الإهداء: إلى صديقي القديم البعيد عني منذ عقدين, خالد عبدالملك الشيباني في أحد مساءات عام 1989, كنت طالبا جديدا على معهد تعز العلمي والقسم الداخلي التابع له, دفعني زملائي الذين سبقوني إلى القسم والمعهد للاحتفاء بضيف السمر الذي لم اعرفه بعد, لما وجدت عليهم من فرح وانتظار لمحاضرته, وكان أبا لزميلي بالفصل والغرفة (خالد). بدأ الاستاذ عبدالملك الشيباني محاضرته الممزوجة تربية وتاريخا وسيرة نبوية وظرافة وأمثال شعبية وإسقاط على الواقع, فبدأت أتفاعل معه, حيث بدا بالنسبة لي كداعية ومحاضرا مختلفا إلى حد ما عن غالبية من استمعت إلى محاضراتهم هناك وفي غيره, وأخذت أدقق احتفاء وإعجابا باسمه المدون على غلاف كتاب التاريخ للصف الثالث الاعدادي وعدداً من الكتب الدراسية الخاصة بالتاريخ والتربية الوطنية في المعاهد العلمية. كانت أياماً جميلة بكل ماتعنيه الكلمة من معنى, نتمنى عودتها واللقاء بالرفاق الذين جمعتني بهم, رغم ماكنت أعانيه من أوضاع صعبة, أجبرتني على السكن في القسم الداخلي للمعهد, حيث الانضباط والتربية والحزم الاداري, وهو ماكنت أحاول التمرد عليه, بعد ان قدمت من منزل كنت الابن المدلل فيه. مع مرور الايام تعمقت صداقتي بنجله الأكبر خالد, وتكررت محاضراته في القسم الداخلي, وزاد اعجابي وحبي لهذا الرجل الموسوعة معلومات وثقافة وارقام وتاريخ والممتلئ ظرافة وابتسامة, واصطحبني خالد إلى منزله في عصيفرة للمبيت أكثر من مرة خاصة حينما يكون والده مسافرا وتصادف ان جمعنا به منزله اكثر من مرة, ووجدته ذات الشخص الظريف والبسيط والمتواضع وأكثر من ذلك أبا حنونا حازما ومربيا مسئولا لينا حينا ومبهررا حينا أقل. حينها كان الاستاذ عبدالملك قد انتهى من تأليف وطباعة كتابه الأبرز (شهيد القرآن) والذي تناول فيه مسيرة الشهيد عبده محمد المخلافي منذ الولادة مروراً بالتحاقه بالإخوان المسلمين أثناء دراسته في مصر وعودته لليمن ونضاله حتى استشهاده رحمة الله عليه, وكان الكتاب واحداً من الكتب التي لا تحببك فقط بمن كُتبت عنه او المؤلف, بل تجتذبك إلى الانخراط فيما كانا معاً يعملان لأجله ويناضلان لتحقيقه. وفي تلك الفترة ولدت بمدينة تعز صحيفة الاصلاح وكان رئيس تحريرها الاستاذ عبدالملك وظهرت بنخبة متميزة من كتاب وصحفيين منبراً جديداً للإصلاح يعمل بنكهة وطنية مختلفة تعبر عن روح الاصلاح المتخمة إبداعا وقوة في الطرح والمضمون. غادرت المعهد عام 1992 وانقطعت عن صديقي خالد عبد الملك الشيباني وهو النجل الأكبر للفقيد, ولم نلتق مُذ ذاك إلا مرات قليلة في السنوات التالية لمغادرتي للمعهد, وافتقدته تماماً قرابة عشرين عاما, ولم يحالفني الحظ بعدها للقاء والده الأستاذ عبد الملك لسنوات عديدة. استقر ني المقام في العاصمة صنعاء وأكملت دراستي الجامعية والتحقت للعمل في صحيفة الصحوة وتعرفت بعدها على المربي الفاضل الاستاذ احمد القميري, وشاء الله ان تكون معرفتي تلك سبباً للقاء مرة أخرى بالأستاذ عبدالملك الشيباني وذكرته ببدايات معرفتي به وجلوسي في بيته وصداقتي مع نجله خالد. تكررت لقاءاتنا بعدها خاصة في حضرة الاستاذ القميري ومؤتمرات الاصلاح العامة ومناسبات أخرى حتى جمعنا مقيل مع الاستاذ عبدالله شرف الحميدي في مقر المكتب التنفيذي للإصلاح بمدينة إب. وفي إحدى زياراتي لمدينتي تعز التقيته في مقر المكتب التنفيذي للإصلاح ووجدت منه احتفاء تجاوز المرات السابقة وأصر على استضافتي في عزومة غداء مع الأستاذ أحمد عثمان والزميل محمد اللطيفي, وكشف لي عن سبب تلك الاستضافة أنها تتعلق بقوة كتاباتي التي تعبر عما في نفسه ولا يكتبها هو للقيود التي تفرضها عليه مكانته كقيادي في الإصلاح. أعجز عن الكتابة أكثر في وصف هذا الرجل الموسوعة رحمة الله عليه, فقد كانت بصماته في ميادين عدة, في الصحافة والتاريخ والتربية والدعوة والتنظيم, بل وكان يتصدر تشجيع كوادر الاصلاح في مختلف المجالات خاصة الصحافة والفن الانشادي والمسرحي والدراما وتبني هموم الناس وقضاياهم ومواجهة الاستبداد والفساد وسياسة التجهيل المتعمد لأبناء اليمن عامة وتعز خاصة. لم ألتقِ إصلاحيين داخل اليمن بمختلف محافظاته ومدنه وخارجه, إلا وحدثوني عن ظرائف وطرائف الأستاذ عبدالملك في محاضراته لهم والتي لم تكن ترفا وانما لإسقاط مفاهيم تربوية وسياسية. آخر لقاء جمعني به كان في فبراير 2013 بمقر معهد الاصلاح المركزي بصنعاء, جلست معه وتحدثنا, ووجدت محرجاً أمامه وهو يحدثني عن مقال لي كتبته عن تعز ولجنة المشائخ وكيف أنه قرأه عدة مرات, لأنه عبر عما في نفسه ولامس المشكلة التي تعانيها تعز حسب قوله, وجدت نفسي مضطراً للهروب من احتفائه ني ومقالي, وياليتني كنت جلست إليه أكثر وأشبعت عيناي برؤية ابتسامته والاستماع لطرائفه ومعلوماته وقفشاته. برحيل الكاتب والمؤرخ والداعية الأستاذ عبدالملك الشيباني لا ادري كيف سأجد مدينتي تعز حينما أزورها وليس فيها نكهتها الجاذبة لي الخاصة, لقد فقدت تعز أحد رجالها الطيبين ومناراتها السامقة, وبفقده خسر الإصلاح علماً ومربياً فاضلاً وفارساً نبيلاً, وبوفاته في هذه المرحلة العصيبة التي نمر بها, افتقدت اليمن قائداً حكيماً وكاتباً صريحاً يشخص المرض ويقدم الدواء ويبحث عن المشترك بين الناس ويبتعد عن أسباب وبواعث الخلاف والصراع والتنازع المستندة الى عصبيات نتنة. رحمة الله عليك أبا خالد وأسكنك فسيح جناته وإنا لله وإنا إليه راجعون.