توقف الغسيل.. نفذت كمية المواد.. تعطلت الأجهزة.. تفاقم عدد المرضى بشكل كارثي.. الوزارة لم تدفع القسط للشركة المتعاقدة لشراء المواد.. هذا كل ما نسمعه بين وقت وآخر، هذه الاسطوانة التي لا تكف من النزيف، وفي المقابل نشاهد أنين وعذابات ووجع يغتال حياة المرضى من الأطفال ونساء ورجال ومسنين يفترشون قطع الكرتون في الصالات الداخلية والخارجية وحتى البوابة الخارجية لمركز الفشل الكلوي بمحافظة الحديدة.. لا نسمع سوى أنينهم ومناشداتهم، في حلوقهم حشرجات ألم، وفي عيونهم صرخة استغاثة، بانتظار التفاتة إنسانية تنتشلهم من وجع لا يطاق.. أو بانتظار الموت ألما.. عبدالحفيظ الحطامي معاناة يومية لمرضى الفشل الكلوي بالحديدة.. صرخة إنسانية لكل أصحاب الضمائر الحية ومن به ذرة مسؤولية، مأساة هؤلاء المرضى تتكرر مشاهدها المؤلمة في كل شهر تقريبا، بينما يقف الجميع تجاههم بصمت دام.. يتطلعون إلى أمل إنقاذهم من مخاطر الموت ألما.. 630 مريضا يفدون إلى هذا المركز الخاص بالغسيل الكلوي بمدينة الحديدة، معظمهم من الأطفال والنساء والعجزة، يكابدون الآلام والأوجاع.. هنا حيث الحياة القاسية والموت الصعب.. يتكوم المرضى في مشهد مأساوي يفطر القلوب ويدمي العيون.. هنا امرأة تصرخ من الألم وأخرى تئن وتتوجع يا اااااالله.. وكهل افترش هذا العراء بعظامه الهشة وأطفال يحدقون بعيون غاصة في الأسى.. يجالدون الساعات والأيام صبرا على الألم.. ترى من يطيق أن يحبس بوله لساعة واحدة، هؤلاء المرضى يحبسونه لأيام بانتظار ان تحين دورة الغسيل عليهم، هناك من يموتون جراء تسرب السموم إلى إنحاء أجسادهم بسبب تأخر الغسيل عليهم.. يموتون بأعين مفتوحة على الموت وفي حلوقهم حشرجة استغاثة، يتطلعون للشفاء ولو لساعات وأيام بصبر لا يطاق، يأملون التفاتة إنسانية من كل الجهات الرسمية والخيرية، ينتظرون قلوبا رحيمة تمسح مدامعهم، تقف إلى جوارهم بتوسعة خدمات المركز وتوفير احتياطي لمواد الغسيل، حيث يموت عشرات المرضى بسبب انقطاعه أو تأخر وصوله لساعات عن المركز، يتطلعون بأحداق ارقها ألم الليالي وانين الأيام، ولسان حالهم يقول هل ثمة قلوب تمنحنا لحظات الراحة من الألم، ولو لساعات بغسلة واحدة تقينا رؤية الموت أحياء.. إننا نموت ألف مرة مع تأخرنا عن الغسلة الواحدة، كم من مرضى لفظوا أنفاسهم جراء تأخر وصول مواد الغسيل أو بسبب تأخر المريض عن الساعة المحددة لإجراء الغسيل بسبب بعد المسافة بين منزل المريض والمركز، وهناك من يموت في الطريق من منازلهم إلى مركز الغسيل الكلوي، وآخرون يموتون بصمت في منازلهم ينكفئون على آلامهم وأوجاعهم لعدم مقدرتهم على دفع تكاليف السفر والمواصلات لكونهم فقراء ومعسرين ينتمون إلى أرياف وقرى محافظات الحديدةوحجة والمحويت وريمة ووصابين.. يتزايد أعداد المرضى كل عام وبشكل مستمر بينما إمكانيات المركز المتواضعة لا تزال كما كانت عليه، يقف فيه المسئولون حائرين وقلوبهم تقطر ألما فيلجأون إلى تقديم رسائل ومناشدات للجهات المعنية ورجال الخير لإنقاذ أرواح هؤلاء المرضى من الموت.. فيرتد إليهم الجواب بحماس فاتر: نحن الآن نحاول أن نضع حلا للمشكلة وربنا يلطف بهم اشتغلوا بالإمكانيات المتاحة والله يعينكم، هكذا ما فهمته من الدكتور على الأهدل مدير المركز وحتى من نائبه.. يكتظ مركز الغسيل الكلوي بالحديدة، بمرضاه بصورة كارثية مؤلمة، تستفز كل الضمائر الحية.. فصور المرضى وهم يتلوون من الألم في الصالات والممرات لهذا المركز مشهد إنساني يصعب أن تتحمله المشاعر السوية، فالمركز لم يعد يتسع لمرضاه، نظرا لتزايد أعداد المصابين بالفشل الكلوي سنويا.. ولشحة الإمكانيات فيه، فمواد الغسيل قليلة والأجهزة محدودة و هؤلاء المرضى يسحقهم الألم حد الموت.. ، وأي كارثة أفدح وأقسى حينما يكون ضحيتها مواطنون يجدون أنفسهم في مواجهة الموت ولا يموتون إلا بعد انقضاء الأجل فيبقون في حياتهم يكابدون الآلام والأوجاع دون التفاتة من إخوان لهم. في تلك اللحظة الفاجعة كنت معهم والى جوارهم منذ أسبوع من كتابة هذه المقالة الضاجة بالألم والتي أعدها بلاغا للرأي العام، حين اتصل بي احد أقارب المرضى لأكون شاهدا على المأساة، رأيت صورا من الألم المتكوم أقف حيال هؤلاء المرضى متفرجا لا املك لهم سوى الأنين، أي خراب يلحق بالإنسانية هنا ؟.. اتصلت بالمجلس المحلي بالجهات ذات العلاقة فيرتد إلي الجواب باهتا جافا خال من مشاعر الإنسانية، عايسترهم ربنا يصبروا الكمية في الطريق.. تقاطر المشهد المر في وجه أطفال هذه الارملة، وجوه غائبة في الصفرة، لا لون ولا هوية لهؤلاء المرضى ولا وطن سوى الرغبة في إجراء غسلة ضرورية للكلى.. أمام عينك تزدحم الحروف بالألم والكلمات تحشرج في حلوقهم بوجع لا يطاق.. يحدثونك بكلمات متشققة كمن يتهجى حروف كلماته الأخيرة، يحدث هذا عندما يكون الصحفي لوحده منفردا في مواجهة غير متكافئة مع حشود من الألم والصور المكتظة بالموت حيث تخرج الآهة من صدر هؤلاء المرضى مرشوشة بالدم.. أسئلة مرتجفة تستغيث لنفسر لها لما كل هذا العذاب لهؤلاء المرضى ؟ تنثال نجوم الحزن من حدقات طفولة وعجزة ونساء ورجال هدهم المرض، خمدت في نفوسهم الآمل بالشفاء بعد صمت مبتذل لآهاتهم فالوزارة المعنية لا تزال تتجاهل عذاباتهم، فهم في محل شك وأعدادهم في محل اتهام.. إنهم يتعوذون بالصبر ويلوذون بالصمت ابتلع صرخاتي وأسئلتي الفضولية ؟ أمعن بأسى في وجه طفل من المراوعة ومسنة من حجة وعاجز من وصاب وشاب من تهامة.. تنفرط الآمال في الحياة بالنسبة لهم كحبات المسبحة بانتظار الموت كمخلص لهم من الموت البطيئ وبنو قومهم ومسئولوهم ينظرون إليهم بأن حالتهم " نجتف " بينما في دول العالم مرضى الفشل الكلوي ليسوا بهذا العذاب ولا بهذه المهانة الإنسانية إنهم يغسلون بشكل دوري وفي نفس الساعة والدقيقة المحددة بينما تمر الساعات والأيام على مرضى الفشل الكلوي في اليمن وهم رافعون أرجلهم يتلوون من الألم صرخاتهم تسمع إلى الشوارع المجاورة ومرضاهم يحملون عكازاتهم ويحملون على الرقاب إلى مقر المحافظة ليحتج البعض منهم على مسؤولية بإرادة تقف بمشاعرها الجليدية صامته ومتفرجة.. تعلل الشركة المعنية بشراء مواد الغسيل تأخر وصول المواد إلى المركز بالحديدة بتأخر سداد الوزارة للأقساط، ويتناسى هؤلاء مجتمعين اليوم الذي سيقف فيه الجميع بين يدي الله حين يقال لهم " وقفوهم إنهم مسؤولون ".. صرخة إنسانية وواجب ديني وأخلاقي ووطني يجب أن يصغي الجميع إلى معاناتهم وأوجاعهم لتقديم المساعدة لهم بتوفير كافة متطلبات علاجهم في المركز الذي بات يضج بالمرضى وأناتهم الضاجة بالألم الذي يوقظ أنينه الضمائر الحية، أنين مرضى يتطلعون إلى القلوب الرحيمة، إلى كل من له ذرة من مسؤولية، من سيعيد لهؤلاء الأمل بحياة كريمة ؟ من سيمنحهم ساعات للراحة من الألم، من سيهبهم الابتسامة والفرحة بالعلاج والإيواء لإجراء غسيلهم بصورة دورية ومنتظمة لينتشلهم من وجع لا يطاق.. من يريد لقاء ربه راضيا عنه بتفريج كربة مريض أقعده الفقر يتلوى من الألم في منزله ؟ لا يكف أنينه من الألم ؟ من سيدخر لنفسه مثوبة عند الله مضاعفة والله يضاعف لمن يشاء ؟ من سيدخر لنفسه ابتسامة أبدية وقد مسح دمعة من أحداق مريض كان ينتظر الموت ألما وفجأة يجد من يهبه دفقة أمل بالحياة.