الرضى بالأمر الواقع لا يعني أن الناس يحبون الوطن ويحترمونه لأن هذا شيء وهذا شيء وهما منفصلان تمام الانفصال , قد تعيش في طن لا تحترمه بسبب عوامل ومشوهات تشعرك بالإهانة والذل والقهر . مواطن مثلا لا يمتلك إلا قطعة أرض صغيرة فيأتي قوي و متنفذ مجرم قلبه صحراء من الرحمة فيأخذها منك فلا تستطيع شيئا , لا مال تقاضيه به, ولا قوة تستردها بها, ولا جاه تأخذها به , تجد نفسك بين مطارق الحياة وجبال القوة والسيطرة , ولا تمتلك حولا ولا قوة . وآخر يقتل ابنك , ولأنه من أبناء العظماء والأغنياء أو متجبر فلا يستطيع الأب أو غيره فعل شيء , بل ربما حبس المظلوم وكُرِّم القاتل , ويدفع المسكين حق الخروج من قبل الشرطة , ويتحمل الدفن وتكاليف ثلاجة الموتى . عندما يكون أحدهم مريضا فلا يملك حتى ثمن مهدئات ومسكنات , ويفترسه الألم والمرض , حتى يجعله الوجع شبحا في منظره مكروها في عيشته , وَلَرَبَّما كان من أهل الكرامة والحياء , فينحر كرامته في المساجد يستجدي الناس تقاطيع الألف والمائة الريال . امرأة يموت زوجها أو من يعولها بحادث يسجل ضد مجهول , ثم تتردد على أبواب الكبراء والوجهاء فلا تجد ما يسد بداية الكفاف , وترى الناس يتقلبون في الملابس والمراكب والفراش وألوان الطعام , ولا تحلم حتى ببقايا الأكل وبقية المذكورات , فإن وجدت ما تشتري به ما تحسن به مظهرها حتى تعرض عرضها للأغنياء الذين رفضوا إعطائها المال حلالا وفضلوا أخذ شهواتهم منها مقابل قليل لا يقضي حاجتها , وتستمر هكذا حتى تنسى أنها كانت محترمة . الذي صنع هذه الحالات الأغنياء قتلوا كافلها ثم استغلوها في شهواتهم وبعد ذلك غالبا يحملونها العار والسجن وغيره من التبعات . لا يمكن عد حالات إهانة المواطن التي يسببها أهل النفوذ والسلطة والتحكم والسيطرة في اليمن لأنها كثيرة جدا , فهل نطلب بعد هذا من المقتول والمظلوم والمحروم حب الوطن واحترامه , وهو ما يعني حب الظالم والسارق والقاتل , ليس من العدل مثل هذه الطلبات الثقيلة , التي تُعبر عن الأنانية وحب الذات من قبل الظلمة المتكبرين , ويترجمها الكتاب والمثقفون الذين يُنْعم عليهم أهل الطغيان بما يسكتهم وينسيهم أجزاء الشعب المكلوم , والموجوع بضربات ومطارق التعالي المنتزع من الله لمصالحهم التي تظهر في صورة الاستعباد , وتبدو في التسخير المهين ؛ لأجل نزوات لا ترتفع عن الشيطان في صورته وفعله , ومع هذه الصور المحزنة يكذب الجميع على الناس في رفعها عنهم , وكأن هذه الأوضاع مصنوعة قصدا في التلميع والتحزيب ؛ كي يجد الطامعون بالحكم ما يمنون به الناس , حتى ينتزعوا أصواتهم في مسرحية اختيار الحاكم والنواب , ثم يمارسها بعد ذلك من نزع ثقة الشعب بها ؛ فيصير حاميها حراميها , ولو سردت شواهد ذلك في ماضي اليمن وحاضره ما انتهى مقالي.