دعا سياسيون وأكاديميون إلى اصطفاف وطني، وتشكيل كتلة سياسية وطنية وتوسيع هذه الكتلة، من أجل تنفيذ مخرجات مؤتمر الحوار الوطني السامل، ومواجهة التحديات التي تقف أمام تنفيذ هذه المخرجات. واستعرضوا في الحلقة النقاشية التي أقامها المركز اليمني للدراسات الاستراتيجية، أمس الخميس بصنعاء، بعنوان "الأولويات الوطنية في مرحلة ما بعد الحوار، الأبعاد السياسية" عدداً من التحديات الماثلة أمام تنفيذ مخرجات الحوار الوطني وبناء الدولة، مؤكدين على تكوين جبهة عريضة لمواجهة هذه التحديات. حيث تحدث د. عبدالكريم دماج عضو مؤتمر الحوار الوطني، عن الضمانات والأولويات في وثيقة مؤتمر الحوار الوطني، مؤكداً على ايجاد مقاربة فلسفية لضمان ان تصبح مخرجات الحوار الوطني واقعاً ملموساً. وقال دماج إن الضمان الأول هو روح الوفاق والاتفاق التي سادت أروقة مؤتمر الحوار بين كل المكونات السياسية والاجتماعية أن تظل هذه الروح حاضرة ومهيمنة على تنفيذ مخرجات الحوار الوطني، وأضاف "من المثالية بمكان الحديث على أن هناك وفاق كامل ولكن هناك رؤى متباينة وهو أمر طبيعي، لكن لحظة الخطر من الوضع القائم الهش، يجب أن توحد اليمنيين، ل أن يتبني كل طرف الأجندة الخاصة به في ظل الوضع الهش يؤدي إلى الانتكاس والعودة إلى مربع العنف والصراع الذي يفضي إلى نتائج سياسية". وأكد ان استشعار لحظة الخطر يجعل الأطراف جميعها تذهب من جديد إلى التوافق في تنفيذ مخرجات الحوار بجدية. وأوضح دماج أن الضمان الثاني الشروع في بناء دولة ديمقراطية القضايا التي تم التوصل إليها في وثيقة الحوار الوطني التي قال أنها ليست مخرج نظري فكري فقط، لأن العقول التي صاغت الوثيقة هي عقول يمنية، تعرف عينياً كل تفاصيل الواقع اليمني وتعقيداته، وتوصلت إلى أن الواقع الذي نعيشه لا يمكن الخروج منه إلا ببناء دولة ديمقراطية السيادة للقانون والحكم للمؤسسات والمواطنة المتساوية، وأن السيطرة على مقدرات الدولة يؤدي إلى تدمير المجتمعات. وأكد عند تحويل مخرجات الحوار الوطني المتفق عليها من كل القوى السياسية والاجتماعية إلى واقع ملموس، على حضور ثلاثة أمور، أولها أن ذلك يحتاج برامج تفصيلية مدروسة بأناة وعمق ومعرفة حول المعوقات الموضوعية التي يمكن أن تشكل عقبات لا بد من التعامل معها في اتجاه التغلب عليها حتى تصبح هذه المخرجات أمر واقع، والثاني اصطفاف القوى السياسية حول ما اقرته من نتائج في أروقة الحوار، وهناك قوى لم تكن جادة في الحوار وكانت تراهن على قضايا أخرى، وثانيها أن وثيقة الحوار الوطني هي برنامج وطني شامل وكل الأطراف يجب أن تتحول إلى جبهة وطنية عريضة لها برنامج واحد هو تنفيذ الوثيقة، كون ذلك الطريق الآمن إلى السلم الاجتماعي، والثالثة هو دور المؤسسات البحثية والأكاديمية والإعلامية، لجعل ما توصلنا إليه من اتفاق واقعاً ممكناً، لمناقشة البرامج التنفيذية لوثيقة الحوار الوطني. فيما أشار د. عبدالغني الشميري عضو مؤتمر الحوار الوطني إلى عدد من التحديات السياسية التي تواجه تنفيذ مؤتمر الحوار، وقال ان جملة من الأولويات الأمنية والسياسية والاقتصادية هي من تحدد المخاطر السياسية القائمة والمحتملة والتي ستواجه بنتائج الحوار الوطني المتوجه بالتوافق. واستعرض الشميري مؤشرات التحديات السياسية أمام تنفيذ مخرجات مؤتمر الحوار، وفي مقدمتها الاستعصاء السياسي الذي تبديه بعض القوى المشاركة في الحوار، ولها خارج مؤتمر الحوار أجندة أخرى، وقال ان هذه القوى أخذت اماكن استحقاق التمثيل رغم ما يصدر عنها من ممارسات سياسية وميدانية تتنافى مع واقع الالتزام الذي تقتضيه المشاركة الحوارية، وأن هذا يوحي أننا أمام تحدي كبير تفرضه طبيعة تطورات الوضع الأمني والعسكري الميداني الذي يستعر أواره بين الحوثي والقبائل وبعض القوى الأخرى الذي تساعد هذا الطرف في سعيه للتوسع العسكري لاحتلال الدولة والوصول إلى مركز العاصمة الذي يتنافى بالمطلق مع ما انبثق عنه مؤتمر الحوار ويهدده، وهو التحدي الأهم مع تحديات أخرى قاسمها هو الإطاحة بنظام ما بعد ثورة الشباب الشعبية السلمية وتقويض اركان السلطة باصطناع الأزمات والفعاليات المظللة. ولفت الشميري إلأى تحديات الجغرافيا السياسية ببعديها المناطقي والطائفي، حيث أن حراك البيض المسلح الذي ينشط في المحافظات الجنوبية ما يزال ممانعاً ومقاوماً لمخرجات مؤتمر الحوار رغم مشاركة تكوينات في الحراك الجنوبي في الحوار وكان لها مواقف وطنية، فبدأ هذا التيار في المقاومة المسلحة وينخرط في أعمال تخريبية تؤثر على أمن المواطنين ومعيشتهم، رغم ما تضمنه مؤتمر الحوار من معالجات للقضية الجنوبية وجبر الضرر السياسي والحقوقي الذي شملته وثيقة حل القضية الجنوبية، لكن هذا المعوق ذو النفس الانفصالي بدأ يفقد بريقه وفعالياته تحت وقع الانجازات التي تحققت لأبناء المحافظات الجنوبية في مؤتمر الحوار فاقت سقف التوقعات، كما أن رؤية الأقاليم وظهور مؤشرات الإقليم الشرقي فتك بأحلام القوى الانفصالية التي لها طموحات مالية وسياسية. وتطرق الشميري إلى المخاطر التي يشكلها النظام السابق والقوى التقليدية الحديثة، حيث اشار خروج النظام السابق بمكسب الحصانة التي تضمنتها المبادرة الخليجية شجعته على ممارسة اللعبة السياسية بأدوات غير مشروعة هي أقرب للأدوات التخريبية، وبشاعة هذه الأدوات وضحاياها أصبحت مرهقة للدولة والتنمية المجتمعية وأضرت بالحياة الأمنية، مثل الاعتداءات على المصالح والخدمات، وكذا التحالف مع القوى الإمامية أملاً منها في اسقاط نظام ما بعد الثورة. ولفت إلى انتشار ظاهرة التسليح الثقيل، كتحد سياسي بتجاوزه حدود المعروف والمعقول، لدى جماعات العنف والتخريب، التي قال أنها لم تعد تهدد مخرجات مؤتمر الحوار فحسب، ولكنها وصلت إلى تهديد كينونة الدولة في المرحلة القادمة، وتابع "جماعة الحوثي تكدس السلاح الذي تتلقاه من الداخل والخارج، في حين أن الأيام الأخيرة للنظام السابق شهدت حركة للسلاح النوعي من المعسكرات التي كان يقوم عليها رموز العائلة من الأبناء إلى مناطق تدين لهم بالولاء تمهيداً لنقلها إلى جماعة الحوثي كبادرة تحالف ضد دولة ما بعد الثورة، رغم أن المحسوبين عليه ما زالوا شركاء في جزء كبير من السلطة، وما تم تسريبه من هذا السلاح لعناصر القاعدة الذي حرص رأس النظام السابق على الاستفادة منها داخلياً وخارجياً وما زال حتى اللحظة يستخدمها ورقة للعب بها". وسرد تحديات أخرى منها تحدي الاندماج الاجتماعي، والتحدي السياسي الخارجي، والشعور الشعبي الجارف بالإحباط والأسى إزاء المألات المربكة التي وصلت إليها الثورات العربية. من جهته قال د. محمد مشرح الباحث بمركز الدراسات والبحوث أن الضمان الأول لتنفيذ مخرجات الحوار ايجاد دولة مؤسسات قادرة على فرض سلطتها عبر مشروعية دستوريها، وهناك تحديات تقف أمام تعزيز سلطة الدولة. وحول التحديات أكد مشرح أن ابرزها اختزال سلطة الدولة في اشخاص ومؤسسات خاصة عسكرية وامنية واقتصادية مع استمرار اضعاف الدولة لصالح سلطات نخبوية، وأضاف "كان هناك هيكل سلطة رسمي وآخر غير رسمي هي صاحبة النفوذ الحقيقي والقوي التي كانت مسلس دوائر تشترك في محور واحد هو رئيس الجمهورية". وقال مشرح أن التحدي الثاني هو غياب مبدأ المؤسساتية كأساس لدولة قوية، استحداث شكلي، ساهمت المؤسسات الشكلية في تعزيز قوة ونفوذ القوى التقليدية، والأكثر خطورة كان في مؤسسات الجيش، فيما قال أن التحدي الثالث هو نتيجة للتحديين السابقين، ويتمثل في غياب شرعية الدولة، وهذا ساهم في هشاشة الدولة، وبرزت ظاهرة التعامل مع الدولة على أنها قوة من بين القوى المتعددة، فيما التحدي الرابع هو ضعف الولاء الوطني والذي نتج عن غياب الاندماج والتلاحم السياسي للدولة اليمنية، الذي أضعف الاحساس بالولاء الوطني في مواجهة الولاءات الثانوية الأخرى، وقال "وهذا الضعف لا يسمح بتعزيز سلطة الدولة، ومن مظاهر ذلك حالة الانفصام السياسي الذي يعيشه المواطن اليمني بين مصالح ضيقة وبين انتمائه للوطن". وأشار إلى تحديات أخرى منها ضعف مؤسسة الجيش والأمن كأداة للدولة لفرض سلطتها، وكذا في تدخلات بعض القوى الإقليمية والدولية التي تقتضي مصالحها تقوية نفوذ جماعات معينة على حساب اضعاف سلطة الدولة. في حين تطرق الباحث في العلوم السياسية أحمد الأحصب إلى ما قال أنه تاريخ طويل في ضعف العلاقة وعدم الثقة بين الشعب والدولة بسبب غياب الدولة وعدم فرض سيطرتها على الأرض اليمنية بالكامل، ولذلك مظهر آخر هو سوء استخدام السلطة. بينما رأي الباحث السياسي عبدالناصر المودع أن أهم التحديات هو نقص الموارد الكافية لإدارة دولة مركزية فاعلة، في وجود الفوائض المالية في جزء بسيط من اليمن، فيما باقي اليمن تعاني عجز، وهذا ناتج عن تضاريس ومناخ اليمن، وكذا التضاريس الوعرة التي تصعب على أي حكومة مركزية السيطرة على هذه المناطق، مع ضعف الموارد. كما لفت المودع إلى تحدي الموقع الجغرافي، حيث أن الجبال والداخل معزول، بينما السواحل تمثل اهمية استراتيجية للعالم الخارجي، وهذا جعل اليمن تحت تأثير العالم الخارجي ومكشوف عليه وبالتالي أضعف قيام دولة مركزية. وأشار إلى عدم قدرة اليمن بمواردها الذاتية إقامة دولة فعالة، المساعدات منعت الاستقلال بالقرار، الموارد الذاتية هي موارد الغاز والنفط المتناقصة باستمرار، وغياب المؤسسات الفعالية الجيش القوي الموحد الفعال، وغياب جهاز إداري محترم، لا يعاني من علل الأجهزة البيروقراطية. وتطرق إلى دور الأحزاب السياسية التي تعتبر اسمنت الدولة المدنية، وضعفها يضعف الدولة، محذراً من تقوية الهويات الفرعية الجغرافية والقبلية والمناطقية والمذهبية، وضعف الهوية الجامعة، متهماً وثيقة الحوار أنها تعزز ذلك من خلال الأقلمة، لافتاً إلى أن منح المحافظات صلاحيات إدارة الثروة سيولد صراعات ويؤدي إلى أن هذه الموارد تناقص الثروة على السلطة المركزية وقد تختفي. وتحدث عن اضعاف الجيش الوطني من خلال المناصفات التي ستتم، وتضعف بالتالي اسس الدولة، إضافة إلى اضعاف الجهاز الإداري عبر المناصفة، واضعاف الأحزاب الوطنية في حين الأحزاب المناطقية والمناطقية. وعقب على المتحدثين عدد من المشاركين في الحلقة، حيث أكد محمد العزاني على أهمية العمل بجهد متواصل لمواجهة التحديات، والتأكيد على أن تحافظ ضمانات تنفيذ مخرجات الحوار على الهوية السياسية لليمن. من جهته أشار القيادي الاشتراكي محمد صالح قرعة إلى التحديات التي قال أنها أوضاع افشلت إقامة الدولة، مؤكداً أن الخيار الوحيد بعد الثورة الشبابية هو الحوار الوطني، والحراك الجنوبي السلمي، مشدداً على وضع خارطة جديدة لليمن الاتحادي، وداعياً إلى تكون لجنة حقيقية نزيهة وكفؤة لوضع الدستور. بينما سرد عضو مؤتمر الحوار البرلماني الدكتور منصور الزنداني 25تحدياً أمام بناء الدولة وتنفيذ مخرجات الحوار، هي غياب العقيدة السياسية الوطنية الجامعة، وغياب وضعف المؤسسات، وعدم الاستقرار السياسي، وتزايد معدلات الحرب والعنف، واستمرار رفض مخرجات الحوار من قبل بعض القوى، وتزايد معدلات الفقر والبطالة، والاختلاف في تأويل مخرجات الحوار، وبروز النزعات المناطقية والعنصرية، وضعف الدولة، وتخلي السلطة عن واجباتها، وغياب الدعم الشعبي لمخرجات الحوار، وتراجع الولاء الوطني. وقال ان من التحديات استمرار الفترات الانتقالية وضعف الأداء الحكومي، وانتهاء الصلاحيات الدستورية لبعض المؤسسات، والتدخلات الخارجية واستمرار الاعتداء على الخدمات، وممارسة العنف والخطف والتقطعات، ونشر الكراهية، وتفشي الفساد، وغياب الأمن وتراجع الاستثمار ودور الإعلامي التخريبي في نشر الفتنة. أما السياسي عبدالحميد الحدي فقد حمل القيادات السياسية والحزبية مسئولية استثنائية في خلق حالة عمل تعبوي سياسي وثقافي لإعادة التوازن للنفسية اليمنية المحبطة، وقدم اقتراح لتقسيم اليمن إلى 7 اقاليم متداخلة بين الشمال والجنوب مع مراعاة تميز صنعاء وعدن، مؤكداً أن الوحدة قيمة معنوية لشعب واحد، في حين ينظر إليها البعض نظرة مصلحية. الدكتور علي العودي رأى أن المشكلة لا تكمن في شكل الدولة وإنما في سوء الإدارة، مؤكداً أن أهم التحديات أهم تطبيق مخرجات الحوار الوطني هي الامكانات المادية، والتعويضات والعدالة الانتقالية وادماج الفئات المسلحة، وصعف الامكانات البشرية المؤهلة وقلتها للتحول إلى شكل الدولة الجديد، وكذا تحدي السعي لاضعاف الدولة، داعياً الرئيس والحكومة لوقف جماح الجماعات المسلحة التي تنذر باسقاط النظام الجمهوري. في حين لفت الدكتور عبدالسلام المهدي رئيس مركز قياس الرأي وحقوق الإنسان بجامعة صنعاء الى أربعة تحديات، هي تحدي الموارد المالية والبشرية، وتحدي وجود مجتمع منظم وهو ما اسماه ب "تفكيك المجتمع" وتحدي القيم والايدلوجيات وغياب الهوية والوطنية، وكيفية نقل الدولة من هلامية إلى شيء ملموس. مطهر سيف المخلافي طرح حلولاً لبعض التحديات، حيث دعا لتعميق هيكلة القوات المسلحة والأمن، والتهيئة الإعلامية المتكاملة، وإعلان حالة طوارئ لتوفير الأموال اللازمة لتطبيق مخرجات الحوار، كما دعا كل مكون سياسي للافصاح عن نواياه من هذه المخرجات من خلال رؤى وخطط معلنة، وتهيئة البيئة الخارجية الداعمة من خلال تفعيل العلاقات الخارجية إلى أقصى درجة. الباحث عبدالحي علي قاسم اعتبر مؤتمر الحوار انفراجة كبيرة لليمنيين، داعيا للنظر للتحديات من خلال المتغير الثوري، وأشار إلى أن القوى المتضررة من التغيير هي التي لا تريد النجاح وترغب في العودة إلى الوزراء عبر شل فاعلية الدولة الإدارية والسياسية. محمد الرجوي أكد على أهمية مواجهة التحديات بالدفع بمخرجات الحوار ونبذ ثقافة الكراهية، وترسيخ مبدأ الشراكة والعيش المشترك. فيما أكد المدير التنفيذي للمركز اليمني للدراسات الدكتور ناصر الطويل على ضرورة تقوية سلطة الدولة وتشكيل كتلة وطنية جامعة، وحلحلة الصراعات الأمنية والسياسية كون ذلك مجال من مجالات العمل الوطني. وكان رئيس المركز اليمني للدراسات الاستراتيجية الدكتور محمد الأفندي قد تحدث في بداية الحلقة، معتبراً اختتام مؤتمر الحوار اليمني يمثل انتصار للعقل اليمني وللشعب ولمبدأ الحوار والتوافق والشراكة الوطنية الواسعة والتسامح والتعاون بين كل القوى السياسية. وأضاف "رغم هذا الانجاز لكن هناك تحديات وهي التحديات الأصعب، تحديات سياسية واقتصادية وثقافية واجتماعية، كما انتصرت الإرادة اليمنية في انجاز الحوار فإنها ستتغلب على هذه التحديات".