بين اتفاقية الدوحة الموقعة في العام 2008 وإعادة إحيائها في العام 2010 أكثر من عامين، لكن خلال هذه الفترة الوجيزة نشبت حربان متعاقبتان(خامسة وسادسة) في حين تكاد السابعة تتفجر في أية لحظة. الهدنة والاتفاقات بين السلطة والحوثيين لم تتم عبر وساطة خارجية وحسب بل وعبر وساطات داخلية أيضاً، من خلال لجان عديدة ُشكلت من مختلف الشخصيات الاجتماعية والقبلية والبرلمانية والعسكرية، لكنها لم تفلح جميعها في إخماد الفتنة وتسوية الخلافات بين طرفي الصراع وإخراج محافظة صعده من محنتها، وانتشالها من دائرة التجاذبات والاستقطابات ودورات العنف المسلح الذي أخذ في التمدد خارج صعده منذ الحربين الخامسة والسادسة. وفي سياق الاستعداد لما يبدو أنه حرب جديدة، استطاع الحوثيون فرض سيطرتهم وانتزاع حرف سفيان من يد السلطة، وبذلك يكونون قد ضمنوا قطع خط الإمداد القادم من صنعاء إلى الجيش في صعده، والذي شرع في إخلاء مواقعه ربما ليفسح المجال لسلاح الطيران- عند صدور التوجيهات- ليقوم بمهمة تهيئة الأرض قبل أن تعاود القوات البرية زحفها. نقاط جديدة في أعقاب سقوط اللواء 72 حرس جمهوري بيد الحوثيين وتمكنهم من دحر قبائل بن عزيز وفرض سيطرتهم على الحرف، وجهت السلطة رسالة جديدة للحوثيين متضمنة ستة نقاط طالبتهم بالامتثال لها، تضمنت: إزالة التمترس وفتح الطرقات، وإطلاق العسكريين المحتجزين، وإعادة المنهوبات، وعدم التعرض لمنازل وممتلكات الشيخ بن عزيز وأصحابه، وعدم الاعتداء على قرى المراش في الجوف، ووجهت الرسالة الوسطاء للعمل على المصالحة بين أهالي مجز وضحيان، وأكدت على مواصلة الحوار لتنفيذ ما تبقى من البنود الستة، وأن خيار الدولة هو السلام لا الحرب. لكن يبدو أن الحوثي لم يأبه للرسالة ولما جاء فيها، ولم يكلف نفسه حتى عناء الرد عليها، وهو ما جعل اللجنة الأمنية العليا تُحمله تالياً ومن يقف وراءه مسئولية خروقات اتفاق وقف إطلاق النار، والنتائج المترتبة على تلك الخروقات، فيما وجه الرئيس انتقادات لاذعة للحوثيين وقال بأن ما يقومون به يأتي ضمن أجندة خارجية، وهو ما يوحي بفشل فكرة إحياء الوساطة القطرية، في الوقت ذاته، دعا ما يسمى بالتحالف القبلي بمحافظة صعده مشايخ ووجهاء المحافظة إلى التنبه للسياسة الحوثية التي قال بأنها تهدف إلى تفكيك الروابط القبلية لإنجاح مشروع الإمامة، وقال التحالف في الرسالة الموجهة إلى أعيان صعده إن الحوثيين عمدوا إلى تصعيد الخلافات بين أبناء القبائل واستهدفوا رموزهم. ومهما يكن الأمر، فاللافت أن النقاط الجديدة التي تضعها السلطة عقب كل أزمة بينها وبين الحوثيين تظهر فيها السلطة أضعف من ذي قبل، ومن اتفاق إلى آخر تبدو السلطة في وضع بائس لا يسمح لها بفرض ما تريد من اشتراطات أو مطالب بقدر ما يجعلها تمارس سياسة الاستجداء، وفي الوقت الذي يتراجع الموقف التفاوضي للسلطة خطوة إلى الوراء يتقدم الموقف ذاته خطوات للأمام بالنسبة للحوثيين، وتغدو البنود الجديدة التي تضعها السلطة مجرد تحصيل حاصل، إذ يتوقف تنفيذها على رغبة الحوثي من عدمها، لذا وجدنا السلطة تناشد القطريين التدخل لدى جماعة الحوثي تنفيذ بنود اتفاقية الدوحة التي وصفتها من قبل بأنها جعلت من الحوثيين يظنون أنفسهم نداً للدولة، وبالتالي فقد كانت خطأ من هذه الناحية! بالرغم من أن اتفاقية الدوحة ضمنت آنذاك أفضل الشروط للسلطة، ولو لم يكن فيها إلاّ خروج عبد الملك الحوثي والرزامي إلى قطر وإعادة إعمار صعده على نفقة القطريين لكفى، ولكن السلطة فوتت على نفسها- بقصد أو بدون قصد- فرصة ثمينة، وذهبت تنسف اتفاقية الدوحة بدلاً من البناء عليها بمعية القطريين أنفسهم. الوساطة القطرية الوساطة القطرية الجديدة لم يجر تفعيلها كما يجب، واقتصرت على العمل الدعائي فقط، وعلى ما يبدو فقد جرى استدعاءها وفق حسابات إقليمية خاصة بالسلطة، حتى أن القطريين أنفسهم لم يلمسوا جدية يمكن الوثوق بها لدى الأطراف الموقعة، وهو ما جعلهم يرحلون سريعاً مثلما أتوا سريعاً ولا يقومون بأي عمل فوري من شأنه إعادة إحياء اتفاقية الدوحة بالشكل المطلوب، بل إن البند السادس المتعلق بالسعودية أجهض محاولة استئناف الوساطة، وزاد من توجس القطريين في أن يكونوا ربما وقعوا من حيث لا يدرون في ورطة أو مكيدة قد تسيء لعلاقتهم بالسعودية، وهو ما جعل أمير قطر يسارع إلى لقاء العاهل السعودي بمجرد مغادرته صنعاء لتوضيح الأمر، فيما صرح وزير خارجية قطر بأنهم غير معنيين بالنقطة السادسة التي حاولت صنعاء إدراجها في اتفاقية الدوحة، على اعتبار أن أمر كهذا هو شأن يمني ومشكلة يمنية على صنعاء معالجتها بنفسها مع الحوثي دون أن يتم إقحام المملكة وجعلها طرفاً في نزاع داخلي، علاوة على ذلك، فالقطريون ربما أحسوا بأن استدعاءهم مرة أخرى كان بغرض الحصول على أموال المخصصة لإعادة الاعمار في صعده، والتي كانت قطر تعهدت بها من قبل، ومناشدة السلطة القطريين كي يتدخلوا لدى الحوثيين لتنفيذ النقاط الست يشي بتراجع الوسيط القطري وعدم حماسته للوساطة نتيجة شعوره بالإحباط من عدم جدية الأطراف المعنية. التحالفات القبلية كأدوات صراع التحالفات القبلية التي تم نسجها بين مختلف الأطراف في صعده تنذر بحرب ذات بعد قبلي ستختلف حتماً عن سابقاتها من الحروب، لكنها ستستنزف قوة القبائل وتُحي الصراعات الغائرة في النسيج الاجتماعي القبلي لتضعف شوكتها وتغدو فيما بعد لقمة سائغة لقوى صاعدة طامحة تزداد قوة وعنفواناً، وتحتفظ بقدرة كبيرة على السيطرة والتحكم وفرض الشروط الصعبة. في الوقت نفسه، فإن إنهاك الأطراف المتقاتلة يظل هدفاً بحد ذاته للإجهاز عليها جميعاً، أو على الأقل إضعافها وتهميشها والحد من نفوذها، والأهم من ذلك تحويلها من شريك إلى تابع، وبقدر ما يتم إضعاف تلك الأطراف قبلياً يتم إضعاف امتداداتها البنيوية داخل السلطة، لكن القوى الصاعدة والبديلة التي تكافح لبسط هيمنتها وفرض مشروعها ستحل محل تلك القوى التي يجرى إضعافها وربما إزاحتها لصالح مراكز النفوذ الممسكة بمقاليد السلطة، حينها ستجد هذه الأخيرة نفسها في وضع لا يسمح لها بغير تقاسم النفوذ والسلطة والثروة مع تلك القوى الجديدة الطامحة والصاعدة بقوة.