مثلت ظاهرة الغش في الامتحانات طوال السنوات – خاصة امتحانات الشهادة العامة- تحدياً كبيراً في بلادنا، واساءة كبيرة للعملية التعليمية، غير أنها هذا العام ترافقت مع ظاهرة العنف، فيما اعتبره مراقبون رداً على الإجراءات الجديدة التي اتخذتها وزارة التربية والتعليم لمحاصرة هذه الظاهرة المؤرقة. في كل عام تصدر الجهات المعنية احصائيات لحوادث الغش، ونقل المراكز الامتحانية بسبب الفوضى، لكن هذا العام ظهرت مؤشرات العنف في حوادث سببها الغش، فيما لا تزال الامتحانات جارية. كانت وزارة التربية والتعليم جادة أكثر من أي وقت مضى في انهاء ظاهرة الغش، فعمدت إلى اتخاذ 10إجراءات لمنع الغش في الامتحانات، أبرزها توزيع نماذج مختلفة لأسئلة الامتحانات، واعتماد خطة أمنية هدفها حماية مراكز الامتحانات لمنع التجمهر أمامها وتسريب الغش إلى الداخل، كما عملت على اختيار مديري المراكز وفقاً لمعايير محددة تقوم على أساس الأمانة والانضباط، واستبعاد كل من ثبت بحقهم تجاوزات، إضافة إلى إصدار رقم الجلوس على شكل بطاقة إلكترونية تحوي اسم وصورة كل طالب لا يتم الدخول إلا بها لمنع عملية الغش باستبدال طالب بآخر. وعلى الرغم من التحسن الكبير، وتحقيق نتائج ملموسة نتيجة هذه الإجراءات، إلا أن هناك حالات غش تم رصدها في عدد من المحافظات، لكن ما برز إلى السطح هو ترافقها مع اختلالات أمنية نتيجة سعي عناصر لفرض الغش بالقوة، وتنوعت أشكال ومظاهر الغش في الامتحانات هذه المرة بين اقتحام مراكز الامتحانات، وتسرب دفاتر الإجابات إلى خارج قاعات الامتحانات، والاعتداءات على رؤساء اللجان والمراقبين، ونشوب فوضى ومشاغبة وتجمهر خارج المراكز، وصلت إلى حد القتل. السبت الماضي مدرس اللغة الإنكليزية "عارف عبدالله الحاج" (42 عاما) لقي مصرعه في مركز خالد بن الوليد الامتحاني بمديرية المقاطرة لمحافظة لحج، برصاص طالب كان يؤدي امتحانات الثانوية العامة، فيما كانت هناك محاولات واسعه للغش الجماعي في مديرية "الحوطة" بالمحافظة نفسها، أدت الى تأجيل امتحان مادتين. وفي محافظة الضالع أطلق مسلحون النار على مركز الرويشان الإمتحاني، ما أدى الى إصابة أحد الطلاب بطلق ناري في الصدر، وجرى نقله إلى المستشفى لتلقي العلاج. وفي مدينة شبام كوكبان بمحافظة المحويت ألقى مسلحون مجهولون قنبلة عند مدخل مركز "الزهراء" الامتحاني لكن الحادث لم يسفر عن سقوط ضحايا، كما حدث في وصاب العالي بمحافظة ذمار عندما أقدم طالب في المرحلة الثانوية بالاعتداء على مدرس بالضرب أثناء تاديته للامتحان النهائي وقد أقرت اللجنة الفرعية للامتحانات بمحافظة ذمار معاقبة الطالب بحرمانه من الدراسة و الامتحان عام دارسي كامل. أما في وصاب السافل في ذمار فقد كانت الصورة أكثر غرابة حينما أكدت مصادر أمنية بالمديرية أن الطالب هشام. ع. د أقدم على الانتحار شنقاً مدفوعا بإحساسه بالفشل في أداء امتحانات الشهادة الأساسية بسبب تشديد الرقابة. وفي محافظة ذمار أيضاً قالت مصادر إن الأجهزة الأمنية ألقت القبض الثلاثاء على طالبين حاولا تفجير مركز وثن الامتحاني بمديرية مغرب عنس بقنبلة يدوية الصنع بعد أن منعهما المراقبون من الغش خلال امتحان الرياضيات بشهادة الثانوية العامة، وتم إحالة الطالبين إلى الأجهزة المختصة كما تم حرمانهما من أداء الامتحانات بموجب قرار اللجنة الفرعية للامتحانات، كما قررت اللجنة نقل المركز الامتحاني للشهادة الثانوية العامة من مركز "وثن مديرية مغرب عنس" إلى مدرسة "الثلاثاء" بمدينة ذمار اعتبارا من يوم الأربعاء. ما سبق أمثلة على تجذر ظاهرة الغش طوال سنوات ماضية، وهو ما نتج عنه ممانعة من منع هذه الظاهرة، وصلت إلى اقتحام بعض المراكز بالقوة من قبل أولياء أمور لمساعدة أبنائهم في الغش مستغلين غياب الأمن، كما حدث في مدينة عدن وكثير من المحافظات وهو ما يؤكد نجاح الإجراءات المتخذة من قبل وزارة التربية هذا العام في التخفيف من ظاهرة الغش مقارنة بالأعوام الماضية التي كانت عملية الغش فيها. وحتى السبت الماضي رصدت وزارة الداخلية من خلال التقارير المرفوعة إليها من فروع وزارة التربية بالمحافظات 123 حادثة إخلال أمني وقعت في 11 محافظة من محافظات الجمهورية جاءت محافظة تعز في مقدمتها بعدد52حادثة. بينما رصدت وزارة التربية مئات المخالفات، وأكدت أن عشرات المراكز الإمتحانية تم نقلها، وإيقاف مدراء لجان، وتعليق إمتحانات، بسبب ظاهرة الغش التي ترافقت بالعنف، فضلاً عن التجمهر أمام المراكز الامتحانية، ومحاولة اقتحام بعضها، وحوادث الاعتداء على رؤساء اللجان والمراقبين. والعجب حينما يكون المعنيون بمنع ظاهرة الغش هم من يعملون على انتشارها ويعملون على تسهيلها، ووصل الحد إلى ممارستها والعمل على نشرها، فعلى السلطات أن تكون إجراءاتها أكثر صرامة، وهو ما حدث في مديرية عتمة بمحافظة ذمار، حين أقرت اللجنة الأمنية العليا، تغيير مدير أمن المديرية على خلفية مشاركته في الإخلال بأمن لجنة ومحاولته اقتحام مركز "7 يوليو" الامتحاني، ومساعدة عدد من الطلاب على الغش لأكثر من مرة، وإشاعة الفوضى في المركز، وتحوله إلى عامل مساعد على نشر الفوضى والغش. يعتقد مسئول الفروع في نقابة المعلمين اليمنيين وعضو اللجنة الإشرافية الوزارية على الامتحانات في محافظة ذمار ذياب المنتصر أن ما يجري في إصرار البعض على ممارسة الغش في الامتحانات ولو بالقوة يرجع إلى الخلفية التراكمية التي اعتاد البعض عليها لسنوات، خصوصاً حين كان يصل الأمر إلى تسرب أسئلة الاختبارات، ويذهب إلى أن الاجراءات المتخذة من قبل وزارة التربية حدت كثيراً من الغش، ما سبب احباطاً للفاشلين الذين لجأوا إلى استخدام القوة للوصول إلى الغش. ويوضح المنتصر أن الوضع هذا العام أفضل بكثير من الأعوام الماضية في الحد من هذه الظاهرة، لافتاً إلى أن الامتحانات هذا العام ربما انتقلت نقلة نوعية لم تكن متوقعة منذ سنوات، بفضل آليات ضبط الامتحانات في اللجان ورؤساء المراكز والمراقبين، لكنه قال يبقى بعض ضعفاء النفوس ومن ماتت ضمائرهم من التربويين والأمنيين –وهم قلة- ما زالوا يقترفون أسوأ فعل بحق التعليم بتسهيل الغش وممارسته أحياناً، مشدداً على اتخاذ إجراءات صارمة ضد هؤلاء. وأشار إلى تحسن عملية الامتحانات والحد من ظاهرة الغش، من خلال ما شاهده في محافظة ذمار، مشيداً بقيادة المحافظة وإدارة الأمن التي قال إنها تفاعلت إيجابياً وعملت على ضبط الامتحانات واتخاذ إجراءات رادعة ضد المخالفين ومن يسهلون الغش للطلاب، وصلت في بعضها إلى خصم راتب شهر على بعضهم. وتمنى على المجتمع أفراداً ومؤسسات، وفي مقدمتهم التربويون ورجال الأمن، أن تتعاضد جهودهم من أجل منع ظاهرة الغش، كما طالب وزارة التربية والتعليم أن تعطي المعلم الاهتمام المناسب، بتحسن أجور المراقبين ليقوموا بواجبهم على أكمل وجه، وأن تهتم كذلك بالطالب بتوفير المعلم والكتاب المدرسي، معتبراً ذلك عوامل مهمة تسهم في الحد من الغش في الامتحانات.