عشية انعقاد المؤتمر الوزاري لأصدقاء اليمن في لندن ،نشر نائب رئيس البنك الدولي مقالاً أشار فيه حاجة اليمن السريعة إلى ترجمة وعود المانحين وتحويلها إلى حقائق معاشة على الأرض حتى يلمس المواطن اليمني نتائج هذا الدعم لكي يكون عامل دفع إيجابي لمسار التسوية الداخلية .. وهي نفس النتائج التي أكد عليها السيد وليم هيج وزير الخارجية البريطاني عقب اختتام أعمال المؤتمر منذ يومين بتجديد دعم الأسرة الدولية لليمن وذلك في إطار مساعيه لتحديد خياراته في التنمية والاستقرار. والحقيقة فإن تأخر انسيابية تدفق مساعدات المانحين المالية يعد إحدى الإشكاليات القائمة أمام الحكومة ، حيث أن حجم تسديد هذه التعهدات لم يصل حتى الآن إلى سقف 20 % وذلك من إجمالي التعهدات البالغة قرابة 8مليارات دولار ، في وقت تحتاج فيه اليمن لسد الفجوة التمويلية لخططها الإنمائية خلال الفترة القصيرة القادمة إلى أكثر من 11مليار دولار وذلك حسب تقديرات المسئولين اليمنيين. إجمالاً فإن مؤتمر أصدقاء اليمن في لندن قد خرج بنتائج إيجابية لجهة حث المانحين بضرورة سرعة الوفاء بتسديد التزاماتهم تجاه اليمن ، فضلاً عن رسائل عديدة أكدت في مضامينها على تجديد وقوف الأسرة الدولية مع وحدة واستقرار وسلامة الأراضي اليمنية والتحذير من مغبة التدخل في شئونه الداخلية واستمرار دعم ما تبقى من المرحلة الانتقالية ورعاية الحوار الوطني الشامل المزمع بدء انطلاق فعالياته في ال 18 مارس الجاري. وفي كل الأحوال ، فإن الإشارات الإيجابية التي أطلقها مؤتمر لندن في اتجاه دعم ومساندة اليمن وهو يخطو حثيثاً نحو صياغة عقد اجتماعي جديد يقوم على مبادئ العدل والحرية والمساواة .. هذه الإشارات تؤكد – بما لا يدع مجالاً للشك – بأن ثمة إجماعاً أممياً على مساندة اليمن ، الأمر الذي هو مدعاة اعتزاز وفخر كل اليمنيين، وبالمقابل سند لكل الأطراف السياسية وهي تشرع الدخول إلى معترك الحوار الحضاري بما يتطلبه من الحرص على أن تضع هذه القوى نصب عينيها مصالح الوطن العليا والعمل بجدية لإخراجه من أسر تداعيات الأزمة .. وهو أمر يتطلب كذلك – دون شك – قدراً كبيراً من مواجهة النفس بأهمية الانتماء إلى مصالح الناس دون الالتفات إلى مآسي الماضي والتطلع إلى المستقبل بنظرة يملؤها التفاؤل دون أن ينتقص ذلك من صدقية الطرح ووضوح الرؤية ومنطق المصارحة والشفافية حتى يكون مؤتمر الوطني آخر أحزان اليمنيين ، خاصة وهو يؤسس لقيام الدولة اليمنية الحديثة وفقاً لمعايير ومبادئ يرتضيها الجميع دون إقصاء أو تهميش. وإذا ما عرفنا أن الإجماع الأممي الذي تحظى به اليمن إنما يمثل الضمانة الأكيدة لمساعدة هذه الأطراف السياسية لإعادة اكتشاف أهمية اللحظة التاريخية الاستثنائية التي يعيشون تفاصيلها اليوم ، حيث سيكون من سوء التقدير تفويتها بالانصراف إلى رهانات خاسرة وحسابات ضيقة ستقود الجميع – بالتأكيد – إلى متاهات الاحتراب الذي كاد اليمنيون بعبقريتهم – حتى الآن – من تجاوز الوقوع في مآلاته الخطرة وتجنيب الوطن كذلك مغبة السقوط في سياقات التشظي والتجزئة التي لن يسلم منها حتى أولئك الذين هم خارج الرقعة الجغرافية لهذا البلد. لعل تلك كانت أبرز مخاوف ما بعد مؤتمر لندن على الرغم من كل نتائجه المثمرة ووقفاته المؤيدة لخيارات اليمنيين في استنهاض قدراتهم وإيجاد الحلول الناجعة لكل مشكلاتهم مهما كانت..فهل يستطيع اليمنيون استلهام تلك الحقائق التي أفرزتها مرحلة ما بعد هذا المؤتمر؟!