على جانبي "المعبر" بين مناطق يسيطر عليها النظام السوري وأخرى تسيطر عليها كتائب المعارضة المسلحة في حي بستان القصر بمدينة حلب، تمتلئ الطرقات بالحياة، حيث تزدحم بالعابرين على جانبي خط التوتر أو خط الهدنة الوهمي الذي لا يعترف به الطرفان. تحولت منطقة "المعبر" -كما بات متعارفا عليه في حلب كلها- إلى أكثر المناطق ازدحاما وازدهارا بالتجارة وقضاء الحاجات ولا سيما للسكان القادمين من المناطق التي يسيطر عليها النظام نحو مناطق المعارضة. في الطريق نحو المعبر لا يكاد القادم إليه من جهة مناطق المعارضة يجد موطئ قدم له، فالحياة تدب في المكان بشكل يجعل القادم ينسى أن هذه واحدة من أعلى مناطق التوتر والتماس في حلب، وتشهد يوميا سقوط قتلى وجرحى بمعدل ستة قتلى يوميا برصاص قناصة النظام المتمركزين على البنايات العالية. ويحاول الثوار الفصل بين مناطقهم وهؤلاء القناصة بسواتر من حافلات محترقة أو قطع قماش كبيرة. وينقسم المعبر إلى ثلاثة محاور، الأول، ويعد نقطة العبور الأولى، فيه وضع مقاتلو المعارضة عددا من السواتر، وفي الثانية تتمركز نقطة إغلاق أخرى وضعت حجارة ورمال بيضاء وسطها، أما النقطة الثالثة فتمثل نقطة خط النار الفاصل بين مناطق المعارضة والنظام، ويمر العابرون من كل هذه المناطق عبر جانبي السواتر التي تغلق الطريق. في الجهة الأخرى تحول مبنى كان عبارة عن مخازن إلى ما يشبه "المبنى الجمركي"، حيث يقسم إلى قسمين، واحد للعربات التي تخضع لتفتيش ويمنع مرور أنواع معينة من البضائع بكميات كبيرة، والثاني للأفراد، وهؤلاء لا يمنع نقلهم لأي بضائع حتى من المحظورة ما دامت غير مخصصة للتجارة. تدقيق العابرين في العبور من جهة مناطق سيطرة النظام لا يتدخل الثوار في مرور كبار السن والنساء وغالبية العابرين، لكنهم يدققون في البطاقات الشخصية لعدد منتقى من الشبان، ليتأكدوا أنهم مدنيون وليسوا عسكريين، وأنهم ليسوا من المطلوبين لدى الثوار من المتهمين بأنهم من شبيحة النظام السوري. حدثنا أحد المقاتلين أنهم اعتقلوا أمس الأحد اثنين فقط من بين عشرات الآلاف الذين عبروا نحو الحاجز، وقال إن هناك اشتباها بأنهم من عناصر الشبيحة الذين اشتكى الناس من ضلوعهم بجرائم ضد المدنيين، وأكد أنه جرت إحالتهم لجهة تحقيق وفي حال ثبوت التهم ضدهم فإنهم سيحالون للهيئات القضائية العاملة في مناطق الثوار. ورغم أن الغالبية تحضر للتسوق من مناطق سيطرة النظام لمناطق سيطرة المعارضة، فإن الباعة المتجولين أو التجار على جانبي المعبر يتبادلون البضائع من مناطق الطرفين. حيث يركز المتسوقون في مناطق المعارضة على إحضار المواد الغذائية واللحوم والخبز والخضراوات والفواكه، بينما يقتصر إحضار البضائع من مناطق النظام على بعض قطع السيارات وبضائع إلكترونية وهواتف نقالة. وإضافة للبضائع تزدهر حركة المطاعم خاصة المشاوي الحلبية التي بدا الاقبال عليها كبيرا نظرا لفرق السعر في مناطق المعارضة التي يبلغ سعر الكيلو الجاهز للأكل منها 1700 ليرة سورية (أقل من 8 دولارات). رصاص القناصة أثناء الحديث مع القادمين من جهة مناطق النظام والعائدين لها لم تكف أصوات الرصاص القادم إما من المباني العالية التي تسيطر عليها قوات النظام، أو من أماكن أخرى أبعد كقلعة حلب التي تتمركز فيها قوات النظام وتطل بوضوح على حي بستان القصر خاصة على منطقة المعبر. ووسط أصوات الباعة التي تعرض البضائع وضجيج المكان، كانت تسمع بين الفينة والأخرى أصوات سيارات الإسعاف التي تنقل عادة أحد الجرحى وربما الضحايا الذين طالهم رصاص القناصة. بدا الناس القادمون من جهة النظام خائفين من الحديث للإعلام، حيث كنا نضطر لنشرح لهم كل مرة أننا لا نسجل صوتا ولا صورة. الشاب أيمن أبو حميد قال للجزيرة نت إنه يحضر من مناطق النظام إلى مناطق المعارضة لأول مرة عبر المعبر بغرض التسوق، وعبر عن دهشته من فرق الأسعار بين المنطقتين. وتابع "الأسعار هنا (مناطق المعارضة) أرخص بكثير ومتوفرة بشكل أكبر"، وعن معاملة الطرفين للعابرين قال "المعاملة جيدة من الطرفين، لم ألمس تضييقا لا من قوات النظام أو المعارضة، فقط هناك بعض التدقيق والتفتيش أحيانا". بكلمات مقتضبة ردت الطالبة الجامعية إيمان على أسئلة الجزيرة نت، قالت إنها تحضر بشكل دائم عبر هذا المعبر كونها طالبة وتستخدمه كثيرا. عبرت الطالبة عن خوفها أثناء عبور نقطة النظام لوجود القناصة كما قالت، وأكدت أنها تشعر بالارتياح أكثر في مناطق المعارضة التي تتسوق منها لعائلتها عند عبورها الدائم. في المكان كان البائعون يبدون ارتياحهم للحركة التجارية النشطة التي قالوا إنها توفر لهم دخلا جيدا يساعدهم على استمرار الحياة في ظل الحرب الدائرة في سوريا، غير أنهم لا يخفون قلقهم من استمرار الحرب في وطنهم للعام الثالث على التوالي، حتى إن أحدهم أبدى خوفه من أن يتعايش الناس مع الحرب ومع "الحدود الجديدة والمعابر" داخل المدينة الواحدة، على حد تعبيره. الجزيرة نت