عندما نتحدث عن الثورات ونقيس حقيقتها ومدى واقعيتها فانه يتوجب علينا أن ننظر إلى الشعوب ونضعها هي المعيار والحاكم بغض النظر عن انتماءاتها الدينية أو أغلبيتها الطائفية، وألا ننظر إلى مصالحنا مهما كانت، ويجب أن نبتعد البعد كل البعد عن المحاباة ونرفض القتل بكل صوره وأشكاله، وان ندين الظلم لكونه ظلم، بغض النظر عن الطرف الذي وقع عليه هذا الظلم ومذهبه وطائفته أو اتجاهاته وميوله، أو الطرف الذي صدر عنه. ما نراه اليوم هو إن الشعوب العربية تنظر إلى ثورات بعض أقطارها بمنظار قوى خارجية مهيمنة تملك القوة التي تحرك حكام هذه الشعوب أو نخبها السياسية أو الدينية كيفما تشاء، ونجدهم في غاية الإذعان والإذلال لتنفيذ ما يملى عليهم فرأينا الحكام والفقهاء يهللون لثورة بعينها فهللت الشعوب بكل أطيافها وقدمت دعما شعبيا منقطع النظير، كما رأينا أيضا تهميش لثورة أو لثورات بعينها مع إنها ثورات حقيقية وقامت ضد واقع مؤلم إلا أن قادتها لم يكونوا في تصالح وتوافق مع القوى الخارجية، فوجدنا أيضا هذه الشعوب تمتثل للأمر دون أي محاولة للفهم، ولا أقول الرفض، لأنهم اجبن من يرفضوا أملاءات القوى العظمى . إننا لو نظرنا إلى دول الربيع العربي، وراجعنا مواقف الشعوب العربية جملة تجاه بعض الثورات التي قامت وانطلق صداها سلميا ،ابتداء من ثورة "الجنوب اليمني" التي قوبلت بالرفض من قبل الدولة المركزية نفسها، وتم التعامل معها بكل وسائل البطش والتنكيل، بالإضافة إلى التهميش واللامبالاة من كافة وسائل الإعلام المحلية و العربية والأجنبية ولم تعطى حقها من الإنصاف منذ انفجارها سلميا إلى اليوم. منذ قيام الوحدة بين شطري اليمن تعاملت قوى الهيمنة في الشمال مع الجنوب على انه فرع، والتعامل مع الجنويين على أنهم مواطنين من الدرجة الثانية، ولم يجدوا حقهم العادل من المشاركة في الدولة التي توحدت، ومن حينها تم تصفية قادتهم إما جسديا أو تغييبهم بالإخفاء القسري، بالإضافة إلى ما لقي الجنوب من احتلال فعلي، تمثل في الاستيلاء على الأراضي والمقار الحكومية وخصخصة المصانع إذا لم يتم تدميرها، وتشريد آلاف الموظفين الذين كانوا ينتسبون إليها بالإضافة إلى المنتسبين إلى جهاز الدولة السياسي والعسكري والإداري، وأصبحوا بين ليلة وضحاها، بدون مصدر رزق لهم ولأولادهم ومن يعولوا، كما تم نهب ثروات البحر و الصحراء والجبل، فلم يعد هناك شيء إلا وقد امتلكوه سواء بقوة القبيلة أو بقوة الجيش الذي سهل لهم الكثير من خطوات الاستحواذ والاستيلاء على كافة مصادر الثروة في الجنوب والتي كانت لم تزل بكرا، ولم يقفوا عند ذلك بل وصلوا إلى الاستيلاء على منازل المسئولين الجنوبيين وحتى منازل المواطنين العاديين الذين تركوا منازلهم وهربوا إلى الأرياف خوفا من الحرب التي كانت تحمل أبعاد همجية وقذرة، وحولها إلى أملاك شخصية لهم ولأسرهم، كل هذا حصل وما زال ولم تحرك الأطراف الشعبية أو الرسمية أو الإقليمية أو الدولية ساكنا لانتقاد الوضع و ما يدور. بقي الاحتقان الشعبي والجماهيري في الجنوب و أصبح مثله في الشمال ولكنه هذه المرة احتقان يحمل أبعاد أيديولوجية وفكرية، حيث انطلقت ثورة الحوثيين في شمال الشمال وتم التعامل معها حسب الهدف والطموح السياسي لكل فرقة وجماعة ودولة وبما يلبي تطلعاتهم، مستغلين كافة الأبعاد الممكنة لتحقيق مصالح وقتية و دائمة إن أمكن، فالحكومة اليمنية هي التي دعمت الحوثيين في بداية تكوينهم وقدمت لهم كل التسهيلات ليشكلوا حركة في القوة التي تجعلها قادرة على مواجهة المد السني السلفي في صعده ، كما جعلتها فيما بعد – حركة الحوثي - مصدر استرزاق من الجارة أو "الأخت الكبرى" واستغلتها أيما استغلال ثم قاتلتهم واتهمتهم بالخروج عن الملة والدين يساندها أصحاب الشوارب واللحى من حملة "الفكر السني" بمعية "الأخت الكبرى" التي قاتلتهم هي أيضا في حرب غير متكافئة وصبت عليهم جام غضبها ولكنها لم تفلح. عند انطلاق ثورة فبراير كان الثوار "المؤدلجين" في ساحات التغيير يزعمون أن الجنوبيين و الحوثيين على حق، وإنهم مظلومين، وان الجنوب و صعده وقعوا تحت الظلم والتهميش كثيرا، وكانوا يشيدون برقي ومدنية الجنوبيين، كما كانوا يشيدون بالأمن والاستقرار الذي أرسته وثبتت دعائمه جماعة الحوثي في صعده بعد الحرب السادسة، – آخر حرب بين الحوثيين والجيش- بعد إتمام سيطرتهم على المحافظة وبعض المناطق المجاورة لها، وقدم كبير مشايخهم الاعتذار، وعلى الهواء مباشرة لهؤلاء الجماعة في إحدى أشهر قنوات الأخبار العربية. اليوم وبعد إن رحل صالح عن السلطة – المتهم الرئيس في دمار اليمن ككل والجنوب و صعده على وجه الخصوص – عن الحكم، وبعد إن بدا يلوح في الأفق بريق الدولة المدنية الحديثة التي ضل ينشدها كل اليمنيين طوال عقود مضت، الدولة التي يجب أن يتشارك فيها الجميع ويتساوى في ضلها الجميع، نشبت الحرب وبدأ الاقتتال مرة أخرى، هذه المرة ليس قتالا عسكريا من قبل الدولة وإنما حربا قبلية بين القبيلة وجماعة الحوثي ،طائفية دينية بحتة بين الرافضة كما يسمونهم وأهل السنة، حرب نادى بها شيخ القبيلة وقادة التنظيمات السياسية المتأسلمة وتحت تأثير فتاوى مشايخهم، جاعلين من أنفسهم أوصياء على الدين. لقد أصبحنا في حيرة من أمرنا، وأصبحنا ندور في متاهة دينية مغلقة فأنت لست مسلم إذا ناصرت هؤلاء كما انك مسلم إسلام حق إذا دعمتهم!، وكدنا لا نعلم ما الدين والإسلام في الأرض ومن هم الذين يمثلوه اصدق تمثيل، هل هم أنصار الشريعة "القاعدة مصغر" في أبين و شبوه، أم الحوثيين في صعده وما جاورها، هل هم الذين يقاتلون الحوثيين من سلفيين وسنة وغيره، أم جماعة الإخوان المسلمين -الإسلام المعتدل- المكون السياسي تحت اسم "الإصلاح" المتخاذلين في كل مواقفهم السياسية مذ عرفناهم!!!! ولو تحدثنا عن الثورتين "السورية والبحرينية"هاتين الثورتين اللتين شكلتا البون الشاسع والصدع الرهيب والمرعب في فكر الأمة العربية من المحيط إلى الخليج وسنجد انشقاق مخيف على مستوى النسيج الاجتماعي الواحد، فهناك من يؤيد الثورة السورية باعتبارها ثورة السنة ضد "الشيعة" وهناك من يعاديها لأنه يراها كذلك، وهناك من يدعم الثورة البحرينية باعتبارها ثورة الشيعة ضد "السنة" وأيضا من يعاديها لأنه يراها كذلك، إذا أين هو حق الشعوب؟ لماذا لا نعترف بحق هذين الشعبين في تقرير مصيرهما بما يرونه مناسبا؟ لماذا لا ندعم الشعب السوري والشعب البحريني ضد حكامهم الطغاة؟ أو لماذا لا نرفض هاتين الثورتين جملة وتفصيلا؟ ولكن..سيقول قائل من نحن لكي نرفض؟و بأي حق نرفض؟ ... أقول نرفض هاتين الثورتين حافظا على السلم الاجتماعي في بنية المجتمعين. على من ينكرون الثورة في البحرين ومن لا يتحدثون عنها إلا همسا، أقول لهم: إخواني لقد حول الحكام في الخليج والبحرين -على حد سواء- هذه الجزيرة إلى ملهى ليلي لعصاباتهم، وجعلوا من البحرين مرقصا للسكارى والمخمورين،، إذاً وجب على الشعب البحريني أن يثور وينتفض، وكذلك الحال في سوريا فقد عاث فيها بشار وعائلته فسادا وصادروا الحريات وكمموا الأفواه لهذا وجب على الشعب السوري أن يثور، ولا احد يستطيع أن يقول لهذين الشعبين لا يحق لكم أن تثوروا أو تخرجوا عن الحاكم، بغض النظر عن جهات الدعم الذي يتلقونه وبغض النظر عن تشكيلهم الديني كل ما ذكر من أسباب ليست هي الأسباب الرئيسية لثورة الشعبين بل هناك أسباب أعمق و أوسع، ولكنه غيظ من فيض. أيها المفكرين والمثقفين يجب أن تكون مواقفكم مع الشعوب مهما كانت تختلف معكم في أفكاركم أو آرائكم أو معتقداتكم وليس مع الحكام بغض النظر عن مذاهبهم, فهذه الشعوب خرجت مقهورة ووجب عليكم دعمها ولو بالكلمة. أخيراً..لا احد يبرر الظلم مهما كان مصدره و أينما كان موقعه، فالظلم ظلمات ولا احد يستطيع أن يحدد مَن مِن هذه الشعوب مظلومة من عدمه غير الشعوب نفسها