تتابعت وتيرة الأحداث على الساحة المحلية بشكل متسارع فاق كل التوقعات ، إبتداء بسقوط العاصمة بيد الجماعات المسلحة في غضون ساعات ليسقط معها ما تبقى للمؤسستين العسكرية والأمنية من هيبة ، وانتهاء بتمددها إلى باقي المحافظات تحت ذريعة فرض الأمن ومحاربة الإرهاب في ظل وجود تواطؤ رسمي مفضوح دحض معه فرضية عجز الدولة عن كبح جماح تلك الجماعات المتمردة. كل هذا يشير إلى أن ملف تقليص نفوذ التيارات الإسلامية في اليمن ، بشقيها المعتدل والمتطرف ، قد تم تسليمه لجماعة الحوثي بمباركة اقليمية ودولية ربما بهدف استنزاف قوة الجماعة هي الأخرى ، وبالتالي ضرب عصفورين بحجر واحد ، ولعل في ردود الأفعال الدولية المتأخرة وضعيفة اللهجة تجاه ما جرى ويجرى ما يكفي لتأكيد هذا التوجه ، هذا إلى جانب ظهور بوادر وجود تنسيق عسكري حوثي أمريكي دللت عليه ضربات طائرات الدرونز الأمريكية مؤخراً في البيضاء ، والتي توفر الغطاء الجوي اللازم لتقدم مقاتلي الحوثي في مناطق تواجد القاعدة هناك ، وهو ما يمكن تفسيره في سياق ما يدور في المنطقة من أحداث ، فالمجتمع الدولي يخوض حرباً شرسه ضد التنظيمات الإرهابية في العراق وسوريا وبتعاون إيراني ، علاوة على استمرار حرب دول الخليج على تنظيم الإخوان بعد تصنيفه كتنظيم ارهابي يهدد أمنها لا يقل خطورة في ذلك عن القاعدة وداعش. بعيداً عن الخوض في أسباب ما حدث نستطيع القول أننا الآن أمام واقع جديد يلعب فيه الحوثيون الدور الأبرز خصوصاً بعد أن آثر حزب الإصلاح ، خصمهم اللدود ، تحاشي الصدام معهم من خلال توقيعه على اتفاق السلم والشراكة شأنه في ذلك شأن بقية الأحزاب التي وقعت في واقع الأمرعلى تسليم صنعاء ، واقع وضع الحوثي في خط مواجهة مباشرة مع تنظيم القاعدة ورجال القبائل ، وعلى ما يبدو أنه قد بدأ بالفعل بدفع أقساط فاتورة دخوله العاصمة والتمدد بنهم شديد خارجها من خلال تكبده خسائر بشرية فادحة جراء مداهمته لأوكار القاعدة في كل من إبوالبيضاء بهدف القضاء عليها ، فبدلاً من مواجهة القاعدة وحدها ثارت عليه القبائل التي ترفض أي تواجد للغازي القادم من صعدة على أراضيها ، وهذا هو المأزق الحقيقي الذي وقع فيه الحوثي وسيدفع ثمنه باهضاً على المدى القصير والبعيد. كثيرة هي العوامل التي تجعل من مهمة تصديه للقاعدة بالغة الصعوبة كونها لا تخدمه بل تصب في مصلحة الأخيرة بشكل كبير، أهمها أن الحوثي قد مارس الإرهاب ضد كل من يختلف معهم مذهبياً وسياسياً على حد سواء خلال السنوات الماضية ، ليشتري بذلك عداء شريحة واسعة من اليمنيين ، فحتى الأقلية اليهودية لم تسلم من ارهابه ، هذا إلى جانب عدم ارتياح السواد الأعظم من الشارع اليمني لمشروعه المستورد من إيران ، وأخيراً طريقته المستفزه في اقتحام المدن والمحافظات بقوة السلاح تحت مبرر تأمينها ، وتنصيب نفسه بذلك كوصي على أبناء الشعب يقوم بوظائف الدولة الغائبة ، وهذا كله من شأنه زيادة الإحتقان الشعبي ضده ، وتزايد فرص انضمام المزيد من المقاتلين لتنظيم القاعدة أوعلى الأقل التعاطف معه والتسترعلى عناصره ، مما يعني تعاظم قوة التنظيم وتزايد خطره بالتوازي مع تمدد الحوثي وتشتت ميليشياته. يكفي للمهتم أن يلقي نظرة خاطفة على مواقع التواصل الإجتماعي ليلمس لدى شريحة واسعة من مرتاديها حجم التعاطف الكبير مع تنظيم القاعدة كونه المتصدرالوحيد لمشهد مقاومة الحوثي من وجهة نظرهم ، وإشادتهم بعملياته النوعية التي أوقعت الكثير من القتلى في صفوف الحوثيين ، هذا بعد أن بلغ السخط الشعبي على القاعدة ذروته خلال الأشهر المنصرمه بسبب جرائمها البشعة ضد أفراد الجيش والأمن ومهاجمتها ساحة السبعين و مستشفى العرضي ، ولكن بفضل حماقات الحوثي تحولت عملياتها في نظر البعض من ارهاب منبوذ إلى جهاد مقدس في غضون أقل من شهر، ولذا فإنه من المتوقع أن تشهد عمليات القاعدة ضد الحوثيين إزدهاراً سريعاً بعد أن كان تركيزها في السابق ينصب على الوحدات العسكرية دونما غيرها ، الأمر الذي ينذر بإنهاك قوى الميليشيات الحوثية من خلال حرب استنزاف طويلة الأمد يتحكم بأدوات إدارتها تنظيم دموي صعب المراس أثبتت التجارب أنه لا يتقيد بجغرافيا محددة ولا بسقف زمني في كل عملياته ، وهذا هو ما لم يحسب حسابه الحوثي حين اغراه من اغراه بنصيب الأسد من الوليمة مع أن نصيبه منها ربما يكون طعم لا أكثر تم الإيقاع به في الفخ من خلاله.