سياسياً نحن وسط لعبة كبيرة مترادفاتها الطفولية القديمة البريئة قد غابت. وللأسف، حتى أطفالنا يسألون: من يقتل شعب مصر؟ بَمَ نجيبهم وهم يؤمنون بوطنية محضة ان الجيوش جزء من الوطن، ان الجيوش مقدسة في الدفاع عن الوطن والشعب. الغلبة للعسكر ليس بمفهوم لعبة الطفولة بل على العكس بترويع الوطنيين، وكأن الشعب والحكومات الشرعية التي وصلت عبر صناديق الاقتراع مجرد... لصوص.. تجب تصفيتهم عندما لا يتوافقون ومزاج العسكر ومصالح من شاكلهم من "الحرامية" المتنفعين معهم الذين يعيثون في الأرض فسادا. وهل تولد الديمقراطية بالعنف؟ يستحيل أن يقنعنا عسكري مخضرم بأن العنف وسفك الدماء يولد ديمقراطية او حتى سلاما، بل ان عنف الجيش لن يجلب سوى الانتقام والدفاع عن النفس نعم "عنف مضاد" وهذا طبيعي جدا فيستحيل أن يرد المقتول غدرا وزورا على القاتل بالورود، يستحيل أن يرد على انتهاك حقه في الدستور والمواطنة والإنسانية بالأحضان، والذي يطيب للبعض تدنيس اي رد فعل حتى مجرد التظاهر السلمي بمسمى ابتكرته الدولة الكبرى وهو "الإرهاب" لمصالح دولية لا تغيب عن الحصفاء، هذا وتزعم بها كل فئة مستبدة كعسكر مصر اليوم ونظام الأسد قبله لتبرير قتل شعبها وكسب تعاطف سياسي دولي يعزف على أنغام سابقات طالما استخدمتها المُنتهِكة الكبرى "أمريكا" لضرب دول وسحق شعوب لتحقيق مصالحها تحت مسمى الحرب على "الإرهاب".
عنف العسكر لن يجلب لمصر سوى العنف والحرب الأهلية سواء اتفقنا مع الفئة الحاكمة أو اختلفنا، عفوا أعني: سواء قبلنا بنتائج صناديق الاقتراع أو رفضنا، سواء طاب لنا الحزب الغالب في الانتخابات تصويتا او لم يطب، احتُرِمت الشرعية،أو وطئت بكورتها دون شرعيّة تذكر.
ولعل المفارقة المؤلمة لوأد روح ثورة 25 يناير 2011 ووأد أمل شعب كامل هي تلك الموجة الرجعية الثانية العارمة لحرامية الثورة المصرية "الانقلابيبن" لأنها أعادت مفهوم الشرطة القمعي في أذهان الشعب المصري، شرطة مبارك التي حورب منهجها الاستبدادي وأريقت دماء طاهرة في سبيل التخلص من ربقة استعبادها، الشرطة التي هتكت دم خالد سعيد دون ذنب فانطلقت الحملة بنداءات على الفيس بوك من صفحة "كلنا خالد سعيد"، عادت اليوم وللأسف لتصبح مقبولة التعسف ومباركة المنهج في الشارع المصري.
بل إن التواطؤ العسكري جعل السيسي يسأل الشعب التفويض لتقويض "الشرعية" ومخلفاتها الدستورية بل لإسلام مصر الى الحرب الأهلية، وهو الجيش الذي يفترض ان يكون حامي الحمى والذائد عن شعب مصر جله وأمنها لا ان يكون أداة التسلط والقمع والاستبداد ونقض الشرعية بل والقتل للاستحواذ على الحكم واجترار البطولة الوهمية بالتشبيه بحقبة عسكرية مختلفة شخصية وظروفا ومستقبلا وطنيا وعروبيا.
الممالئون والمتنفّعون المستفيدون من الظروف الاستثنائية و"إعلام الفلول" روجوا للفتنة بين اطياف الشعب المصري المتماسك النسيج الذي لم يعرف في التاريخ انقساما رغم تكونه من ديانتين تجاوروا وتحابوا بل وتزاوجوا، يريد البعض اليوم ظلما مواجهتهم ومقارعتهم ببعضهم البعض في مواجهة كراهية ممنهجة بين المساجد والكنائس يعلمون ونعلم مخططها ومنفذها والمتنفّع من ورائها.
لقد تساوى العسكر مع الحرامي في سرقة مصر العظيمة وسرقة أمنها واستقرارها وسرقة حق شعبها، ولا اعلم ماذا نسمي الضحايا بينهما ففي مفهوم اللعبة القديمة اختل وزن العسكر حتى في منظور "أطفالنا" خصوصا واننا أمام الحدث في معضلة الإجابة عليهم يوميا: مَنْ يَقْتلْ مَنْ؟
الدم الأحمر أصبح مصلحة حيوية من مصالح العسكر لتلقي المزيد من وقود القتل الأسود ومأساة من مآسي الوطن والشعب المصري وحقوق الإنسان.
والله نسأل ان يحفظ لنا أمن الأخت الكبرى "مصر" من مغبة الغدر و"العساكر الحرامية" توشّحوا بزي عسكري أم تنكروا بزي مدني داخلها أو خارجها. *(كاتبه قطرية ) *الشرق القطرية