أوشكت أن تنطوي صفحة مُشرقة من تاريخ الديمقراطية في مصر الشقيقة لتُنبي عن فوز احدى المرشحين لرئاسة الجمهورية حمدين صباحي أو المشير عبدالفتاح السيسي، وبدأت النفوس تتوق والأنظار تترقب والأذان تُصغي لمعرفة من هو الفائز بهذا الإستحقاق الرئاسي الذي خرج من رحم ثورة 25 يناير وما تلاها من أحداث سياسية وعسكرية، وبات الكل في ترقب للنتيجة التي ستعكس إحدى توجهين، إما رغبة شعب مصر الشقيق في بقاء الحكم العسكري الصارم والحازم ممثلاً بالسيسي الذي جاء من أصل المؤسسة العسكرية (ولو أنه إستقال منها فعلاً)، أو ظهور نجم المواطن المصري البسيط الثائر ممثلاً في حمدين صباحي الذي جاء من بوتقة الثورة التي أطاحت بحكم مبارك! وبالرغم من أنَّ الخيار الحقيقي بيد شعب مصر، إلا أن الغالبية العُظمى من النُّقاد والمحللين السياسيين وحتى العامة على طول رقعة الوطن العربي الكبير على شبه يقين بأن فرصة السيسي أكبر من فرصة حمدين صباحي بسبب ما قام به السيسي من خطوة جرئية ضد جماعة الأخوان المُسلمين التي أتت بالدكتور/ محمد مرسي إلى رئاسة الجمهورية عقب إنتخابات عام 2012م! وسواء كانت تلك الخطوة إنقلاباً كما يُحب أن يُسميه البعض أو تصحيحاً لمسار الثورة كما يسميه البعض الأخر، إلا أنها أعطت للسيسي تلك القُدرة الكبيرة في التأثير على الرأي العام في مصر وكسب مودة شريحة عريضة ممن كانوا على خلاف مع نهج الأخوان! ولكني على خلاف هذه القراءة للأحداث أتوقع أن يفوز المرشح حمدين صباحي ولو بفارق بسيط (بضعة ألاف) وذلك لعدة أسباب، أهمها: · حمدين صباحي هو المُمثل الأكثر حظوة وحضوراً عندما نتحدث عن ثورة الربيع العربي التي بدأت في تونس وتلت في مصر، كونه خرج من بين أولئك الثائرين الذين كانوا في ميدان التحرير. · إذا كان السيسي قد قام بثورة/إنقلاب (سمه ما شئت) ضد جماعة الأخوان، مما جعله محبوباً لدى شريحة عريضة من الشعب المصري، فحمدين أيضاً كان حازماً في كل مقابلاته وأعلنها أنه أيضاً ضدهم. · حمدين كونه جاء من خلفية ناصرية مازالت لها تأثير كبير في عقلية المواطن المصري والعربي ككل بسبب ما قام به عبدالناصر إبان القومية العربية، يجعله أيضاً أكثر قبولاً من هذه الناحية. · حمدين أصغر عمراً وأقرب إلى مخاطبة "الشباب" الذين يمثلون أكبر الفئات العمرية في مصر حيث أن 50% من المصوتين ما بين 18-40 سنة. · خطابات الرجلين أيام الحملات الأنتخابية يُظهر أن حمدين صباحي كان أكثر تفوقاً، فهو متحدث مفوّه يمتلك خبرات لغوية وإعلامية تُمكنه من التواصل السهل مع الجماهير والتأثير فيهم، خاصة عندما يتحدث بقوة عن قيم وأهداف ثورة 25 يناير وأحلام العدالة الاجتماعية وحُكم الثورة والأمال بالتغيير، وهو الشيء الذي يقربه أكثر إلى قلوب البسطاء والفلاحين وعامة الشعب. ومع ذلك سواءاً فاز المشير أو حمدين، فإن مصر اليوم تعيش عُرساً ديمقراطياً لم يسبق له مثيل في تاريخها المعاصر، والقرار سيكون قرار شعب مصر الذي هو أدرى بمصالحه من أي شعب أخر! * عضو المجلس العالمي للصحافة