يوم بيوم ويمضي السيسي وحاشيته في مشروع تدمير مصر ومؤسساتها الوطنية، يحسن السيسي الإمساك بمعاول الهدم ويتقن نقض مصر حجرا حجرا. أجمع المصريون في 25 يناير 2011م على أن نظام حسني مبارك الطفولي يكاد يقضي على ما تبقى من مؤسسات مصر الوطنية ومقدراتها فكانت بداية ثورة مصر العظيمة. لكن الحق أن الرجل احتاج ليفعل ذلك إلى أكثر من ثلاثين سنة، فيما لم يحتج السيسي لفعل أضعاف ذلك سوى عشرين يوما فقط. بعد 30 يونيو أنهى السيسي وطنية المؤسسة العسكرية والمؤسسة الإعلامية والقضاء والأمن وقاد الجميع للخلف للوصول إلى عصر شوفيني غارق في هيستيريا القتل والإبادة وفي ساعات قليلة أسقط السيسي أيضا فناني مصر والكثير من أدبائها ليصرحوا بتصريحات نارية يعتقد سامعوها للوهلة الأولى أنها قادمة من عصور أوروبا الوسطى لولا ألوان الشاشات التي تبثها. لعلني لست وحدي في تفاجئي بتقلب القيم لدى الكثير من مؤسسات وشرائح مصر في أيام قليلة! متسائلا في الوقت نفسه هل يعود السبب إلى تسطيح لهذه القيم في وعي هؤلاء سابقا؟ بحيث كانت الشعارات والهتافات التي نسمعها من الميادين والشاشات ونقرأها مانشتات عريضة على صفحات الصحف كانت من قبيل تسويق الذات فقط! وليس إلا، بحيث سقطت لما وجدت هذه الذات نفسها مسوقا آخر لها وهو (معول السيسي). أعتقد أن السبب هو عدم نضوج العقل العربي عامة الذي رزح تحت حكم العسكر عقودا طويلة والذين استلموا هذ العقل نفسه من نير الإحتلال الاجنبي فكانت مراحل طويلة من العبودبة والذل وتزوير العقل الباطن وتربيته على التلذذ بالسادية الموجهة ضده، فكانت الحرية كالماء الذي يشربه هائم في الصحراء لأيام دون ماء ولاطعام يتحول الماء في بطنه إلى رماح تخزه وتؤلمه فلا يملك إلا أن يتقيأ وهكذا يبدأ العرب في تقيؤ الحرية بينما تمسك جيوشهم العتيقة على جنوبهم مساعدة على الإستفراغ. يحسن السيسي وأمثاله استغلال هذه الحالة، حالة التسطيح التي يتسم بها المواطن العربي بحيث لايفرق بين مشكلة ارتفاع سعر الخبز والبنزين وبين مشكلة انعدام الحرية والحياة في ظل العبودية والرسف بأغلالها، هذه القراءة البسيطة والتقييم القاصر للواقع السياسي ولمفردات التغيير وتبعيات ذلك التغيير من اهتزاز الحياة المعيشية واضطرابها في فترات الإنتقال من واقع سياسي إلى آخر والتي تمتد عادة لسنوات، توفر الفرصة المناسبة للتحريض على الواقع الجديد وعلى النظام الذي يسوقه حظه السيئ إلى الحكم في هذه المرحلة الإنتقالية. الجنرال السيسي هنا يمثل نموذجا لمعاول كثيرة في عالمنا العربي تعمل هلى هدم هذه الأنظمة الرخوة أصلا والتي أعقبت الربيع العربي في الكثير من الدول التي مر بها الثورات أو تأثرت بها. ولكنه مهما أعملت معاول الهدم تلك في هدم تلك مابدأ بالتشكل من أنظمة مابعد الثورات ونجحت في ذلك، فإنها في النهاية لن تستطيع بناء أنظمة أخرى مكانها لأن المعاول عادة لاتبني فهي تهدم فقط! ولأن العسكر عادة لايحملون أية تصور لبناء نظام فقط يحسنون قلبه أو إسقاطه. اعتقد أن مايحدث في مصر هدم يعقبه بناء أكثر متانة وتماسك لكن الثمن سيكون باهضا.