عامر الدميني منذ انطلقت الثورة الشبابية في اليمن وكلما اقترب موعد الرحيل للنظام أو أوشك تعالت بعض الأحداث هنا أو هناك معربة عن تخوفها من حكم الإسلاميين ووصلوهم إلى السلطة. فالكثيرين يرون أن الإسلاميين ونعني بهم هنا التجمع اليمني للإصلاح هم الحزب الأكثر تنظيماً وحضوراً وانتشاراً وأن سقوط حزب المؤتمر الشعبي العام سيتيح المجال لصعود الإصلاح فيستحوذ على الحكم بحكم أكثرية أعضاءه وتجربته السياسية ووراثته لشخصيات كانت في المؤتمر بعد سقوطه. من هنا بدأت المخاوف تسري لدى البعض من الإصلاحيين ومشروعهم فتوجهت السهام إليهم بالتشويه المتعمد لفكرهم فوصفوا بالأصوليين والمتحجرين وشوهت شخصياتهم ونيل منها، وقُدم الإصلاح كحزب منغلق مشدود نحو الماضي تنعدم فيه الرؤية المدنية الحديثة، ولا يجيد سوا سياسة الإقصاء والتهميش والإلغاء. مصدر هذه التخرصات جاء من أطراف في نظام صالح بهدف إرباك الاصطفاف الثوري وتفجير الخلافات بين مكوناته سعياً لإفشال الثورة، وهناك أطراف أخرى داخل الثورة، نفسها لم تستطيع كبت مواقفها وإخفاء حقيقتها فأعلنت من وقت لأخر ضيقها وتذمرها من وجود استحواذ لعناصر الإصلاح يهدف إلى الاستئثار بالثورة والإمساك بدفة القيادة بعيداً عن بقية الشركاء وللأسف فالطرف الأخير يبدوا أكثر حمقاً لأنه يهد الجسد الثوري من الداخل وهؤلاء في حقيقتهم إما شخصيات لها مواقف مسبقة مع الإسلاميين وتنظر إليهم بكراهية دون تبصر أو ناشطون في تيارات أخرى يدفعهم الانتماء المذهبي إلى التوجس من الآخر والحذر منه. وفي كل الأحوال فإن إساءة الظن بالآخر وتفصيل الإحكام الجاهزة مسبقاً لا يخدم أي طرف بل إنه يصب الزيت على النار لتنفجر الأوضاع في أية لحظة، فالأجواء المشحونة إذا لم يتم نزع فتيل تيار النار المغذي لها فإنها لن تؤدي إلى إلا مزيداً من الصراع والضغائن وهدم لبنات هذا الوطن بيد أبناءه أنفسهم. إن الخوف من الإسلاميين وصعودهم ليس له ما يبرره فالإصلاحيين تجاوزوا كثيراً عقد الماضي ورواسبه واثبتوا ارتباطهم بالمدنية ومؤسستها واحترامهم للأخر مهما كانت درجة الخلاف معه.
ولعل تجربة اللقاء المشترك السياسية أكبر برهان على مدى النضج السياسي والرشد الحضاري الذي وصل إليه الإصلاحيون، فهذه التجربة التي قاربت إنهاء عقدها الأول عكست أن الإصلاحيين أكثر قدرة على التعامل بمرونة مع الأحزاب الأخرى بما يحافظ على بقاء هذه الأحزاب كقوة فاعلة أولاً وبما يخدم الوطن انطلاقاً من مسؤولياتها تجاه اليمن ثانياً ولهذا استمر بقائها في هذا التحالف لتصبح أول تجربة شراكة سياسية عربية ناجحة في الوطن العربي رغم محاولات النظام المتكررة لفض هذا التحالف وزرع الفرقة والفتنة بين أحزابه. إن تجربة اللقاء المشترك تعكس حجم الثقة بين مكونات اللقاء مما أعطاها عمراً طويلاً ووحد رؤيتها وأهدافها تجاه القضايا الوطنية وإذا دل هذا على شيء فإنما يدل على أن الإيمان بالآخر وتقبله مهما كانت خلفيته الفكرية أو السياسية هي الضمان الوحيد لتجاوز الخلافات وردم الهوة بينها وإلغاء الذات لتحل محلها الوطنية واستيعاب الآخر والشراكة الجماعية والأهداف السامية. وهذا الإيمان لا يمكن أن يأتي إلا من أحزاب لها فلسفة حزبية ناضجة ومشروع وطني حيوي يغلب مصلحة البلاد على مصلحة الحزب ويتيح للآخر التعبير عن نفسه وتقديم ذاته. ولهذا أثبتت التجارب السياسية أن الإصلاح يمتلك رصيده الوطني من تعامله مع الأحداث بحكمة وبصيرة بعيداً عن شطحات الوطنية ونداءات التهور. وفي ظل التدافع التحرري وسياق البرامج السياسية القائم الآن فليس من العيب أو الخطأ تفكير هذا الحزب أو ذاك التيار في الوصول إلى الحكم كحق مشروع دستورياً لأي طرف ما دام يمتلك المقومات المؤهلة لذلك، وإدارة الدولة ليست حكراً على حزباً بعينه، والشعب الذي خرج إلى الساحات اليوم لرفض الظلم وإيقاف توريث الجمهورية قادر أن يخرج غداً لرفض أي مشروع يستهدف تدجينه وقتل إرادته ونسف مطالبه المشروعة.
إن الإسلاميين الذين يتخوف منهم البعض في الداخل ويخوفوا به الخارج ينتمون لهذا الوطن ويدركون جيداً مصلحته مثلهم مثل بقية الأحزاب في الساحة، والواقع العربي والإقليمي ملئ بالتجارب السياسية الناجحة في هذا المضمار فتركيا العلمانية استطاعت أن تقدم دولة إسلامية في مجتمع علماني والشعوب الحية التواقة إلى التغيير لا يهمها من يحكم بقدر ما يهمها النتائج التي ستعود عليها من هذا الحاكم؛ هل ستكون وبالاً عليه أم متبنية لقضاياها، ومحققة لرغباتها وتطلعاتها نحو النتيجة والعدالة والحرية والمساواة.
إن أكبر مشكلة تواجه النخب في اليمن هي الإحكام المسبقة والتوجس من الآخر والقفز على الحاضر نحو المستقبل دون مراعاة لحدود الممكن والمستحيل، وغذى هذه المشكلة طغيان المشاريع الفردية والمصالح الشخصية على المصلحة العامة مما أوجد بيئة مفككة ترفض ما يأتي من الداخل وتشككك في نوازعه بينما ترتهن للخارج وتعقد عليه آمال التغيير وتنتظر منه خارطة الطريق للمستقبل. *من مقال الجيش والقبيلة والإسلاميون(ثلاثة أضلاع الثورة وأكثرها إثارة للمخاوف .. لماذا؟! ) صحيفة الناس الأسبوعية