(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَٰئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) (الحجرات15). (وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُون) (لقمان15). (وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ الله لَغَنِيٌّ عَنِ العَالَمِينَ) (العنكنبوت6). الجهاد في اللغة العربية هو المبالغة واستفراغ ما في الوسع والطاقة من قول أَو فعل. جاهدةُ النفس هو جهاد روحيّ للنفس بفطامِها عن الشهوات والرِّضا. عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " يَسْتَأْذِنُهُ فِي الْجِهَادِ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَحَيٌّ وَالِدَاكَ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قَال : فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ) (حديث حسن صحيح وأخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي). من خلال ما سبق وبالعودة لجميع آيات (الجهاد) التي ذكرت في القرآن الكريم واستنادا لحديث ففيهما فجاهد (الصحيح) ولمعنى الجهاد في اللغة العربية يتبن لنا أن للجهاد أبواب متعددة تأتي لغرض تهذيب الروح والنفس، وليس (القتال) وحسب، ولو عدنا لآيات القتال في سبيل الله لرأيناها صريحة وواضحة بأنها تقصد (القتال) فقط دون جهاد الروح والنفس. بل أن القتال يأتي أدنى من طاعة الوالدين وبمراتب بحسب الحديث الصحيح، وبرأيي أنه يأتي أقل مراتب الجهاد الروحي والأخلاقي حيث أن الاهتمام بتقويم الذات مقدماً عن تقويم الغير، فقد نرى أناساً يطلقون على أنفسهم (مجاهدين) وهم لم يجاهدوا أنفسهم قط ولم يقوّموا ذاتهم فأنى لهم أولائك أن يكونوا (جنداً لله)! بل أن الأدهى والأمّر إنا كنا نراهم من قبل ذلك مجرمين وقطاعين طرق ولا يقيمون الصلاة ويعيثون في الارض فسادا ولم ينجزون شيء مفيد للإنسانية أو الوطن أو المجتمع أو لمن حولهم أو حتى لوالديهم ومن ثم يطلقون على أنفسهم لقب (المجاهدون)! إننا نرى تهاون عظيم في تقويم الذات وإصلاحها عبر الجهاد بالنفس والمال، وأرى أن طاعة الوالدين وخدمة المجتمع والمحتاجين وبناء الأوطان والأعمال التطوعية الانسانية والتي تستهدف جميع الناس -دون استثناء- هو الجهاد في سبيل الله بالنفس والمال وهو ما سينفع الناس والدين ويبقى أثره، وهو التهذيب الروحي والنفسي الحقيقي، أما القتال في سبيل الله لا يكون إلا في حال الحرب وعلى الوطن وبشروط حازمة ليست لمن هب ودب. ورأينا كيف أن الرسول أعاد رجلاً لرعاية والديه رغم حالة القتال والحاجة لمقاتلين. إننا نرى مناهجنا التربوية في المدارس مناهج (عوراء) وبحاجة لتصحيح وخصوصاً في جانب الجهاد في سبيل الله، لأنها توجد (البذرة الشيطانية) في الطلاب المراهقين ومنذ الطفولة لمعناه السامي، ويأتي من بعد من يزرع تلك البذرة في أرضية عدوانية وتخريبية خصبة، فنرى مراهقين وشباب في عمر الزهور قنابل موقوته هنا وهناك دون وعي أو إدراك لما يقومون به، وكل مبتغاهم جنة رسمت في عقولهم بأنها سهله المنال بتلك الأعمال القتالية والانتحارية إن قاموا بها! بعيدين عن اهتمامات من هم في سنهم بالتحصيل العلمي وبناء الذات وتنمية المهارات الخلاّقة لديهم والتي ستفيدهم وتفيد المجتمع من حولهم. وبالتأكيد الكل مشترك في ذلك الخلل الاخلاقي والنفسي، ولا بد من الاحساس بالمسئولية وبذل الجهد لتقويم أخلاق وممارسات المراهقين والشباب والعمل على احتوائهم وتفريغ طاقتهم بصورة ايجابية تخدم المجتمع والوطن والانسانية في البيت والمجتمع، والدور الاكبر مناط بالحكومة في احتواء ذلك عبر تصحيح المناهج التعليمية، ووضع الخطط للنشء والشباب وتنفيذها عبر أنشطة بغرض غرس فيهم الولاء الوطني والديني والانساني، والتعايش مع الآخر ونشر الخير، مالم فإننا سنظل في تلك الزوبعة الهدّامة وحتى قيام الساعة.