مازلت واثقاً بأن الله لن يخذل شعب مصر، وأن التضحيات التي قدمها ويقدمها أبناؤه لن تذهب سدىً، وأنه سيصل في نهاية المطاف إلى الأمن والاستقرار، وإرساء نظام للحكم يمتلك القدرة على التطوير والتغيير بطريقة سلمية سلسة وانسيابية، دون الحاجة إلى العنف أوالانقلابات أو المؤامرات الخارجية والكيد المحلي، وسينتهي الطيش والخِفّة التي طبعت تصرفات بعض المتعجلين والمتهورين! الكيد الداخلي والتآمر الخارجي في المشهد المصري لن يمضي دون ردود فعل - من الصعب التكهن بها - لكنها ستطال الضالعين في مصادرة حرية الشعب المصري وخياراته، وستترك آثاراً كارثية سيعاني منها المتآمرون والمتفرجون، وقد لا ينجو منها القاعدون والمتقاعسون في الداخل والخارج. ظلت الديموقراطية حديث الثلاثين عاماً الماضية، باعتبارها الحل الأرقى لمشكلات الشعوب، وأنها البديل للعنف الذي يسببه الاستبداد، ولكن بعد الزلزال المصري سيكون من الصعب إقناع الجيل الحاضر - وخاصة الشباب - بالديموقراطية في الوقت الذي يعيشون مذبحتها في ميادين مصر وشوارعها وسجونها، ولاسيما وهم يرون الدول الكبرى التي تدّعي دعمها للديموقراطية - وفي مقدمتها أمريكا - تقود الانقلاب العسكري وتؤازره وتحاول إيجاد الغطاء السياسي والدولي له، فهي لا تخجل من الزعم بأنها تؤيد الانتقال الدستوري للحكم في مصر من أجل ترسيخ الديموقراطية المذبوحة تحت أقدام العسكر؛ هكذا باستخفاف فجّ بعقول الناس؛ وكأنها تتحدث مع أحجار وجماد لا تفقه شيئاً، أو تغني للصمّ البكم، وترقص للمكفوفين، ولا تتعامل مع شعوب لديها من الحيوية والوعي والفهم ما يجعلها قادرة على التمييز بين الحقيقة والزيف، والماء والسراب، والأفعال والأقوال!! دول الخليج التي دعمت الانقلاب العسكري بقوة ووضوح، كان الأولىٰ بها أن تنأى بنفسها عن التدخل في شأن شعب مصر العظيم، ولاسيما أن تحديات كبيرة تنتظرها، فهي لا تحتمل ردود الفعل الغاضبة، وقد يأتيها الأمر من حيث لا تحتسب... ودولة مثل الإمارات تنعم بالثراء والاستقرار كان عليها أن تحافظ على مكانتها دون الحاجة إلى فتح جبهة مع ما تسميه بالإسلام السياسي، وهي مهما عملت فمن الصعب أن تلغي حركة الشعوب أو توقف دوران عجلة التغيير في مصر أو غيرها، وليس بالضرورة أن يأتيها الخطر من الخارج، فهي أضعف من أن تصمد أمام هزة مالية، أو انتفاضة شعبية، أو حتى هجوم إعلامي، ودوام الحال من المحال، والشعوب تتعلم من بعضها، والتغيير سنة الله في الحياة، ولا ينبغي الأمن من مكر الله،" فلا يأمن مكرالله إلا القوم الخاسرون ". لا شك أن المجازر التي ترتكب بحق المتظاهرين والمعتصمين في مصر اليوم لن تزيد الشعب المصري إلا إصراراً وصلابة، وعدم استسلامٍ للأمر الواقع، وذاكرة الشعوب تحفتظ بسجل لمن وقف معها أو تآمر عليها، ومن ناصرها أو عمل لإذلالها، أما المعاناة فلن تدوم والتسلط والاستبداد لن يستمر، فحيثما يوجد شعب يريد الحياة الكريمة، فلن يتمكن الطغاة والمتجبرون من إلغاء وجوده، أو شطبه من الخارطة السياسية والاجتماعية. ومع التآمر الواضح والظلم الغاشم والإعلام الخادع والمال المدنس، الذي يعمل لفرض خيار وحيد وطريق إجباري ذي اتجاه واحد، فلا مناص للمصريين من الارتفاع فوق الجراح، والتعايش والقبول ببعضهم؛ أحزاباً وطوائف وجماعات وفئات، ينبغي تجاوز الواقع المسنود بجنازير الدبابات وبيادات العسكر وأحقاد الماضي، فالشعب المصري العظيم سيقف على قدميه وسيخرج من المحنة، فمصر على موعد مع تاريخ جديد تضع فيه بصماتها وتأثيرها على كامل المنطقة، أما أولئك الذين يرقصون على جثث الشهداء ويشمتون بالمخالفين لهم من أبناء جلدتهم عليهم أن يضعوا خط رجعة، فلابد للعداوة من نهاية، ولُحمة الشعب المصري يجب أن تستمر بعيداً عن أهواء أصحاب المصالح، وأعمار الشعوب دائماً أطول من عمر الأفراد والجماعات. مع التقدير للإحساس بالألم والشعور بالضيم نتمنى على الطرف المظلوم أن لا ييأس ولا يلجأ إلى العنف والانتقام حتى وإن كان قادراً، عليه أن يستمر في مقابلة الإساءة بالإحسان، والخصومة بالوئام، والظلم بالتسامح، فمن ذاق مرارة الظلم والطغيان، عليه أن يحمل حب الخير ونسائم المودة، وبشائر الأمل لكل الناس... ورحم الله شاعر النيل حافظ إبراهيم: إذا الله أحيا أمة لن يردها .. إلى الموت قهار ولا متجبر! [email protected]