تقشف.. أصبحت هذه الكلمة بالنسبة لنا مجرد مزحة تراضينا بها الحكومة كلعبة صينية لإسكات طفل تنتهي عاطلة عن العمل بعد دقائق. الرئيس اجتمع بالحكومة قبل أيام و «وجه» بالتقشف.. المعذرة، وجه «بتأجيل» الإنفاق غير الضروري وإيقاف تشييد المباني الجديدة والمشتروات الكمالية غير الضرورية ومنها السيارات». أجلوا الصرف غير الضروري! «عادي ممكن تصرفوا وتعبثوا لكن يقول لكم الرئيس مش وقت الآن».. لست أنا من قال ذلك، الخبر الرسمي هو قال ذلك، وبالنص قال: إن الرئيس وجه ب»تأجيل الإنفاق غير الضروري». كان الرئيس قد اجتمع بالحكومة في يونيو ووجه أيضا بالتقشف، وتذكر حينها الكارثة التي حلت باليمن جراء بيع الغاز بتلك الطريقة للشركة الكورية.. حينها «وجه» أيضا بمراجعة الاتفاقية. في كل مرة يوجه الرئيس بالتقشف تحدث أمور كبيرة تدل على أن توجيهاته حفظه الله، لا تتجاوز قاعة الاجتماع وبعد إحدى الاجتماعات مثلا تم صرف بدل سفر لأحد الوزراء خمسة ملايين ريال وأكثر من أجل حضور ورشة عمل في مدينة مرسيليا الفرنسية. لأن الحكومة لم تجد مخرجا من هذه الأزمات فإنها تلجأ للحديث فقط عن الإصلاحات، أما الفعل فيبقى مجرد توجيهات. أصبحت توجيهات الرئيس بمثابة روتين يومي، فهي تنتهي في النهاية بانتهاء نشر الخبر. ما أسهل أن يوجه الرئيس «بالعمل على تنمية الإيرادات الأخرى غير النفطية ومنها الثروة السمكية والسياحة والزراعة والاتصالات». وكأن هذه الأمور ليست من عمل الحكومة، كأنها أمر طارئ يجب القيام به والانتهاء منه سريعا «لأن الخزينة فارغة». أيضاً موضوع متابعة الدول المانحة «للوفاء بالتزاماتها وبخاصة ما أسفر عنة مؤتمر المانحين المنعقد في لندن عام 2006م والعمل على تحسين البيئة الاستثمارية وإزالة كافة المعوقات التي تحد من تدفق الاستثمار الخارجي. يا حكومة بلاش الكلام على المعوقات الاستثمارية لأن ملف مشروع «درة المكلا» وصمة عار في جبين الاستثمار.. إذا كان بقشان والعمودي وبن لادن لا يستطيعون حماية استثماراتهم، فمن يقدر بعدهم؟ وفي نقطة مهمة.. نريد من سيادة رئيس الجمهورية دعوة المسؤولين اليمنيين لسحب جزء من استثماراتهم من كندا وألمانيا والولايات المتحدة ومصر وغيرها من الدول، إلى اليمن الشقيق.. ممكن ننتعش اقتصادياً لو عادت 30% من استثماراتهم.. «لكن مش عارفين هل الرئيس داري بهم»!! «كما وجه بتحسين الأداء الحكومي في كافة المرافق وتفعيل أجهزة الرقابة والتفتيش لمحاسبة المقصرين واستئصال الفساد من أي مرفق كان». هذا الكلام من الخبر الرسمي المثير للشفقة.. «تحسين الأداء الحكومي».. «تفعيل أجهزة الرقابة».. «استئصال الفساد».. ياعيني على الكلمات اللي تفتح النفس، والجيب كمان. مساكين الموظفين مع الحكومة، لو جمعت الأموال التي صرفت على التهاني بمناسبة تخرج نجل رئيس الجمهورية لغطت إكرامية رمضان اللي تعودوا عليها.. بس برضه التقشف حلو، وكويس إنهم يلاقوا راتب، والحكومة عادها محترمة إلى الآن، فانتبهوا لو قلبت لكم الوجه الثاني ممكن توقف الراتب، فرجاءً مافيش داعي تزعلوها يا موظفين. بصراحة أنا أنصحكم تقرأوا الصحف الحكومية عشان تنفسوا على أنفسكم شوية، فقد أثبتت الدراسات إن الضحك يفيد عضلات القلب، بس أخشى من كثرة الضحك تموت قلوبكم، خصوصا إنها رقيقة وتعبانة من كثرة الهم. من الحاجات التي تضحك في أخبار الحكومة الحديث عن «ضرورة اتخاذ الإجراءات الكفيلة للحد من الإنفاق على العلاج في الخارج بحيث يتم معالجة كافة الحالات المرضية في المستشفيات داخل الجمهورية ما عدا الحالات المستعصية، وبناء على قرار من لجنة طبية متخصصة تم تشكيلها من الجهات المختصة لهذا الغرض والاستعانة بخبرات طبية أجنبية مؤهلة للتخصصات النادرة ولمعالجة الإمراض المستعصية». الأمراض المستعصية فقط.. وكأن الذين يسافرون يذهبون للنزهة.. طبعا هم يعتقدون إن الناس تسافر مثلهم في حال جاءهم زكام لاسمح الله أو التهاب في اللوزتين.. لايعلمون إن المرضى المسافرين يذهبون لعلاج الأمراض المستعصية وهي الشائعة. كله كوم والاستعانة بخبرات طبية أجنبية كوم.. أتذكر إنه ذات يوم جاء وفد طبي سعودي لإجراء عمليات جراحية في مستشفى الثورة، وفي جلسة غداء مع أحد مسؤولي الصحة سألت رئيسة الوفد السعودي، كم تمنحون للأطباء الذين ساندونا رواتب في مستشفى الثورة، قال المسؤول، نعطيهم 400 دولار، وهي كذبة طبعا.. قالت الدكتورة السعودية: «هذي أعطيها لأطفالي يشتروا فيها شوكولاتة».. اللهم لاحسد، ولا تعليق.. ولا تصدقوا حكومتنا، دوروا لكم فين تتعالجوا. ووجه الرئيس ب «الحد من المنح الدراسية في الخارج وانتهاج سياسة فعالة في هذا الجانب وبحيث يقتصر الإبتعاث للدراسة في الخارج على التخصصات النادرة والتي تحتاجها عملية التنمية وإنهاء أي محسوبيات أو مخالفات في هذا الجانب». لم يعد لدينا ما نقوله.. هذا الكلام سمعناه عشرات المرات، وشبعنا من «العك» فيه، وكنا نقول إن الدكتور باصرة سيأتي بما لم يستطعه الأوائل، لكن أحيانا نضطر للقول «سلام الله على النباش الأول». الحمد لله الذي يخارجنا من عنده، ويستر علينا، بحول منه وقوة، أما حول دولتنا وقوتها فإنها في الكذب فقط. سياسة «إلحقه قبل مايروح» هي كل ما أنتجته الحكومات سنة بعد أخرى، ولو تقشفت الحكومة عن بدل السفر والتهاني والتعازي لأصبحنا في نعمة.. لن نقول للحكومة «أوقفي الناس الذين يهربون المشتقات النفطية والغاز»، أو نقول لهم «أوقفوا توزيع السيارات مطلع كل عام».