نقل مراكز البنوك إلى عدن (المخاطر والتحديات)؟!    ياوزير الشباب .. "قفل البزبوز"    نائف البكري يجهز لدورات صيفية لحزب الإصلاح في الأراضي الجنوبية    بعد تجريف الوسط الأكاديمي.... انتزِعوا لنا الجامعات من بلعوم السلفيات    بحضور القاسمي ... الاتحاد العربي للدراجات يعقد الاجتماع الأول لمكتبه التنفيذي الجمعة المقبل بالقاهرة    وزير الإعلام: مليشيا الحوثي تواصل استغلال مأساة المخفيين قسراً للمزايدة السياسية    انعقاد جلسة مباحثات يمنية - صينية لبحث مجالات التعاون بين البلدين وسبل تعزيزها    إثارة الخلافات وتعميق الصراع.. كيف تعمل مليشيا الحوثي على تفتيت القبيلة اليمنية؟    سد مارب يبتلع طفلًا في عمر الزهور .. بعد أسابيع من مصرع فتاة بالطريقة ذاتها    الاحتلال يكثف قصف رفح والمقاومة تخوض معارك بعدة محاور    غرامة 50 ألف ريال والترحيل.. الأمن العام السعودي يحذر الوافدين من هذا الفعل    ''بيارة'' تبتلع سيارتين في صنعاء .. ونجاة عدد من المواطنين من موت محقق    هل رضخت الشرعية؟ تفاهمات شفوية تنهي أزمة ''طيران اليمنية'' وبدء تسيير رحلات الحجاج عبر مطار صنعاء    انطلاق أولى رحلات الحج عبر مطار صنعاء.. والإعلان عن طريقة الحصول على تذاكر السفر    شاهد .. وزير الزراعة الحوثي يعترف بمجلس النواب بإدخال الحوثيين للمبيدات الإسرائيلية المحظورة (فيديو)    استعدادات الأمة الإسلامية للعشر الأوائل من ذي الحجة وفضل الأعمال فيها    بن مبارك في دبي للنزهة والتسوق والمشاركة في ندوة إعلامية فقط    باصات كثيرة في منتدى الأحلام    احترموا القضاء والقضاة    أكاديمي سعودي: التطبيع المجاني ل7 دول عربية مع إسرائيل جعلها تتفرعن    برشلونة تودع تشافي: أسطورةٌ تبحث عن تحديات جديدة وآفاقٍ أوسع    الإعلان عن تسعيرة جديدة للبنزين في عدن(السعر الجديد)    الحوثيون يعتدون على مصلى العيد في إب ويحولونه لمنزل لأحد أقاربهم    الفريق "محمود الصبيحي" يوجه صفعة قوية للإنتقالي الجنوبي    إنجاز غير مسبوق في كرة القدم.. رونالدو لاعب النصر يحطم رقما قياسيا في الدوري السعودي (فيديو)    بوخوم يقلب الطاولة على دوسلدورف ويضمن مكانه في البوندسليغا    خمسة ملايين ريال ولم ترَ النور: قصة معلمة يمنية في سجون الحوثيين    العكفة.. زنوج المنزل    الاستخبارات الإسرائيلية تُؤهّل جنودًا لفهم اللهجتين اليمنية والعراقية    سقوط صنعاء ونهاية وشيكة للحوثيين وتُفجر تمرد داخلي في صفوف الحوثيين    استشهاد جندي مصري في الحدود مع غزة والقاهرة تحذر من المساس بأمنها    المطرقة فيزيائياً.. وأداتياً مميز    الوزير الزعوري يلتقي رئيس هيئة التدريب والتأهيل بالإنتقالي ورئيس الإتحاد الزراعي الجنوبي    المنتخب الوطني للشباب يختار قائمة جديدة من 28 لاعبا استعدادا لبطولة غرب آسيا    استقرار أسعار النفط مع ترقب الأسواق لاجتماع مجموعة "أوبك بلس"    تدشين دورة إدارة البحوث والتطوير لموظفي وموظفات «كاك بنك»    8200 يمني سيغادرن من مطار صنعاء الى الأرضي السعودية فجر غدا الثلاثاء أقرأ السبب    معالي وزير الصحة يُشارك في الدورة ال60 لمؤتمر وزراء الصحة العرب بجنيف    مغادرة أول دفعة من الحجاج جواً عبر مطار عدن الدولي    ''زيارة إلى اليمن'': بوحٌ سينمائي مطلوب    محرقة الخيام.. عشرات الشهداء والجرحى بمجزرة مروعة للاحتلال في رفح    شيفرة دافنشي.. الفلسفة، الفكر، التاريخ    40 دعاء للزوج بالسعادة.. ردديه ضمن أدعية يوم عرفة المرتقب    سلطان العرادة وشركة غاز صافر يعرقلون أكبر مشروع لخزن الغاز في ساحل حضرموت    شاهد: فضيحة فيسبوك تهزّ منزل يمني: زوجة تكتشف زواج زوجها سراً عبر المنصة!    مارب.. افتتاح مدرسة طاووس بن كيسان بدعم كويتي    دعم سعودي جديد لليمن ب9.5 مليون دولار    برشلونة يختتم موسمه بالفوز امام اشبيلية    - 45أعلاميا وصحفيا يعقدون شراكة مع مصلحة الجمارك ليكشفون للشعب الحقيقة ؟كأول مبادرة تنفرد بها من بين المؤسسات الحكومية منذ2015 فماذا قال مرغم ورئيس التحرير؟ اقرا التفاصيل ؟    قيادة «كاك بنك» تعزي في وفاة والدة وزير العدل القاضي بدر العارضة    الثاني خلال أسبوع.. وفاة مواطن نتيجة خطأ طبي خلال عملية جراحية في أحد مستشفيات إب    الفنان محمد محسن عطروش يعض اليد السلطانية الفضلية التي أكرمته وعلمته في القاهرة    عالم يمني يبهر العالم و يكشف عن أول نظام لزراعة الرأس - فيديو    ثالث حادثة خلال أيام.. وفاة مواطن جراء خطأ طبي في محافظة إب    ما بين تهامة وحضرموت ومسمى الساحل الغربي والشرقي    وهم القوة وسراب البقاء    شاب يبدع في تقديم شاهي البخاري الحضرمي في سيئون    اليونسكو تزور مدينة تريم ومؤسسة الرناد تستضيفهم في جولة تاريخية وثقافية مثمرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل يمكن إلغاء الربيع العربي؟
نشر في الصحوة نت يوم 08 - 02 - 2014

ربما كان العنوان الأكثر مساسا بالواقع وتماسا معه هو هل يمكن إلغاء ثورة 25 يناير في مصر؟ ذلك أن الحديث الصريح عن هذه الأمنية فاق أي حدث مواز في أي بلد آخر من بلدان الربيع العربي.

ومن ثم، فإن الآمال التي تعلق بها الكثيرون من رموز الثورة المضادة للربيع العربي كله أصبحت تركز بصورة ملحوظة على إمكانية النجاح في مصر، ومن ثم تتساقط الإنجازات الربيعية في بلدان الربيع العربي الأخرى تلقائيا.

بيد أن عمومية القضية تبقى أقوى بكثير من خصوصية الحالة، حتى لو أن انقلابا قد وقع في مصر وصرح بما لم تصرح به الثورات المضادة الأخرى من رغبة قوية في إنهاء "ثلاث سنوات من محاولات إسقاط الدولة"، وهو القول الصريح الذي صدر على لسان وزير الدفاع قائد الانقلاب المصري.

ونحن نفهم هذا المعني أيضا من كتابات من يسمون أنفسهم -أو يظنون أنفسهم- خبراء في العلوم السياسية، حيث يذهبون -هم وكل الذين وضعوا أقلامهم في خدمة السلطة العسكرية- إلى القول المكرر إن هناك دوافع كثيرة لإنجاز هذا الذي يسمونه الحفاظ على الدولة، والذي نسميه نحن والعالم إلغاء الربيع العربي.

ونحن ندرك بكل وضوح مدى حرص هؤلاء على أن يصوروا مهمتهم بالمقدسة، وأن يصفوا عملهم بالمشروعية، وهم حريصون -من ثم- على أن يسموا ما يفعلونه من ثورة مضادة كاملة المعالم بأسماء أخرى تبعث الرعب في النفوس والزيف في الحقائق، وهو أمر مفهوم و متوقع.

كذلك، فإننا نفهم من هذه الكتابات أن أنصار الثورة المضادة للربيع يرون أن تحقيق مثل هذا الهدف هو أمر مشروع وأن نجاحاتهم فيه قد تخطت القيمة (أو العتبة) الفارقة الكفيلة بإثبات النجاح على نحو أو آخر.

بل إننا نفهم من بعض هذه الكتابات بعد تجنيبها من سعار الحمى المفاجئة أن مصر خسرت بسبب ثورة 25 يناير ما لا يمكن استعادته، وأنه كان من الممكن استعادة بعضه، ونفهم أيضا كل هذا الذي يقال الآن بجدية من أقوال كانت مثارا للسخرية من قبيل ما رددته من سمت نفسها الشيخة ماجدة ببركاتها عن التعاون المشترك بين جهات متنافرة من قبيل أصابع المخابرات الأمريكية وأصابع التخريب، وعن اتفاق حماس وإيران وإسرائيل... إلخ.

ونفهم أيضا كل محاولات التشويه التي تلحق بكل من لا يزال حريصا على البقاء في ركب الثورة، فضلا عمن كان في القطار يوم قيل عن القطار إنه ثورة.

مع كل هذا الفهم ومع كل الاعتراف بما استطاعت الثورة المضادة تحقيقه على أرض الواقع، بدءا من الانقلاب ومرورا بالمذابح الدموية والمجازر البشرية والمحارق الحديثة، وبالدستور وقانون التظاهر وقانون الإرهاب وانتهاء بإعلان قائد الانقلاب ترشيح الشعب له رئيسا للجمهورية حتى يكتمل معنى الثورة الشعبية، وينتفي معنى الانقلاب، الذي هو بكل المقاييس والمعالم انقلاب.

لكننا مع كل هذا الفهم والاعتراف بجهد القوة المضادة نرى حقيقة ساطعة أخرى، وهي أنه يستحيل أن ينجح أحد في إلغاء ثورة 25 يناير أو إجهاض آثارها ونتائجها ووجودها وروحها، وربما كان من الإنصاف للثورة ولمصر وللحقيقة أن نسارع إلي بيان الأسباب التي تدفعنا إلى مثل هذا التقرير الحاسم.

أولا: لم تقم ثورة 25 يناير على نظام قابل للحياة والاستمرار، وإنما قامت على نظام كان قد استنفد أسباب حياته وأغراضه، وكان في واقع الأمر قد انتهى من حيث الدينامية الفاعلة وإن بقى بحكم الزمن جالسا على كراسي تعوّد الجلوس عليها.

ونحن نستطيع أن نرى مدى صدق هذا الحكم على الأمور بطريقة عملية إذا ما فتحنا بطريقة عشوائية ثلاث صحف في ثلاثة أيام عشوائية من الأيام الأخيرة، أو فلنقل السنة الأخيرة من عصر مبارك (يناير/كانون الثاني 2010 - يناير/كانون الثاني 2011)، وعندها سنكتشف بكل وضوح أن النظام لم يكن قد تبقي له وجود حقيقي في السياسة ولا حتى وجود رمزي، فالمشكلة -أي مشكلة- تثور وتتفاقم دون داع وكأنه ليس هناك نظام ولا حكومة، والقضايا ترحل والاعتصامات تتكرر، والردود السخيفة تتكرر هي الأخرى.

وهكذا، فإن المطالعة الدقيقة -حتي بعد فوات الأوان ومرور الوقت- تكشف لنا أنه لم يكن هناك أي مبرر لاستمرار نظام ما بينما النظام نفسه لم يكن يدلل على حياته ووجوده بأي دليل، بل إن رئيس الوزراء -الذي كان يتولى المنصب في ذلك الوقت- كان قد استمرأ الوجود الشكلي في منصبه، بل بدأ يمارس طقوس الحياة مع زوجة جديدة بعد فترة قصيرة من فقدانه شريكة عمره، وقد تأكد هذا للجميع حين رُزق الرجل بعد عشرة شهور من الثورة بابنة (كان في ذلك الوقت سجينا محكوما عليه في إحدى قضايا الفساد).

وليس من باب التزيد أن نشير إلى واقعة كنت وما أزال أعتبرها بمثابة بلورة واضحة للاندفاع إلى الثورة، وهي واقعة ركوب وزير التربية والتعليم (الجديد وقتها) رأسه وتصميمه على أن يحول مدارس اللغات في الإسكندرية إلى مدارس تجريبية رغم أن البرلمان ومجلس الدولة حكما بعكس قراره، ورغم أن المتضررين من قراره السلطوي كانوا هم رجال الدولة العميقة بكل ما تعنيه الكلمة من تجمع يضم رجال مؤسسات القضاء وأمن الدولة والشرطة والمخابرات والجيش والبحرية وغيرها.

لكن رغبة الوزير الجديد المحمومة في إثبات الذات لم تكن تعبأ بما قد يترتب على هذه الرغبة من كسر عمود من أعمدة نظام متهالك قائم على هذا الوضع غير القانوني في رأي الوزير المندفع.

وهكذا، فإن سقوط مبنى المحافظة في العاصمة الثانية لم يكن نتيجة فعل الثورة أو التخريب أو الزمن فحسب، بل كانت واقعة السقوط والزوال والاحتراق نتيجة حتمية أيضا لسلوك اللامبالاة من جانب من يفترض منهم أن يكونوا مبالين تماما بحكم كونهم موالين، لكن اللامبالاة جعلتهم يبدون وكأنهم لا موالين أيضا.

وتلك سمة من السمات البارزة في لحظات انتهاء النظام -أي نظام- حين ينفض أقطاب النظام أيديهم من كثيرين من الصغار الذين فرضوا أنفسهم على النظام فيبدو الأمر وكأنهم ينفضون أيديهم من النظام نفسه.

وهنا أتوقف لأقول إن قرار الثورة في 2011 لم يكن من خارج النظام فحسب ولكنه وجد أصداء مؤيدة داخل النظام نفسه.

وليس معنى هذا أنني أقول بنظرية الطابور الخامس لكني أقول بنظرية تعتمد على أهمية عناصر التحلل الداخلي التي قد تدعم المؤثرات الخارجية من حيث لا يتوقع أحد وجود هذا المؤثرات.

ثانيا: لم يكن هناك بديل معقول لثورة 25 يناير، فقد انسدت الآفاق لدرجة بات من الصعب إمكان فتحها مرة أخرى إلا بثورة.

ومن المؤسف أن كثيرين من الكتاب يتجاهلون الآن هذه الحقيقة المؤكدة، وربما كان من المهم إلقاء بعض الضوء على هذه الجزئية حتى تتضح الصورة التي لا تزال غائمة في أذهان بعض الباحثين الغربيين حول الربيع العربي بصورة عامة.

فعلى صعيد العمل النقابي -مثلا- كانت النقابات قد تجمدت تماما على وضعها الذي كانت موجودة عليه منذ عشرين عاما، وذلك بحكم تشريعي قاس على الديمقراطية أصدره مجلس الشعب.

وقد صدر هذا الحكم على هيئة قانون سُمي بالقانون رقم 100 الخاص بالنقابات المهنية، وبمقتضى هذا القانون -الذي كان واضحا تماما في سطوته وقسوته- فقد تجمد حال العمل النقابي على نحو ما كان عليه حين صدر القانون، فلم يعد هناك مجال لحركة مناسبة ولا انتقال السلطة في النقابات نفسها، وإنما أصبحت النقابة واقفة متوقفة متجمدة جامدة على نحو ما انتهت إليه الأمور قبل صدور القانون.

إذ لم يعد من السهل إجراء الانتخابات ولا تحريك المياه الراكدة في النقابات، وهكذا أصبح أقصى نجاح هو أن تستطيع نقابة ما تنظيم رحلة عمرة أو أن تنظم معرضا ميسرا للسلع المعمرة لأعضائها للحصول على ثلاجة أو غسالة بالتقسيط، وهكذا انغلق باب التعبير عن الرأي في السياسة العامة أو المهنية أو الوظيفية.

وقد حدث وضع شبيه بمثل هذا الوضع في اللجان النقابية لعمال الشركات، وتحول رؤساء اللجان النقابية إلى أعضاء في مجلس الإدارة في الشركات القابضة والتابعة على حد سواء مع ما يرتبط بهذه العضوية من مميزات مادية محسوبة ومنظورة، وتكرس هذا الوضع في السنوات الأخيرة من عصر مبارك.

وأصبح الحفاظ على مقاعد النقابات العمالية بمثابة حياة أو موت للذين شغلوا هذه المقاعد واستفادوا من وضعهم الناشئ الجديد، بينما ضاعت -بالطبع- قضايا السياسة والتمثيل السياسي وحقوق العمال والتمثيل العمالي وغيرها، وانسد الأفق على نحو ما ذكرنا.

وقد امتد هذا النمط النشط في تعقيم مسارات العمل السياسي حتى نجح في كل الميادين، وكانت المجالس المحلية هي أهم هذه الميادين بالطبع، مما ضاءل من فرصة الآمال السياسية أو المستقبلية في أي تنمية محلية أو أي تطوير محلي (محدود وممول ذاتيا) للبيئة أو المجتمعات الإقليمية.

ومع أن بعض هذه الميادين التي استدعت قيام ثورة 25 يناير 2011 لا تزال تعاني مما كانت تعاني منه قبل 25 يناير، فإن هذا في حد ذاته يؤكد ما يلي:

الأول: هو أن ثورة 25 يناير كانت ضرورة، وبالأدبيات الماركسية كانت حتمية تاريخية.
الثاني: هو أن ثورة 25 يناير غير قابلة للإلغاء لأن أسبابها كانت موجودة ولا تزال موجودة أيضا.
ثالثا: تؤكد كل السياسات التي اتبعها الانقلابيون ومن قبلهم قادة المجلس العسكري في الفترة الانتقالية على حقيقة مهمة، وهي أن مسار الثورة أصبح حاكما لكل خططهم وإستراتيجيتهم بحيث أصبح الهدف الأول والأخير للفترتين (فبراير/شباط 2011 - يونيو/حزيران 2012) ثم (يوليو/تموز 2013 وحتى الآن) هو ألا تحدث الثورة مرة أخرى.
ويعطينا هذا التشخيص فكرة مهمة عن حقيقة متجاهلة وهي أن عقول ونفوس هؤلاء الذين يتحكمون بالأمور لا تخرج عن نطاق التفكير في أن الثورة حدثت وأنه لا يمكن إلغاؤها، وبالتالي فإنه لا بد من محاربتها ومقاومتها حتى لا تتكرر مرة أخرى، ذلك أنها في نظرهم إذا تكررت تكرست وتأكدت، لكنه إذا مُنع تكرارها تصبح أقرب لأن تكون غلطة يمكن الاعتذار عن وجودها على نحو أو آخر.

ونحن نرى كل سياسات المجلس العسكري (فبراير/شباط 2011 - يونيو/حزيران 2012) ثم الانقلابين ( من يوليو/تموز 2013 وحتى الآن ) تقاوم إلى أقصى ما يمكن فكرة مشروعية الحشد الذي انتهى بسقوط مبارك يوم 11 فبراير/شباط.

ولهذا، فإنها كانت ولا تزال ترى في رابعة -رغم بشاعة جريمتها- المنقذ الوحيد الذي أنقذها من السقوط على نحو ما سقط مبارك، ومع أن هذا غير صحيح جملة وتفصيلا، فإنه بات هو الجوهر المسيطر على خطط وعمليات قيادة القوات المسلحة بحيث أصبح النصر في نظرها هو النجاح في فض الاعتصام أيا ما كان موضعه.

وسيقف التاريخ العالمي والإنساني متعجبا ومستغربا ومدهوشا أمام مثل هذا التعريف القاصر أو المتخلف للنصر أو النجاح العسكري، لكن فلسفة التاريخ من ناحية أخرى ستجد في هذا السلوك ما يدل بكل وضوح على أن الثورة التي حدثت في 25 يناير غير قابلة للإلغاء حتى وإن بدت عند العسكريين غير قابلة للتكرار، ولأن في تكرارها هزيمتهم المحققة.

وربما كان هذا هو أدق وصف لهذا الوضع الاستثنائي المعقد في تركيبته الفكرية والبسيط في تركيبته الإنسانية أو الشيطانية الذي تطورت إليها الأمور حتى صارت على نحو ما نراه الآن.

وليس من قبيل المبالغة القول إن هذا الوضع الغريب في شذوذه المختلق بدون داع حقيقي، هو آخر ما فكر فيه مؤرخ أو محلل سياسي قبل مطلع 2011 وربما قبل مطلع 2014، لكن هذا هو الحق وهو الحقيقة بدون تنميق ولا تزويق.

المصدر:الجزيرة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.