قبل الحديث عن دروس مرسلة للحكام والمعارضة من شعب تونس ومصر لا بد أن نفهم ثلاث حقائق لكي تستطيعوا تفسير ما يجري في الدول العربية ذات الحكم الجملكي المتدثر بالديمقراطية و الجمهورية: - الحقيقة الأولى: أن نفهم بأن الله تعالى اقتضت مشيئته أن يجعل حياتنا قائمة على سنن ثابتة لا تتغير,و أمرنا أن نأخذ بها في بناء حياتنا, مثل سنة الله في أن النصر والتمكين يبدأ بالوعي الجماعي الشعبي الشامل, وهو الانتقال من صحوة التدين إلى صحوة الوعي. وسنة الله في أن الهزيمة والفشل بسبب وجود قادة حولوا الشعوب إلى خدم لهم ولأسرهم, و سنة الله في أن الفتن لتمحيص الأمة في فضح المنافقين والمرتزقة الجهلة باسم الدين أو باسم الوطنية أو باسم المصلحة العليا زورا وبهتانا, وسنة الله في أن وجود الظلم الفقر والمرض ومنع التدافع السياسي الإيجابي من قبل المستبد وحرمان الأمة من المواطنة المتساوية هو بسبب سكوت الأمة عن حقوقها, وأول خطوات التوبة للشعوب العربية هي إزاحة هذه الأنظمة. " وسنة الله في أن الهزيمة والفشل بسبب وجود قادة حولوا الشعوب إلى خدم لهم ولأسرهم, و سنة الله في أن الفتن لتمحيص الأمة في فضح المنافقين والمرتزقة الجهلة باسم الدين أو باسم الوطنية أو باسم المصلحة العليا زورا وبهتانا" وسنة الله في أن الجزاء من جنس العمل, ومظهر ذلك أن الحاكم المستبد الذي سخر أجهزته الأمنية لمطاردة الشعب فالعقاب أليم, أن تتحول الشعوب إلى مطاردة للحاكم المستبد وأسرته وعصاباته. - الحقيقة الثانية: أن نفهم بأن الله كرمنا بالعقل والفطرة والشهوة والحرية والكون والشريعة والزمن, وجعل الجنة والنار من أجل الجزاء من جنس العمل, فمن اختار مرجعيته في الحكم أصول الإسلام دخل الجنة, ومن خالف ذلك دخل النار. وأصول الحكم في الإسلام أتاحت للعقول الراشدة السليمة أن تجتهد في الإجابة على سبعة أسئلة كمعايير للحكم الإسلامي الرشيد و هي: من يحكم؟ كيف يصل إلى الحكم؟ كيف يحكم؟كيف يحاسب إن أساء استخدام السلطة؟ كيفية إجراءات إبعاده من السلطة؟ ما هي حدود سلطته من السلطات الثلاث؟ كم مدة حكمة؟ ولما لم ينظر للإجابة على هذه الأسئلة نظريا وعمليا, رغم أن الغرب أجابوا عليها, ولهذا الشعوب العربية اليوم ثارت من أجل العودة للإجابة على هذه الأسئلة بعد أن وصل الاستبداد مداه النهائي وعربد حتى أوصل الشعب إلى النفق المظلم. - الحقيقة الثالثة: أن نفهم بأن الحكم الفردي العائلي عندما يطول به الزمن يجمع كل المنافقين والمرتزقة والوصوليين حتى يصل مداه ويتعفن كما تتعفن المعلبات التي انتهى مدة صلاحيتها فتتحول إلى سموم, وذلك عندما يحل الزعيم الملهم محل وطنه فالوطن هو وهو الوطن. وعندما تحل العائلة محل سلطات الدولة الثلاث, وعندما يحل الولاء والثقة لأشخاص العائلة محل الولاء للوطن ومحل معايير الكفاءة. وعندما تتحول مؤسسات الدولة إلى أدوات مستباحة تخدم عائلة الحاكم مع أقاربه وأهل ثقته وأصهاره وأصهار أصهاره هنا ينفجر الشعب ويكون الجزاء من جنس العمل كما حصل ويحصل الآن في تونس ومصر والبقية في الطريق,ولهذا كان حاكم تونس وعائلته يطاردون الشعب وهنا تحول الشعب إلى مطارد للحاكم وعائلته والصورة واضحة بمطاردة شعب تونس عائلة بن على. الدروس المستفادة من ثورة الكرامة التونسية والمصرية: "الحكم الفردي العائلي عندما يطول به الزمن يجمع كل المنافقين والمرتزقة والوصوليين حتى يصل مداه ويتعفن كما تتعفن المعلبات التي انتهى مدة صلاحيتها فتتحول إلى سموم" إننا جمعيا تابعنا ما يجري في تونس, ومصر, واليمن, والأردن, والجزائر, وغيرها, وسمعنا التعاطف العالمي مع شعب مصر حتى الأنظمة الداعمة لحاكم مصر وعلى رأسها أمريكا وبريطانيا وهنا نتساءل: هل نحن أمام تحول طبقي تأريخي لقوله تعالى: لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَن طَبَقٍ (الانشقاق: 19) وهل نحن أمام دورة كونية لقوله تعالى: «وتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ» (آل عمران: 104) وهل نحن أمام صحوة وعي الشعوب العربية بعد صحوة التدين؟ هل نحن أمام ثورة شباب النت والفيسبوك الذين فهموا أن العالم أصبح قرية واحدة ويؤثر بعضه ببعض؟ أقول إننا أمام ذلك كله نستطيع الإشارة إلى الدروس الآتية. - الدرس الأول: نحن أمام تجديد ثورة محمد صلى الله عليه وسلم التي مفتاحها (لا إله إلا الله محمد رسول الله) والتي هدفها إزالة الطغاة وإعطاء الحرية للبشرية لتختار ما تشاء من الأديان «لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ» (البقرة: 256) «فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ» (الكهف: 29), وهذه ثورة لإزالة أنظمة الاستبداد لتختار الشعوب العربية ما تشاء من الحكم والحكام, الله الخالق يخير مخلوقاته, وهؤلاء المجرمين من الحكام يحرمون على الأمة أن تختار حاكمها. فاليوم يُجدد ثورة محمد صلى الله عليه وسلم الأحرار من العلماء والمثقفين والأكاديميين والصحفيين ومنظمات حقوق الإنسان والمجتمع المدني, وعززها أنين المسجونين ودعاء المظلومين والفقراء وتحركت لها شعوب تخلصت من أمراض الخوف والقمع من أنظمة حكام الزيف والتزوير والكذب. - الدرس الثاني: إننا في بداية وداع زمن مضى وهو زمن الخوف والذل زمن شعار (الروح بالدم نفديك يا زعيم), وزمن خطابات المراوغة والكذب والترهيب والترغيب والترقيع, واستقبال زمن رفع شعار (بالروح بالدم نفديك يا وطن الحرية والكرامة والعدالة والمواطنة المتساوية)، وزمن تحول السلطة من خادعة للشعوب ومستخدمة لها إلى صادقة وخادمة لها. - الدرس الثالث: إننا نعيش بداية مرحلة القصاص التاريخي الشعبي من جرائم حكام الدكتاتورية الذين أوصلوا الأمة إلى أسوأ المئآلات, وأبشع النهايات, بسبب خلوتهم المحرمة بالحكم والمال والقرار، وبلا عقد شرعي فمارسوا الزنا الفاحش بالحكم والمال والقرار و لا محاسب لهم. إن الشعوب العربية المسلمة نسيت وجهلت أن المنكر الأكبر بعد الشرك بالله تعالى هو: الظلم والاستبداد والتفرد بالحكم وفي مصالح الشعب، وشخصنة السلطة وأسررتها, ولهذا ثورة الكرامة التونسية كان هدفها الرئيسي التخلص من شخصنة السلطة بابن على والتخلص من العائلة المهيمنة على كل مؤسسات الدولة, وخاصة الأمنية والمالية. " إننا نعيش بداية مرحلة القصاص التاريخي الشعبي من جرائم حكام الدكتاتورية الذين أوصلوا الأمة إلى أسوأ المئآلات, وأبشع النهايات, بسبب خلوتهم المحرمة بالحكم والمال والقرار، " - الدرس الرابع: إن ثورة الكرامة التونسية أسقطت بن على كرسالة تذكير لحكام العرب ليقوموا بإجراءات إصلاحية سياسية شاملة قبل أن يُقلَعوا بالقوة وستكون التضحية كبيرة على الجميع كما حصل في الصومال والعراق، ولهذا التقط الشعب المصري الرسالة. - الدرس الخامس: إن ثورة الكرامة التونسية دعوة صارخة لحكام العرب أن يفهموا أنه لا شيء أقوى وأسرع واخطر من شباب يُعاني من البطالة والفراغ وضياع المستقبل فمهما تعلم وهو يرى الحكام وأسرهم وأبناءهم ومن لف بعدهم يتمتعون بأموال الشعب وبالمنح التعليمية في دول أوروبا، وهم لا يجدن لقمة العيش وإذا تخرجوا ومهما كانوا أذكياء فلا معايير للتوظيف إلا الولاء للحاكم وشلته وأسرته، وفرعون مصر حتى اللحظة لم يفهم الدرس كما فهمه بن على. - الدرس السادس: إن ثورة الكرامة التونسية التي خرج بها الشعب التونسي بكل شرائحه وتوجهاته كان هدفها الأساسي إزاحة رأس الأفعى التي كانت سببا للقمع والقهر والإذلال والاستئثار بالثروة والوظائف والقرار, وما زالت ثورة الكرامة مستمرة رغم قطع رأس الأفعى, لماذا؟ لأن ثعابينها موجودون وعلى رأسهم قيادات حزب التجمع الدستوري والدستور مفصل عليهم وهذا ما يطالب به الشعب المصري اليوم. - الدرس السابع: إن حرية الأحزاب والصحافة ليس لها قيمة بدون تغير فهي حرية محبطة طالما والاستبداد رفع شعار (قولوا ما تشاءون وافعل ما أشاء)، كما هو حاصل في اليمن، وكل الدورات الانتخابية لا قيمة لها فهي في كل دورة تنتج الفساد وتشرعنه وتجدد شرعنته. - الدرس الثامن: إن الحاكم العربي المستبد يساوم المعارضة بل ويضحك عليها بالترغيب والترهيب كما هو حاصل في اليمن، ولكنه لا يستطيع أن يساوم الملايين العاطلة والضائعة بسببه، ولا يملك سجون تستوعبهم فالشعب أقوى من المعارضة، فلا بد للشعوب أن تفهم هذا. الدرس التاسع: نجحت ثورة الكرامة التونسية لأن قيادتها الشعب كله، ولم تعتمد على رموز متألهين يمارسون الاستبداد على إتباعهم ويطالبونهم بالثورة على استبداد غيرهم. وهذه رسالة لقادة الأحزاب المعتقين ليعوا أهمية التربية على الحرية. - الدرس العاشر: ثورة الكرامة التونسية والمصرية دعوة صريحة للأحزاب العربية والجماعات والجمعيات الإسلامية أن تعيد صياغة أفكارها وبرامجها في عقولها وسلوكها قبل منشوراتها وأن تفكر خارج محور نفسها وأن تلتحم بشعوبها بصدق وأمانة. - الدرس الحادي عشر: ثورة الكرامة التونسية قامت من شعب متحرر من الاستبداد الفكري سواء باسم القومية أو الإسلامية الذي تمارسه الجماعات والمذاهب الإسلامية وتمارسه الشعوب العربية على مستوى كل الأصعدة الفردية الأسرية والمعرفية ولهذا تخلص التونسيون من الاستبداد السياسي بإجماع وما عندهم طاعة ولي الأمر واجبه وإن جلد ظهرك ونهب أرضك. - الدرس الثاني عشر: لا قيمة للحماس وإهدار الطاقة والتذمر, وإنما لا بد من رؤية مستدامة تبدأ من مستوى أشخاصنا وأبنائنا وبناتنا كلٌ يعمل لهدف و يسعى لتحقيه ويتسلح بسلاح المعرفة الدائمة المستمرة والمتجددة.