شجاع كما عهدناه والوطن يأتي في مُقدمة أفعاله! لم يكن وصولياً قط ولا أغرته المناصب والألقاب ليكون بعيداً عن نبض الشارع! أحمد بن مبارك شخصية وطنية بإمتياز، عندما أدرك أنَّ تكليفه برئاسة الحكومة اليمنية سيؤدي إلى شرخ الصف اليمني ويُزيد الوطن تعقيدات فوق التعقيدات التي يعيشها أصلاً، قرر بكل روحٍ وثابة وصادقة التخلي عن المنصب الذي يتصارع عليه كل الفرقاء السياسيون وذي والمصالح الضيقة والذين لا يُهمهم في هذا البلد إلا المناصب والجاه والثروة التي يحققونها من وراء تلك المناصب من أموال الشعب! يتخلى عن المنصب الذي جاءه وهو خارج البلد ولم يسعى إليه، وغيره لا يتخلون عن مناصبهم وأطماعهم ونرجسيتهم رغم خروج الشعب عليهم بالملايين رافضين بقائهم في السُّلطة! شتان بين هذا وهؤلاء! فرحنا وأستبشرنا بتكليف بن مبارك برئاسة الحكومة لما نعلمه عنه من إخلاص وحُب للأرض اليمنية ولكفاءته التي لولاها لما نجح مؤتمر الحوار الوطني في بلدٍ يتحاور فيه الفرقاء بأصوات الرصاص وفوهات المدافع! ولكننا فرحنا أكثر بقراره التخلي عن هذا التكليف وتجنيب الوطن ويلات الأزمات التي يختلقها البعض لا لشيء إلا لبقاء اليمن تحت وصاية الخوف واللاإستقرار! ولأن الظرف الحالي ليس مناسباً لأمثال بن مبارك الذين يسعون إلى البناء والتنمية وإقامة دولة مدنية بعيداً عن إملاءت الداخل والخارج، بل كما قال الصحفي غمدان اليوسفي "المرحلة الحالية هي مرحلة إطفاء حرائق وليست مرحلة بناء"، فقد كان قراره ذاك حكيماً، وشُجاعاً، ودليلاً على وطنيته التي شكك بها من لا يعرفون من الرجل إلا إسمه، وحتى إسمه كثيراً منهم ينطقونه بشكل خاطئ كما يفهمون مواقفه بشكل مغلوط! أقول لبن مبارك: لا تبتئس أيها العزيز بنفسه وشعبه ووطنه، ولا تلتفت لأولئك الذين لا يقدِّسون إلا أنفسهم وفئاتهم ومناطقهم وعصبيتهم التي كشرت عن أنيابها بالأمس، والذين لا يفقهون شيئاً مما ذكرته في رسالة إعتذارك عن "بناء اليمن الجديد... الذي لا غالب فيه ولا مغلوب، يمن العدالة والمساواة والحكم الرشيد، اليمن الاتحادي الذي لا مركز مقدس فيه، اليمن الذي يحفظ لجميع اليمنيين وحدتهم وأمنهم واستقرارهم"! الشعب يُقدر لك ما فعلت، وسيظل في ذاكرة الأجيال ما حييت! وحق لك أن تفخر بنفسك، فكثيرةٌ هي الدُمى التي تحركها الأصابع، وقليل جداً من يرفضون أن يعيشون حياة الدُّما كما رفضتها أنت! ولكن حق لك أيضاً أن تبكي وأن نبكي معك اليوم وطناً تتقاسمه المصالح والأطماع، ويتحكم فيه مجموعة من الذين لا يعنيهم ما يُعاني منه المواطن من ويلات الاقتتال والخوف والجوع والمرض والفاقة والقهر ومن أوصلوا البلاد إلى حافة الإنهيار والتفكك! * عضو المجلس العالمي للصحافة