كنت حاضراً عندما شيعت صنعاء جثمان شهيد الواجب"محمد سعيد عبد الوهاب النمر"يوم أمس ليتم نقله إلى قرية الأشروح بمحافظة تعز حيث مسقط رأسه ليوارى الثرى عليه هناك،غيمة من الحزن خيمت على كل أرجاء صنعاء إن لم نقل على اليمن بكلها،فالرجل الذي أستيقظ مبكراً لكي لا يتأخر عن عمله شاء له القدر أن لا يستيقظ مرة أخرى في هذه الدنيا الفانية،وزفته ملائكة الرحمن إلى ربه معززاً مكرما ليلقى الله وهو على دينه وإنسانيته وقيمه العليا التي دفعته للموت من أجل الحياة،نعم من أجل الحياة ،فقد كان الموت طريقه إلى الحياة وهو الشهيد الذي بذل نفسه من دافع الإنسانية التي تربت فيه قيمها منذ الصغر،وكذالك بذل الحياة لمن كادوا أن يغادرون الحياة ممن سقطوا في الشوارع جرحى قبل أن يصبحوا صرعى لولا إنسانيته. في أحداث الثلاثاء الماضي 9/9/2014م كان محمد النمر أحد ذالكم الضحايا الذين سقطوا أمام رئاسة الوزراء،لم يكن متظاهراً يهتف بالصرخة،ولا مستفزاً يصف الجنود بالدواعش،كذالك لم يكن ينوي اقتحام رئاسة الوزراء ولا أي شيء من هذا القبيل،بل كان رجل إنسانية حينما وصل إلى مسامعه أن أحداث دامية تجري أمام رئاسة الوزراء قاد سيارة الإسعاف وهرع إلى مكان الحادثة من دافع التفاني والإخلاص لعمله ومهنته، وإنسانيته قبلهما،لكنه حينما وصل إلى باحة المكان كان القدر يترصد به من فوهة البندقية ،فإذا بطلقة نارية تسكن في منتصف ظهره ليغادر الحياة بعدها شهيداً إلى جوار رب العالمين. الصليب الأحمر الدولي وغيره الكثير من المنظمات الطبية أدانوا واستنكروا هذا الجرم الشنيع بحق الإنسانية ،فالمسعفون والطواقم الطبية والصحفيون يجرم القانون الدولي الاعتداء عليهم تحت أي ظرف كان،لكن نحن في اليمن، ولا صوت يعلوا فوق صوت البندقية التي تأخذ مساراً مغايراً لمسارها الأصلي،فبدلاً من أن تذهب هذه الرصاص إلى رؤوس الإرهاب وأعداء الوطن تعود لتسكن في أجساد الطاهرين من أبرياء هذه الأمة وخيرة شبابها. بالفعل هو القدر بذاته،محمد النمر في أول يوم عمل له تقتله رصاصة الجندي الأبله الذي لا يعي ما معنى طلقة رصاص في غير مسارها،ليتقن الجميع استخدام السلام فالرصاص غدار إن لم تمسك بزمامه خرج من ذاته من فوهة البندقية وأتجه نحو أجساد الرجال . الشبل ريان هو أحد أبناء الشهيد عله كان بالأمس يضحك ويبتسم،ربما لأنه لا يعي شيء مما حدث،أو أنه يشعر بالفخر والاعتزاز الذي خلفهما له أباه،سيكبر في يوماً من الأيام ليخبر الناس عن حالة أباه الفريدة ،سيحكها بكل انتشاء وفخر حينما يسأله رفاقه ،أين أباك يا ريان؟،نعم بلكنة الفخر سيجيبهم، سيقول لهم أستشهد أبي وهو يسعف المصابين في زمنٍ مضى غابت فيه قيم الإنسانية فأحياها أبي من جديد،سيقول لهم،تلكم صنعاء الكبيرة برجالها ونسائها وأوديتها وسهولها وتلالها وقفت تقرأ الفاتحة على روح أبي،سيقول لهم،توقفت شوارعها وهدأت أصوات النشاز فيها وأجتمع الكل على قلبٍ واحد ليقرأوا الفاتحة على روح أبي،هكذا سيحدثهم وهم جاثيين أمامه يستمعون لقصة أباه الشهيد بكل هدوء. الشهيد محمد النمر،لم يكن حوثياً ولا مؤتمرياً ولا إصلاحياً،لم يكن يعرف معنى الانتماء الحزبي في شيء،كان فقط سائق إسعاف ينقل المصابين والجرحى من أي طرفٍ كانوا،بالمعنى الملخص! كان رجلٌ ينتمي إلى حزب الإنسانية وهاهو اليوم ينتمي إلى قافلة الشهداء،حينما كنت أجالس ذالك الرجل الراحل كنت حقاً اشعر أنني أمام رجل،فعليه رحمة الله،فالقدر يتخذ مساره دون أي رجعة ولا تباطؤ متى ما أمر الله بذالك،الرجل الذي كان يقود سيارة الإسعاف رقد أخيراً في سيارة الإسعاف،هكذا فقط جسداً هامدا أما روحه فقد صعدت إلى بارئها رب العرش العظيم لتسكن بين أروح الأبرار والشهداء والصالحين والأنبياء.
رحمة الله تغشاك يا شهيد الواجب والإنسانية"محمد النمر"والهم أهلك وذويك ومحبيك الصبر والسلوان(إنا لله وإنا إليه راجعون