الذكرى السنوية لتأسيس الأحزاب تُعد مناسبة مواتية للباحثين لتقييم أدائها ومواقفها بمنهجية علمية موضوعية ومحايدة. وفي ذكرى تأسيس التجمع اليمني للإصلاح نستطيع القول أنه قدم تجربة فريدة بين أقرانه من الأحزاب العربية ذات المرجعية الإسلامية وهي الأكثر رشداً والأعمق رؤية والأكفأ ممارسة, ما يؤهلها لتبوُّء موقع الريادة والقدرة ويعطيها حق الأستاذية والصدارة والتحديث, شأن كل التجارب البشرية التي يعتريها القصور والخطأ. وبإعمال أدوات ومعاير القياس العلمية والمجردة وفقاً للبيئة السياسية والإجتماعية والثقافية لليمن, فإن المنهجية تقتضي الوقوف أولاً على طبيعة وخصائص مناهج التنشئة السياسية وبرامج العمل الوطني للإصلاح, والمعلن عنها في أدبياته ومناشطة ومنابره الإعلامية والتي يجمع المراقبون والباحثون أنها تتصف بلاعتدال والوسطية وتؤمن بالشراكة الوطنية وتحترم الحقوق والحريات والخيارات الديمقراطية للشعب وحق الاختلاف في إطار الدستور والقانون, وتنتهج الوسائل السلمية والنضالية لتحقيق أهدافها, وفي المقدمة منها صناديق الاقتراع والانتخابات النزيهة كوسيلة مثلى ووحيدة للوصول للسلطة, وتقدم مشروعاً وطنياً للنهوض الحضاري تسعى لتحقيق أهدافه عبر النظال السلمي وكل الوسائل الأخلاقية المشروعة.. وتعتمد في كل ذلك على المرجعية الإسلامية المعتبرة عند فقهاء الأمة, وتستفيد من كل الأفكار والوسائل الحديثة التي لا تتصادم مع هذه المرجعية. إلا أن اكتمال الصورة للمشهد الإصلاحي يحتاج الوقوف على الممارسة والأداء العملي ومدى تناغم ذلك مع الرؤى والأفكار, بعد الوقوف على الإطار الناظم للوحة الإبداعية التي رسمها, والمتمثلة بجملة من العوامل الذاتية والموضوعية والعديد من المعطيات الثابتة والمتغيرة, الحاكمة والمقيدة للنتائج, أهمها: - يعتمد الإصلاح الشورى مبدءاً ناظماً وملزماً لكل تكويناته, وهو ماجنَّبه القرارات الفردية والمتسرعة والغير مأمونة العواقب, وقضى على احتمال إنشاء مراكز مقدسة تعيق مسيرة الحزب وتهيمن على قرارة. - يمتلك نخبة قيادية وفكرية متنوعة التخصصات والمعارف وعلى قدر كبير من الخبرة والتجربة, وتتوزع على كامل المساحة الجغرافية والنوعية, ما مكنها من قراءة واقعية وصحيحة للخارطة السياسية والاجتماعية والاقتصادية للوطن نتج عن ذلك رشادة وطنية وسياسية في صناعة واتخاذ القرار. - البيئة السياسية والإجتماعية والجغرافية والوطنية لليمن بما تزخر به من موروث حضاري وثقافي وقيمي وبما تشكله من بيئة طاردة للطغيان وفق منظومة القيم في المجتمع اليمني. - الطبيعة الوطنية لتكوين الإصلاح, وانعدام التمايز المناطقي والسلالي والفئوي مكنه من الاستفادة من كل القدرات وتوظيف كل الطاقات في خدمة المشروع الوطني, وأفشل كل محاولات التفتيت والانقسام التي استهدفته. - الرصيد النظالي والتجربة السياسية الطويلة والامتداد التاريخي للحركة الإصلاحية اليمنية, بما تملك من موروث ثقافي ورصيد معرفي وعمق مجتمعي وفرَّ للإصلاح رصيداً وطنياً في أوساط المجتمع, ومده بزاد فكري وثقافي وفلسفي وثراء فقهي يجمع بين الخصوصية اليمنية والعمق العربي الإسلامي. وساعدت تلك العوامل بشكل كبير على تحقيق نجاحات ملموسة تعد محطات مشرقة في مسيرة الإصلاح أهمها: - قدرة الحزب على التعامل مع السلطة الحاكمة على خلاف معظم الأحزاب الإسلامية, والوصول إلى مرحلة التحالف بما يخدم المصالح الوطنية ويحقق للإصلاح التوسع والانتشار الرأسي والأفقي والتواجد الممانع على امتداد الساحة الجغرافية, واستخدام النظام السابق كورقة لعب بها الإصلاح باقتدار (عكس مقولة رأس النظام) وهو ما أكدته شواهد الأحداث وعواقب الأمور. - قدرة الحزب العالية على تجاوز المحطات التاريخية المفصلية وانحيازه للخيارات السلمية بما جنب الوطن الكثير من المآسي وخصوصاً عند استغلال النظام للظروف الدولية المعادية للمشروع الإسلامي وقيامه بإلغاء المعاهد العلمية, وتجاوز كل محاولات دعاة الفتنة طوال مراحل النظال السلمي واستخدام القمع والعنف المفرط في فترة الثورة وثبات الإصلاح على منهج السلمية. - عبقرية الحزب واحترافيتة العالية بالانتفال السريع والمرن من دائرة السلطة وتحالفاتها إلى مربع المعارضة وتشكيل تكتل اللقاء المشترك المعارض وتقوية روابطه, وتجاوز تاريخ وآثار الصراع السياسي والعداء الأيدلوجي بل والوصول إلى تبني القواسم المشتركة للشعب اليمني وهويته العربية والإسلامية, وحشد كل الطاقات الشعبية لمواجهة تغول السلطة وإفشال مشروع التوريث وبناء مشروع وطني توافقي للدولة المدنية الحديثة. - لعل المحطة الأكثر إشراقاً والأنبل سلوكاً والأروع أداءً للإصلاح هي تميزه في صناعة الثورة وتسابق شبابه في ميادين التضحية والفداء. وملأت جماهير الإصلاح, نساءً ورجالاً وشباباً وشيوخ قبائل وبراعم, كل ساحات الحرية وميادين النظال, ليرسموا مع جموع الشعب اليمني الثائر لوحة الحرية وسمفونية النظال, مقدمين ضريبة الحرية وزكاة الوطن من دمائهم وأموالهم وأوقاتهم, في ملحمة من أقدس ملاحم التاريخ. - كما تميز الإصلاح في صناعة التحالفات وقيادة قطار النظال السلمي, وكان أكثر تميزاً في فن صناعة الشراكة الوطنية وتجسيد عرى التلاحم مع شركاء الثورة والنضال عبر تقديمهم في قيادة حكومة الوفاق والغالب من وزاراتها. - ومع هذا التألق للإصلاح في مسيرته الرائدة إلا أنه يحتاج إلى وقفات مسئولة نحو مزيد من الرشد في الممارسة السياسية وتجويد العمل الوطني, والاستفادة من التجارب المتعثرة لثورات الربيع العربي, وتقديم المزيد من رسائل الثقة لشركاء الحياة السياسية ولتطمين القوى الإقليمية والدولية, والتجديد في الخطاب السياسي والإعلامي على ضوء المتغيرات, والاهتمام بالعمل الجماهيري, والحفاظ على العلاقة الاستراتيجية مع شركاء الثورة والنضال, وإعادة الفرز الوطني وفقاً لمعيار بناء الدولة واليمن الجديد. وتقع على عاتق شباب الإصلاح في المحافظات الجنوبية تقديم مشروع اليمن الموحد الجديد المتسع لكل أبنائه, كما ينتظر من الإصلاح الكثير في إنجاح الحوار وبناء الدولة المدنية الحديثة.. وإنا لمنتظرون. نقلاً عن صحيفة اليقين