة الأمن كان ينظر له بسام بغضب احتجاجاً على قيامه كسر باب الشقة وشعر بذلك الوقت بمعرفة بسام له لكونه عند دخوله قبض على المسدس وكان بنفس الوقت يحذر من عدم الاقتراب منه وهو ينظر إلى الأرض ويدور حول نفسه لكن أمه أوقفته من العدول عن قراره بعد ان وضع بسام حدا له وهو دباب الماء ولم يكتفي بسام بذلك فقد حذر أبو سياف من الخروج من المنزل وإعادة الباب مثل ما كان في السابق.. واستغرب وضاح من تغير ملامح صور الأسرة قائلاً:"كانت أشكالهم مخيفه بشعر وأظافير طويلة وأجساد نحيلة". مدير عام مديرية المنصورة أحمد حامد وفي تصريح له بشأن الأسرة أفاد بأن أفرادها يعانون من مرض نفسي قائلاً:"حاولنا التواصل مع الأسرة عبر بعض الشخصيات الاجتماعية والجيران إلا أننا لم نتمكن من الوصول إليهم لرفضهم التفاهم مع الآخرين وبالتالي فإننا نجد صعوبة كبيرة في إيصال أي مواد غذائية بين الحين والآخر ونضطر لاحقاً التواصل مع أحد أقربائهم إن وجد. بينما العقيد ركن الخضر دهيس, عاقل حارة وديع حداد السكنية, أكد أن الأسرة لا تتعرض لأي مضايقة وان حالة العزلة التي تعيشها بدأت بالظهور عقب 94 ولم تعرف الأسباب والدوافع حول وضعهم. وقال دهيس في تصريح سابق لصحيفة "الأمناء" الصادرة بعدن عندما علمنا بوضعهم خصوصاً بعد أن تم اختياري عاقلا للحارة عام 2002 تم إبلاغ شرطة القاهرة عن وضع الأسرة وتم نزول الشرطة إلا أن أفراد الشرطة لم يعملوا أي شيء وأحضروا أمرا من النيابة لاقتحام الشقة لمعرفة وضعهم الصحي والإنساني لمساعدتهم, إلا أنهم لم يفلحوا في ذلك واعتبروا أن هذه المسألة جانباً شخصياً ولعدم وجود أي شكوى ضدهم. وأضاف:"في عام 2005 كان هناك تحرك ثان من إمام مسجد (المهاجرين) المحروق بعد أن أصر الأهالي على ضرورة مساعدتهم ومعرفة ما هي مشكلتهم, وقمنا نحن والإمام وعددا من الأهالي بالتنسيق مع ولي أمرهم (الأب) وأجمعنا على ضرورة أن يقوم الأب (أ.م.ص) بمساعدتنا فأبدى استعداده للتعاون معنا وقام إلى جانب أخيه وأقاربهم بفتح الباب ودخول الشقة إلا أنهم عادوا ولم يعملوا أي شيء لرفضهم الخروج. وعن الجانب المعيشي قال:"إن وضعهم سيء للغاية إنسانياً ومعيشياً وصحياً ولا ندري كيف حالتهم لرفضهم السماح بدخول الآخرين إليهم لتفقد أحوالهم (لا توجد لديهم أي ثقة بأي شخص للتعامل معهم), سوى والدهم يقوم بتزويدهم بالمواد الغذائية وينصرف للتو, وحاول أن يخرجهم من الشقة لممارسة حياتهم الطبيعية وإجراء الفحوصات اللازمة لهم إلا أنهم يرفضون ذلك. وأضاف دهيس:"إن الأهالي تحدثوا من قبل أنهم يسمعون أصواتاً تصدر من الشقة والله أعلم.. لكن لا توجد مشاكل أو أي شكاوى من الجيران وأعتقد أنهم لا يسببون أي إزعاج للجيران وعندما يتعرضون للجوع يعبرون عن طلبهم للمساعدة بواسطة إشعال الحرائق في البلكونة. وبنبرة حزينة قال:"بشكل عام وضعهم الصحي سيكون سيئا لعدم خروجهم إلى الشارع أو التعرض للشمس, وحقيقة فإن الحالة تفاقمت منذ عشر سنوات. واختتم حديثه بالقول:"هذه الحالة خاصة واستثنائية ولا يقتصر الدور حيالها على المجلس المحلي فقط بل على جهات عدة رسمية واجتماعية وأسرية, كما نحن على استعداد للقيام بأي قضية وبيوتنا مفتوحة لسماع أي شكاوى وسنقدم ما نقدر عليه".