سلسلة غارات امريكية على محافظتين يمنيتين    نقابة الصحفيين اليمنيين تطلق تقرير حول وضع الحريات الصحفية وتكشف حجم انتهاكات السلطات خلال 10 سنوات    استمرار انهيار خدمة الكهرباء يعمّق معاناة المواطنين في ذروة الصيف في عدن    3 عمليات خلال ساعات.. لا مكان آمن للصهاينة    فعاليات للهيئة النسائية في حجة بذكرى الصرخة ووقفات تضامنية مع غزة    - اعلامية يمنية تكشف عن قصة رجل تزوج باختين خلال شهرين ولم يطلق احدهما    - حكومة صنعاء تحذير من شراء الأراضي بمناطق معينة وإجراءات صارمة بحق المخالفين! اقرا ماهي المناطق ؟    شاب يمني يدخل موسوعة غينيس للمرة الرابعة ويواصل تحطيم الأرقام القياسية في فن التوازن    بدعم كويتي وتنفيذ "التواصل للتنمية الإنسانية".. تدشين توزيع 100 حراثة يدوية لصغار المزارعين في سقطرى    قرار جمهوري بتعيين سالم بن بريك رئيساً لمجلس الوزراء خلفا لبن مبارك    غرفة تجارة أمانة العاصمة تُنشئ قطاعا للإعلان والتسويق    "ألغام غرفة الأخبار".. كتاب إعلامي "مثير" للصحفي آلجي حسين    مقاومة الحوثي انتصار للحق و الحرية    مقاومة الحوثي انتصار للحق و الحرية    إنتر ميلان يعلن طبيعة إصابة مارتينيز قبل موقعة برشلونة    منتخب الحديدة (ب) يتوج بلقب بطولة الجمهورية للكرة الطائرة الشاطئية لمنتخبات المحافظات    أزمة اقتصادية بمناطق المرتزقة.. والمطاعم بحضرموت تبدأ البيع بالريال السعودي    عدوان أمريكي يستهدف محافظتي مأرب والحديدة    وزير الخارجية يلتقي رئيس بعثة اللجنة الدولية للصليب الأحمر    تدشين التنسيق والقبول بكليات المجتمع والمعاهد الفنية والتقنية الحكومية والأهلية للعام الجامعي 1447ه    وفاة عضو مجلس الشورى عبد الله المجاهد    اجتماع برئاسة الرباعي يناقش الإجراءات التنفيذية لمقاطعة البضائع الأمريكية والإسرائيلية    الطيران الصهيوني يستبيح كامل سوريا    مصر.. اكتشافات أثرية في سيناء تظهر أسرار حصون الشرق العسكرية    اليمن حاضرة في معرض مسقط للكتاب والبروفيسور الترب يؤكد: هيبة السلاح الأمريكي أصبحت من الماضي    قرار بحظر صادرات النفط الخام الأمريكي    أزمة جديدة تواجه ريال مدريد في ضم أرنولد وليفربول يضع شرطين لانتقاله مبكرا    الحقيقة لا غير    القاعدة الأساسية للأكل الصحي    أسوأ الأطعمة لوجبة الفطور    سيراليون تسجل أكثر من ألف حالة إصابة بجدري القردة    - رئيسةأطباء بلاحدود الفرنسية تصل صنعاء وتلتقي بوزيري الخارجية والصحة واتفاق على ازالة العوائق لها!،    الفرعون الصهيوأمريكي والفيتو على القرآن    الجنوب يُنهش حتى العظم.. وعدن تلفظ أنفاسها الأخيرة    مليشيا الحوثي تتكبد خسائر فادحة في الجفرة جنوب مأرب    إعلان عدن التاريخي.. نقطة تحول في مسار الجنوب التحرري    استشهاد نجل مستشار قائد محور تعز العميد عبده فرحان سالم في مواجهات مع المليشيا    اسعار الذهب في صنعاء وعدن السبت 3 مايو/آيار2025    الأرصاد يتوقع استمرار هطول الامطار ويحذر من التواجد في بطون الأودية    إصلاح الحديدة ينعى قائد المقاومة التهامية الشيخ الحجري ويشيد بأدواره الوطنية    عدوان مستمر على غزة والاحتلال بنشر عصابات لسرقة ما تبقى من طعام لتعميق المجاعة    مانشستر سيتي يقترب من حسم التأهل لدوري أبطال أوروبا    خلال 90 دقيقة.. بين الأهلي وتحقيق "الحلم الآسيوي" عقبة كاواساكي الياباني    الهلال السعودي يقيل جيسوس ويكلف محمد الشلهوب مدرباً للفريق    اللجنة السعودية المنظمة لكأس آسيا 2027 تجتمع بحضور سلمان بن إبراهيم    احباط محاولة تهريب 2 كيلو حشيش وكمية من الشبو في عتق    سنتكوم تنشر تسجيلات من على متن فينسون وترومان للتزود بالامدادات والاقلاع لقصف مناطق في اليمن    صحيفة: أزمة الخدمات تعجّل نهاية التعايش بين حكومة بن مبارك والانتقالي    الفريق السامعي يكشف حجم الاضرار التي تعرض لها ميناء رأس عيسى بعد تجدد القصف الامريكي ويدين استمرار الاستهداف    وزير سابق: قرار إلغاء تدريس الانجليزية في صنعاء شطري ويعمق الانفصال بين طلبة الوطن الواحد    الكوليرا تدق ناقوس الخطر في عدن ومحافظات مجاورة    غزوة القردعي ل شبوة لأطماع توسعية    الإصلاحيين أستغلوه: بائع الأسكريم آذى سكان قرية اللصب وتم منعه ولم يمتثل (خريطة)    من يصلح فساد الملح!    عرض سعودي في الصورة.. أسباب انهيار صفقة تدريب أنشيلوتي لمنتخب البرازيل    جازم العريقي .. قدوة ومثال    الصحة العالمية:تسجيل27,517 إصابة و260 وفاة بالحصبة في اليمن خلال العام الماضي    القلة الصامدة و الكثرة الغثاء !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ظاهرة الجمهوريات الوراثية في الوطن العربي !!
نشر في التغيير يوم 29 - 11 - 2005


د . عبد الله الفقيه *
من بين 22 دولة عربية هناك ثمان دول تسيطر عليها أنظمة عائلية تمارس مع إختلاف الدرجة حكما إستبداديا مطلقا يتم توارثه بين الذكور من أفراد ألأسرة الحاكمة. وهناك دول تعاني من عدم الإستقرار السياسي الى الحد الذي يصعب معه توصيف نظام الحكم فيها والتنبؤ بمستقبله. وبين هذه وتلك يوجد عدد من الدول تتطور نحو مايسمى ب " الجمهوريات الوراثية" أو "الجملوكية" بحسب تعبير الكاتب العربي الكبير سعد
الدين إبراهيم (اي نصف جمهورية ونصف ملكية).
وقد بدأت ظاهرة الجمهوريات الوراثية في سوريا حيث عملت النخبة الحاكمة في يونيو 2000 على نقل السلطة، بعد رحيل الرئيس حافظ الأسد، الى نجله بشار. وفي العراق، أنهار نظام صدام حسين الأسري والمناطقي والطائفي قبل أن يتمكن من توريث السلطة لأحد أبنائه. ويجري العمل، وفقا لسعد الدين إبراهيم، على قدم وساق لبناء العروش الجمهورية في مصر وليبيا و اليمن . ومع أن وجود الأنواع الثلاثة من الدول (ملكية، غير مستقرة، وجملوكية) في المنطقة يثير العديد من الأسئلة التي يصعب الإجابة عليها الإ أن التركيز في هذا المقال هو على النوع الثالث. فظاهرة الجمهوريات الوراثية تثيرالكثير من الجدل وذلك لأن الشرعية السياسية للانظمة الجمهورية أرتكزت إما على الثورة ضد المستعمر المحتكر للسلطة أو على الثورة ضد الحكم الملكي الوراثي، أو الإثنين معا.
طرق مختلفة والنتيجة واحدة
تختلف الأنظمة العربية في الطريقة التي يتم بها الأعداد لتوريث السلطة. في مصر مبارك حيث التطور السياسي والإجتماعي يفوق نظيره في الجمهوريات الوراثية المرشحة وحيث تم تحقيق قدرا كبيرا من فصل السلطة عن البندقية او السيف عن القلم بحسب تعبير ابن خلدون، تتجه النخبة الحاكمة الى نقل السلطة من مبارك الذي يقترب عمره من الثمانين الى إبنه الأصغر جمال ليس عن طريق الباسه البيادة والميري ونقله بسرعة الضوء من مواطن الى قائد عسكري برتبة عالية بل عن طريق الحزب والمجتمع المدني.
لقد أتبعت النخبة الحاكمة في مصر في سعيها لنقل السلطة من مبارك الى جمال إستراتيجية من ثلاثة أبعاد. أولا، لم يتم تصعيد أي من أفراد النخبة الى موقع نائب الرئيس الذي مازال شاغرا وذلك حتى لايخلق مبارك وريثا قانونيا للعرش وفقا للتقليد الذي بدأه عبد الناصر (عين السادات نائبا له ليصبح رئيسا بعده) ثم سار عليه السادات من بعده (عين مبارك نائبا له ليصبح رئيسا بعد إغتيال السادات) وهو التقليد الذي أوصل مبارك نفسه الى السلطة. ثانيا، عدلت النخبة الحاكمة الالية التي يتم من خلالها انتخاب رئيس الجمهورية بطريقة تضمن معها عدم ظهور منافس حقيقي لجمال في الانتخابات القادمة. واذا كانت النخبة قد سمحت للاحزاب في انتخابات عام 2005 الرئاسية ان تقوم بانزال مرشحين لمنافسة مبارك دون الحصول على تزكية لا يملكها سوى الحزب الوطني فان الدستور قد قيد الانتخابات القادمة، التي من غير المحتمل ان يخوضها مبارك لكبر سنه، بحصول الراغب في الترشيح على تلك التزكية.
ثالثا، بدأت النخبة، وفقا لأحد المصادر، منذ عام 2000 حملة مستمرة لتلميع جمال في أعين العامة ولإظهاره كقائد لحركة شبابية تسعى الى التغيير. ولتحقيق ذلك تم تصعيد جمال في مؤتمر الحزب الوطني الحاكم لعام 2002 الى منصب السكرتير السياسي للحزب وهو الموقع الثالث في الهرم الحزبي، وتم تكليفه بمهمة إعادة بناء الحزب وتفعيل أعضائه وتطوير برنامجه، وهي مهمة تتيح لجمال أن يضع أعوانه في المواقع الحساسة في الحزب.
أما في العراق فقد عمل الرئيس صدام حسين قبل زوال نظامه على تركيز السلطة في أقاربه وبالذات ولديه قصي وعدي. صحيح أن التنافس (بل الصراع أيضا) بين الشقيقين ظل قائما على الوظيفة العليا في البلاد الا ان الصحيح أيضا انها كانت مهيئة لأحدهما. وقد تولى قصي رئاسة الحرس الجمهوري وأشرف على وكالات الإستخبارات. أما عدي فقد تولى رئاسة اللجنة الاولمبية العراقية ونقابة الصحفيين واتحاد الادباء. ثم انتخب عدي عضوا في البرلمان العراقي. ولم يوقف خطط صدام لنقل السلطة الى أحد نجليه سوى الغزو الأمريكي للعراق والذي أطاح بحكم صدام وأقاربه وانهى بطريقة مأساوية حياة نجلي صدام قصي وعدي.
وعلى الحدود الشرقية لمصر، يسير القذافي وفقا لبعض المراقبين، على نفس خطى مبارك في إعداد نجله سيف الإسلام للسلطة، تماما كما سار على خطى مبارك في التطبيع مع أمريكا وكما سار من قبل على خطى عبد الناصر في الدعوة الى الوحدة العربية. ويبني سيف الإسلام، نجل العقيد القذافي، طموحه في الوصول الى السلطة على الأعمال التي يديرها وعلى علاقاته بعالم النفط.
أسباب التوريث
بدأت الأنظمة الجمهورية في العالم العربي حكمها، كما يقول سعد الدين إبراهيم في مقال بعنوان "فقه الجملوكيات العربية"، " بدايات ‘ثورية‘ واعدة بإنجاز كل الأحلام التاريخية للأمة: الوحدة العربية, وتحرير فلسطين, والحفاظ على الاستقلال الوطني, والعدالة الاجتماعية, والتقدم الاقتصادي, والأصالة الحضارية. ولكن كلما طال الأجل بهؤلاء الرؤساء الجمهوريين في قمة السلطة, كلما تعاظم استبدادهم, واستشرى فسادهم, وجلبوا الخراب على بلادهم. بل أكثر من ذلك بدأ كل منهم بإعداد أحد أبنائه لوراثته في الحكم."
وهكذا فان الطريقة التي تطورت بها الأنظمة الجمهورية في العالم العربي خلال العقود الثلاثة الأخيرة من القرن العشرين يمكن ان تقدم تفسيرا لظاهرة التوريث. فقد أدت ظروف محلية وإقليمية ودولية الى ظهور نخب سياسية حاكمة تتصف بالفساد والأنتهازية وتتشبث بالسلطة بكل أنيابها وتمنع أي تحول في بنية السلطة مهما كان محدودا خوفا مما يمكن أن يقود اليه مثل ذلك التحول من تغيير في أشخاص الفاعلين داخل النظام ومن تهديد للمصالح غير المشروعة للنخب الحاكمة.
ووفقا لما سبق فان التحول نحو نظام وراثي يبدو وكأنه تعبير عن مرحلة إنحلال لنظام أستنفذ أغراضه وأثبت فشله في تحقيق أهدافه الجمهورية والثورية وأوصلته آلياته الى مرحلة أصبحت فيها الوراثة وليس التداول السلمي للسلطة هي النتيجة الطبيعية لنظام لايمكن له أن يحيى ويستمر الا خارج الشرعية.
ويقدم الصحفي البريطاني براين ويتكر في مقال نشرته صحيفة الجارديان البريطانية في 28 أغسطس 2001 بعنوان "الجمهوريات الوراثية في الدول العربية" رؤية اكثر وضوحا لبروز ظاهرة الجمهوريات الوراثية حيث يذهب الكاتب الى القول بان القابضين على السلطة في الجمهوريات العربية يواجهون ثلاثة خيارات فيما يتعلق بإنتقال السلطة بعد رحيل الحاكم الحالي: إنتخابات حرة، دعم أحد أفراد النخبة، أو نقل السلطة الى نجل الرئيس.
بالنسبة للخيار الأول، الانتخابات الحرة، فيتم استبعاده لمعرفة النخب الحاكمة في الدول العربية بان المواطن العربي لا يرى في تلك الأنظمة الحاكمة سوى الفساد وانعدام الفكاءة. وفي ظل ذلك الانطباع السلبي، فان الشعوب العربية اذا ما اعطيت الفرصة للتعبير عن ارادتها بحرية فانها ستدير ظهرها لرموز النظام القائم. ولإن النخب الحالية الحاكمة، قيادة وقواعد، تدرك تلك الحقيقة فانها بالتالي لا يمكن ان تدعم الإختيار الأول لأنه سوف يقود إما الى إنهيار النظام المصلحي القائم أو الى إبدال المنتفعين بذلك النظام المصلحي بآخرين. وتقدم التجربة الجزائرية الدليل على أن أي تحول حقيقي نحو تبني خيار الإنتخابات النزيهة كآلية لأنتقال السلطة سوف يؤدي في الأغلب الى هزيمة نكراء للنخب الحاكمة شبيهة بما قاسته جبهةالتحرير الوطني في الجزائر.
أما خيار الدفع بأحد أفراد النخبة الى أعلي موقع في السلطة فأنه، من وجهة نظر النخب الحاكمة، قد يؤدي الى ظهور التنافس بين أفراد النخبة من جهة والى تقسيم تلك النخبة بعد رحيل الحاكم الحالي الى رابحين وخاسرين من جهة أخرى. ضف الى ذلك أن الرئيس الحالي قد يجد في الشخص المختار لخلافته تهديدا خطيرا له. ولاتخلو التجربة التاريخية من دروس وعبر تحاول النخب الجمهورية الحاكمة في الوطن العربي الإستفادة منها. فقد لجأ عبد الناصر، مثلا، في السنوات الأخيرة من حكمه الى إختيار محمد أنور السادات خلفا له لا لشي ولكن لأن السادات كان أضعف حلقات النخبة العليا ولم يكن بالتالي يمثل تهديدا لناصر أو للطامحين الى الزعامة في المستقبل.
و رحل عبد الناصر عام 1970 ممسكا بجمرة الجمهورية وآلت السلطة من بعده لنائبه محمد انور السادات الذي كان ينتمي الى النخبة العسكرية التي نفذت انقلاب 23 يوليو عام 1952 تحت قيادة عبد الناصر. لكن الصراع الداخلي بين أفراد النخبة المصرية الحاكمة سرعان ماتفجر بين رئيس يسعى لفرض أفكاره ورجاله من جهة وبين نخبة تدافع عن مواقعها ومصالحها ورؤاها من جهة اخرى. ولم يكن هناك من طريقة لحسم الصراع سوى الطريقة القديمة: الفوز لفريق والخسارة للآخر.
وحدث أمر مشابه في الأردن. كان الملك حسين قد عين أخاه الأمير الحسن وليا للعهد قبل أكثر من 35 سنة لكن النخبة الحاكمة في الأردن عانت قبل رحيل الملك حسين بفترة قصيرة من تصدع حاد رأى معه بعض أفراد النخبة أن صعود الحسن الى السلطة سوف يمثل قضاءا على مصالحهم ومستقبلهم السياسي. ولذلك رتبوا إنقلابا ابيض ضد الأمير الحسن انتهى بنقل ولاية العهد فجأة وبشكل سريع الى عبد الله الثاني نجل الملك حسين.
ويبقى الخيار الثالث، خيار نقل السلطة من الرئيس الى ابنه، هو الأكثر جاذبية لأفراد النخبة لما يحمله من ضمان باستمرار النخبة الحالية والحفاظ على كل مكتسباتها. ويحقق خيار التوريث للإبن عدة اهداف للنخبة. أولا، يسهل على أفراد النخبة المقربة مناقشة الأمر مع الحاكم الحالي، دون الخوف من النتائج العكسية لذلك. ثانيا، يسهل على أفراد النخبة تهيئة الأبن للسلطة بحرية تامة وفرضه على أفراد النخبة الحاكمة ككل دون الخوف من أي معارضة داخلية. ثالثا، يؤدي صعود نجل الرئيس الى ضمان مصالح النخبة باعتبارها هي التي دعمت حكم أبيه وحكمه، ويمكنها بالتالي من ممارسة تأثير قوي على السلطة.
وهناك من يعطي العوامل الثقافية التأثير الأكبر في ظاهرة التوريث. يذهب خليل العناني، مثلا، في مقال له حول الخلافة السياسية في العالم العربي "يمكن الحصول عليه من موقع قناة الجزيرة" الى التأكيد على الدور الذي تلعبه "ثقافة الخوف العربية" في انتشار ظاهرة التوريث، وهوخوف، بحسب العناني، من بطش الحاكم وإنتقامه في حال معارضته من جهة، وخوف من التغيير ذاته من جهة أخرى. والخوف من بطش الحاكم واقع حقيقي في حياة الإنسان العربي لكنه لايفسر نزوع الحاكم نفسه الى التوريث في ظل نظام جمهوري. أما الخوف من التغيير فسمة فردية واجتماعية لكنه يصعب التأكد من حجم الدور الذي يلعبه الخوف من التغيير في ظاهرة التوريث.
ولا يمكن لأي محاولة لتفسير ظاهرة التوريث في الجمهوريات العربية ان تغفل الحديث عن بنية السلطة في البلدان العربية ودورها في تحول الأنظمة الجمهورية الى انظمة وراثية. فالسلطة في سورية واليمن ومن قبل ذلك في العراق ورغم محاولات اتباع سياسة التوازن تغلب عليها الأسرية والعشائرية والقبلية والمناطقية وربما الطائفية. فحافظ الأسد الذي حكم سورية بيد من حديد لثلاثة عقود (1970-2000) ومثل أحد أقطاب القومية العربية جعل همه الأساسي هو إبقاء السلطة داخل أسرته وطائفته العلوية برغم أن نسبة العلويين الى سكان سورية لاتتجاوز العشرة في المائة. وأنتهج صدام حسين، رغم خطابه القومي، أسلوبا مشابها حيث جعل السلطة الحقيقية في تكريت-مسقط راسه. ويسير رئيس الجمهورية اليمنية علي عبد الله صالح على نفس الطريق الخطر الذي سار فيه قبله الرئيس حافظ الأسد في سوريا والرئيس صدام حسين في العراق حيث يقوم بتركيز السلطة والثروة في اسرته وفي ابناء قريته وبطريقة تتطابق معها خطوط توزيع السلطة والثروة مع خطوط التقسيم المناطقي والطائفي والقبلي والجغرافي للمجتمع اليمني.
وتلعب البيئة الإقليمية التي تسيطر فيها إما أنظمة ملكية مطلقة أوجمهوريات في طريقها لأن تصبح وراثية دورا هاما في تطمين النخب الحاكمة الى صواب توجهها وعقلانيته وحكمته. فالمثال السوري جعل النخبة الحاكمة في مصر أكثر علانية في خططها السياسية لنقل السلطة الى جمال مبارك. أما الأنظمة الملكية فتجد في التوجه الجديد داخل الدول الجمهورية برهانا جديدا على حكمتها وتميزها وبالتالي رافدا من روافد الشرعية لإستمراريتها.
ويلقي السياق التاريخي المزيد من الضوء على البيئة الإقليمية التي تشهد تحول الأنظمة من جمهورية الى وراثية. فقد مثل المد الجمهوري، بقوميته وتقدميته، تهديدا خطيرا للأنظمة الملكية في المنطقة العربية خلال الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين، وهو التهديد الذي دفع بالانظمة العربية الوراثية الى الإرتماء أكثر فأكثر في حضن الأجنبي بحثا عن الحماية. ومع أن حرب 1967 وجهت ضربة عنيفة للقومية العربية وللمد الجمهوري الإ أن التهديد ظل مستمرا. فإنقسام الإنظمة السياسية في العالم العربي الى جمهورية وملكية كان من أهم العوامل التي غذت الصراع الإقليمي وشكلت العلاقة بين دول المنطقة بعضها ببعض من جهة وبين تلك الدول والعالمين الغربي والشرقي من جهة اخرى. وفي ظل التجربة التاريخية المشار اليها، تجد الأنظمة الملكية في العالم العربي أن من مصلحتها دعم توجه الأنظمة الجمهورية نحو التوريث حتى تقطع الطريق على الحركات المعادية لها و تخلق توافقا بين الأنظمة القائمة في المنطقة يزيل التهديد التاريخي لأمنها.
ولا تختلف البيئة الدولية عن نظيرتها الأقليمية في موقفها من مسالة التوريث. فالولايات المتحدة التي دعمت بقوة الأنظمة الملكية المطلقة في أشد فترات الصراع بينها وبين خصومها الجمهورين، دعمت أيضا حلفائها من المتقنعين بالجمهورية. ولن تتردد الولايات المتحدة حتى وهي ترفع لافتة الديمقراطية في دعم الجمهوريات الوراثية حاضرا ومستقبلا اذا كان ذلك سيحافظ على مصالحها. ورغم أن احداث ال11 من سبتمبر 2001 خلقت ظروفا محلية وأقليمية ودولية جديدة الأ أن تلك الظروف الجديدة لاترقى الى مستوى إحداث تغيير جذري يكفل سد الطريق أمام توريث السلطة في الجمهوريات العربية. ومن وجهة نظر البعض فان المبدأ الامريكي القديم والذي يهتم بالكيفية التي يستخدم بها القادة العرب السلطة ويهمل الكيفية التي يحصلون بها على تلك السلطة مازال وسيظل هو المبدأ الأكثر عملية.
الظاهرة عالميا
لايمكن بأي حال القول بأن ظاهرة توريث السلطة مقصورة على العالم العربي. فالنزعة الى التوريث تمثل إنعكاسا لطبيعة انسانية وليست، كما قد يقول الكثير من المسشرقين، نتاج لصفة عرقية أولعقيدة معينة. فالتقدمية في كوريا الشمالية لم تمنع كيم ايل سونج الذي حكم كوريا الشمالية لحوالي نصف قرن (1945- 1994) من توريث الحكم لأبنه من بعده. وحدث أمر مشابه في أذربيجان حيث عمل الرئيس حيدر عالييف على نقل السلطة لإبنه الرئيس الحالي "الهام عالييف" عن طريق إنتخابات شكلية أتسمت، بحسب العناني، بغياب الشروط الدنيا للنزاهة. وحتى الرئيس الكوبي فيدل كاسترو الذي تولى السلطة في بلاده كرئيس للوزراء عام 1959 ثم كرئيس للبلاد منذ عام 1976 يبدو متجها الى توريث السلطة لشقيقه رؤؤل الذي يشغل حاليا منصب القائد العام للقوات المسلحة. وحتى لا يتسرع البعض ويقفز الى القول بان ظاهرة التوريث في الأنظمة الجمهورية ترتبط بظاهرة الاستبداد والأستحواذ السياسي ونمو نخبة تعيش على الفساد والإفساد، فانه ينبغي الإ شارة الى ان الهند وهي اكبر ديمقراطية سكانية على وجه الأرض قد جربت التوريث لقرابة اربعة عقود على الأقل.
الآثار المحتملة
في ظل الظروف المحلية والإقليمية والدولية في العالم العربي تحمل ظاهرة توريث السلطة، وعلى العكس من الحالة الهندية، الكثير من المخاطر. أولا، إنها تعيد عقارب الساعة الى الوراء وتؤسس إطارا للشرعية يخدم القوى الأنانية وألإنتهازية التي تسعى الى التشبث بمصالح غير مشروعة عن طريق البقاء في السلطة ولو كان ذلك على حساب حق الشعوب في إختيار حكامها وفي التنمية والتطور.
ثانيا، تؤدي الظاهرة الى ارتماء الحكام (الآباء والآبناء) في حضن الأجنبي. وهذا أمر ليس بجديد حيث لوحظ مثلا أن الأنظمة الملكية في الوطن العربي قد كانت خلال الخمسين سنة الماضية أكثر إرتباطا بالخارج ومصالح الخارج على حساب الداخل المحلي والأقليمي. ويتوقع البعض ان ظاهرة التوريث في الجمهوريات العربية ستزيد من إعتماد تلك الأنظمة على الخارج. وهناك من يرى مثلا ان التغيير المفاجىء في علاقة الرئيس الليبي معمر القذافي مع الغرب قد كان مدفوعا ولو جزئيا برغبة العقيد في توريث السلطة لنجله سيف الإسلام. وعلى عكس ماقد يتوقعه البعض فأن الوارثين للسلطة من الأبناء في الوطن العربي قد يصبحون أكثر إعتمادا وربما إرتهانا للخارج مما كان عليه اسلالهم.
ثالثا، تؤدي الظاهرة الى مزيد من الإضعاف لشرعية الأنظمة الجمهورية. ففي الأنظمة الجمهورية الموجودة في مصر واليمن وسوريا وتونس وليبيا وغيرها من الدول العربية تمثل الشرعية الثورية (الإطاحة بالملك أو الأمام، أو التخلص من الحكم الإستعماري، أو الإثنين معا) الأساس الذي يرتكز عليه الحكم. وبرغم الضعف الذي لحق بتلك الشرعية ولأسباب متعددة فأن الأنظمة التي تعد للتوريث تراهن، كما يبدو، على شرعية جديدة لم تتشكل بعد هي شرعية الإنجاز وشرعية القاعدة الواسعة للنظام والقائمة على علاقة إنتفاعية رأسية بين مختلف مستويات الحكم.
ويؤكد إستطلاع (لم تحدد منهجيته ولا الجهة التي قامت به) نفذ في الفترة المصاحبة لوفاة الرئيس حافظ الأسد وصعود إبنه الى السلطة ونشرت نتائجه في موقع اسلام اون لاين حقيقة ضعف الشرعية في الأنظمة الجمهورية العربية. فقد رأى 61.2% من الذين شملهم الإستطلاع أن "الأوضاع في المنطقة العربية لن يحدث بها أي تغير مع مجيء قيادات جديدة..." وأظهر الإستطلاع، الذي من الصعب تحديد مدى علميته، وجود حالة من الإحباط لدى الرأي العام العربي من إمكانية تغيير الحرس القديم، الذي يحكم الدول العربية منذ استقلالها في خمسينيات القرن الماضي. وراى البعض ان خلافة الأبناء للآباء ستتم دون حدوث تغييرات او ستكون مصحوبة بتغييرات شكلية محضة. كما اظهر الإستبيان، وفقا للنتائج المنشورة، إن الجماهير العربية تنظر إلى القيادات السياسية الجديدة في المنطقة (في الأنظمة الملكية والجمهورية) والتي صعدت الى السلطة بالوراثة على أنها أقل كفاءة من سابقتها، التي خاضت معارك سياسية وعسكرية، سواء ضد الأعداء في الخارج أو الداخل.
رابعا, يؤدي توريث الحكم في رأس الدولة الى توريثه في كل مؤسسة وجهة وبالتالي إهدار معايير الكفاءة والتنافس والتوزيع العادل للوظائف بين الفئات الإجتماعية المختلفة، وإضعاف قدرة البلد على المنافسة وتحقيق التنمية. وتوضح التجربة اليمنية كيف ان سعي الرئيس صالح لتوريث السلطة لنجله قد قادت الكثير من مسئولي الدولة الى التوريث بطريقة او باخرى.
خامسا، يؤدي توريث الحكم الى نقل السلطة الى اشخاص قد لا تتوفر فيهم الكفاءة. فالرئيس السوري بشارالأسد مثلا متخصص في طب العيون ومؤهله الوحيد، كما يرى البعض، هو كونه إبنا للرئيس الراحل حافظ الأسد. والأكثر من ذلك هو أن بشار لم يكن يهتم بالسياسة، وأنه وجد نفسه يخوض المعترك بعد وفاة اخيه الأكبر، والوريث المنتظر للرئاسة حينها، في حادث سيرعام 1994 .
سادسا، يؤدي التوريث، في النظم الجمهورية والملكية على السواء، الى تكريس النظام القديم بآلياته ومؤسساته ورجاله وبالتالي تجميد حركة الحياة في تلك المجتمعات. واذا كانت السنوات القليلة الماضية قد شهدت إنتقال السلطة بالوراثة من الآباء الى الأبناء في كل من المملكة المغربية، البحرين، سوريا، والأردن، الإمارات، وقطر، فان اسهامات جيل الشباب في احداث تحولات في بلدانهم، من وجهة نظر بعض المراقبين، قد كانت متواضعة.
سابعا، يؤدي التوريث في الجمهوريات العربية الى إضعاف مبدأ الدستورية وسيادة القانون والإلتزام بما تسميه تلك الأنظمة "الثوابت الوطنية." ففي سوريا مثلا تم تعديل الدستور بين عشية وضحاها ليصبح شرط السن المنصوص عليه في الدستور مناسبا لسن بشار. وفي الجمهورية اليمنية تم تعديل الدستور من جديد في عام 2001 وذلك بعد مضي خمس سنوات فقط على تعديله للمرة الأولى وذلك بغرض التمديد لرئيس الجمهورية لعشر سنوات اخرى بعد ان كانت ولايته الدستورية على وشك النفاذ في الوقت الذي ما يزال فيه نجله تحت السن القانونية التي حددها الدستور لمن يتولى رئاسة الجمهورية.
ثامنا، تؤدي ظاهرة التوريث في الجمهوريات العربية الى إعادة تأكيد دور العسكر في الحياة المدنية وعلى حساب دور السياسيين. ففي سورية مثلا وكجزء من خطة إعداد طبيب العيون بشار الأسد للرئاسة تم إدخاله الى الأكاديمية العسكرية وسرعان ما اصبح عقيدا في الجيش السوري في عام 1999. وفي اليمن ترك نجل الرئيس مقعده في البرلمان ليتم تعيينه قائدا للوحدات العسكرية التي تمثل صفوة الجيش اليمني.

* أستاذ العلوم السياسية بجامعة صنعاء .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.